بقلم / هاني الترك OAM

تخوفاً من موجة ثانية لهجوم فيروس كورونا رأيت ان أكتب عن تاريخ استراليا أثناء مداهمة فيروس الإنفلوانزا الأسبانية التي اجتاحت البشرية عام 1919 لعلنا نتعلم الدرس.. وذلك من شاهد عاين الكارثة:
كان بات ماكين يبلغ من العمر 17 عاماً حينما إجتاحت العالم الإنفلوانزا الأسبانية.. التي قتلت ما بين 50 مليون ومئة مليون نسمة.. وقد انتشر الوباء على ثلاث موجات متتالية قبل ان يختفي تماماً.
بدأت بوفاة عدد محدود من الناس.. وأصبح عدد الوفيات 12 شخصاً يومياً.. ثم عشرين شخصاً يومياً.. ثم مئة شخص يومياً.. الى ان إزداد الى 400 وفاة يومياً.. هكذا وصل العدد الكلي للوفيات في نيو ساوث ويلز الى 6387 حالة وفاة.. وكان عدد الإصابات 290 ألف إصابة.
أُغلقت المدارس وفُرض وضع الأقنعة على الوجوه.. وكان البائعون يسلمون الخبز واللحوم من على سور الحدائق.. كانت الشوارع والترامات شبه خالية.
يعتقد العلماء ان سبب ظهور الإنفلوانزا الأسبانية هو من براغيت الجرذان التي كانت تأكل أشلاء الموتى المتروكة لمدة طويلة دون دفنها في الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1918.
وبعد ان اجتاحت الموجة الثانية من الإنفلوانزا الأسبانية في شهر آذار/ مارس تقلص بعد ذلك عدد الموتى والإصابات.. وقد تم تخفيف القيود المفروضة في شهر أيار/ مايو.. وكان من المخطط ان يقام حفل رقص السلام إحتفالاً بنهاية الحرب العالمية الأولى.. وذلك بتاريخ يوم الجمعة 6 حزيران/ يونيو 1919.
والفنانة زوجة ماكين واسمها أستيل ماكديرموت كان لها الظهور الأول في حفل رقص السلام.. وقالت ان الحياة كانت مبهجة بتوقف الحرب العالمية وتوقف اجتياح الإنفلوانزا الأسبانية.
تم تدريب 72 إمرأة على الرقص في حفل السلام.. وهو أول حفل راقص ضخم في نيو ساوث ويلز منذ اندلاع الحرب العالمية عام 1914.. كان ضيف الحفل أمير ويلز الذي أصبح بعد ذلك الملك إدوارد.. كما بيعت 1800 بطاقة في الحفل.. إذ لم تشهد سيدني حفلاً مثله منذ وقت طويل.. وتهافت الناس على المساعدة للنصر في الحرب.
وتبع ذلك فرض القيود بسبب الإنفلوانزا الأسبانية.. وكان حفل السلام ترحيباً بعد سنوات صعبة من الحرب.. وكان موعد سيدني للإحتفال بإنتهاء الحرب.
كان اسم الفنانة الراقصة الرئيسية أستيل ماكديرموت في قائمة أسماء الراقصات في الصحف الاسترالية اللواتي بلغ عددهن 72 راقصة.. وفي القائمة أسماء 7 من الموتى من الإنفلوانزا في ذلك اليوم و159 إصابة جديدة وشفاء 67 شخصاً.
تبين بعد ذلك ان عدداً كبيراً من الراقصات ومن الذين حضروا الحفل قد أصيبوا بالأنفلوانزا وتوفوا من جرائها.
قالت أستيل في عام 1980 حيث أصبحت جدة ان عدد الوفيات الكبير حدث لأن الدواء لم يكن متقدماً مثل الآن.. ولكن الإزدحام وتجاهل التباعد الاجتماعي كان سبباً في الموجة الثالثة من إجتياح الوباء بعد الحفل.
والآن نحن في العام 2020 وتأثير الوباء أدى الى إغلاق المدارس والمصالح التجارية.. وإغلاق الحدود.. كلها تظهر اهمية التباعد الاجتماعي وتجنب الإزدحام.. وغير ذلك من مظاهر الإغلاق الشبه التام تظهر هذه القضية من الماضي.. وقت تفشي الإنفلوانزا الأسبانية.. أهمية التباعد الاجتماعي وتجنب الإزدحام وعدم تخفيف قيود الحظر.. ان سبب موجات الخطر قد تعود كما حدث في الماضي في الإنفلوانزا الأسبانية.. يجب عدم تخفيف قيود الحظر إلا تدريجياً الى ان نشعر بالثقة ان الخطر قد زال.. تخوفاً من موجة ثانية من كورونا.. وقرار تخفيف القيود يجب ان يكون طبياً وليس إقتصادياً.. هذا هو الدرس من الإنفلوانزا الأسبانية.