أنطوان القزي
ليس من عادتي أن أتحدث عن يومياتي الخاصة في البر ، فكيف إذا كانت في البحر.
و رغم أني لا أحب الرحلات البحرية وجدتُ نفسي الأسبوع الماضي في ضيافة المتعهّد المعروف ميشال حايك على متن الباخرة السياحية الضخمة «كارنفال سبلندر» (الصورة) التي أحيا فيها بضعة عشر فناناً شرق أوسطياً حفلات فنية على امتداد ليالٍ ثلاث.
فالرحلة البحرية الأولى التي تجرّعتُها مُكرهاً لا بطلاً كانت في أيلول سنة 1979 في جنوب فرنسا حين كنت أتابع دبلوما في اللغة والحضارة الفرنسية ، اصعدونا يومها على مركب كبير لنشاهد من البحر تمثيل معركة حيّة على إحدى الجزر الصغيرة قبالة مدينة كان كانت جرت بين الأسبان والفرنسيين في القرن السابع عشر، وبينما كان زملائي يستمتعون بالمعارك الحيّة الساحرة طيلة أربع ساعات، كنت أنا أصلّي كي يمرّ الوقت بسرعة لنعود الى البرّ.
مرّت السنين ووجدتّ نفسي أخوض تجربة البحر مجدداً في شهر آب سنة 1983 هارباً من مآسي المعارك في بلدتي الجية ومعي عائلتي وسيارتي وكانت تلك الهجرة النهائية من بلدتي التي لم أزرها منذ ذلك الوقت.
الأسبوع الماضي، وجدتُ نفسي على متن الباخرة الضخمة «كارنفال سبلندر» من باب المهمة الصحافية ومكرهاً أخاك لا بطلاً، حيث تواجد الألاف من أبناء الجاليات اللبنانية والعراقية والأردنية والفلسطينية والمصرية والشمال إفريقية ، امام مسرح واحد وفي مسبح واحد والى مائدة واحدة، أما الهمّ الواحد الذي يزعحهم فتركوه على البرّ؟!.
إنه مجتمع مشرقي متحاب متآلف متوحّد بالحب والإبتسامة..
وما لفتني من باب الفكاهة ما قاله عريف الحفلات على الباخرة الإعلامي هشام حداد حين راح يسأل:»وين العراقيين» ليعلو الهتاف والصراخ، ثم يسأل وين الاردنيين « ليخف الصراخ قليلاً، وكذلك عندما سأل عن الفلسطينيين والمصريين. وعندما قال هشام:» وين السوريين؟ ضجّت الصالة بهتاف وصراخ كبيرَين واناس يفقون في كل أنحاء القاعة ويرفعون أيديهم.. هنا فتح هشام عينيه محدّقاً بالجمهور متعجّباُ وقائلاً:» هون كمان السوريين كتار متل لبنان؟ عنا بلبنان كتار» ومرّت هذه اللطشة في سياق الفرح والأجواء الفنية.. وعندما سأل هشام أخيراً “وين اللبنانيين”؟، اضطر أن ينتظر قليلاً ليعاود تقديمه بسبب الهتاف المتواصل الذي انضم اليه الحاضرون من الأشقاء العرب مشاركين اخوتهم اللبنانيين عاطفتهم الوطنية.
الرحلة الأولى ، وكنتُ عازباً، كانت تمثيل معركة تاريخية .
الرحلة الثانية ، وكنتُ أباً ، كانت هروباً من معركة حقيقية.
والرحلة الثالثة ، وصرتُ جدّاً، وجدتُ نفسي في معركة فرح بحرية وعلى بُعد 15 ألف كيلومتر من موقع معاركي الأولى.. كأن الوقت قد كان لاستراحة المحارب؟!.