أنطوان القزي

 

آليت على نفسي منذ امتشاقي القلم ألّا أسكت على ظلامة أو على همٍّ أنساني، فكيف إذا كان وطني اليوم ينوء تحت ألف حمل.

هنا تستقيل الإعتبارات الفئوية ، وهنا نولي جراح شعبنا الأفضلية وهنا نزيل خلافاتنا الآنية.

حقّاً معيب، إذا صحّ ما سمعته من أن بعض الجمعيات الأهلية في سدني لم تتحرّك حتى الآن على الأقل تجاه بلداتها الأم، بسبب خلافات سياسية أو عائلية!!.

غريب، لماذا ذهب هؤلاء في زمن الإنتخابات النيابية وتجشّموا متاعب الرحلة الطويلة ودفعوا المبالغ المرقومة ثمن تذكرة سفر ليضعوا ورقة في صندوقة الإقتراع، وهم ذاتهم يحجمون اليوم عن مساعدة أهلهم وأخوتهم وأنسبائهم بفلس الأرملة.

ندفع ونتكلّف لنحافظ على الزعيم ونسحب يدنا من فم طفل جائع..

لا تتفاجأوا.. فهذا السيناريو ليس افتراضياً بل هو مشهد حيّ تعيشه بعض جاليتنا.

يا جماعة، عندما كانت أندونيسيا في عزّ الخصومة مع أستراليا، تجنّد كل الشعب الأسترالي لإرسال المساعدات الى ضحايا تسونامي الذي ضرب جارتنا الكبيرة.

ويوم حكم يلتسين في روسيا في عزّ الخصومة مع الأميركيين ، كانت طائرات الشحن الأميركية تهبط في مطارات موسكو وبطرسبرغ ناقلة المؤن والأغذية والمساعدات العينية.

ونحن ، ما دهانا اليوم نتوقّف عند اعتبارات ترقى الى مستوى الخطيئة.

فإلى الجمعيات الأهلية في أستراليا، المترددة حتى الآن، إن تصرّفكم غير مبرّر وغير مقبول، ساعدوا قراكم وبلداتكم ولا أحد يطلب منكم أكثر من ذلك، ليحافظ أهلكم على البلد الذي تزورونه سائحين، وإلا نكون سمحنا بسفر برلك جديد ليس بسبب الأتراك ، بل بسبب تردّدنا القاتل..

سنة 2010 قالت لي ابنتي الكبرى نغم وهي التي كانت تساعد أكثر من عائلة إفريقية في الكونغو:” هذا الشهر عليّ أن ارسل مبلغاً إضافياً لإحدى الجمعيات”، قلت لها لماذا، فأجابت:” أخبرتني الجمعية أن البقرة التي توفّر الحليب لأطفال ثلاث عائلات قد نفقت ويريدون شراء بقرة غيرها” ..وهكذا كان، أرسلت ابنتي المال  واشتروا بقرة بديلة.

منذ أشهر، بعد انفجار 4 آب ، طلبت مني ابنتي معلومات عن عائلات فقيرة في لبنان قائلة، “مّن يشتري بقرة لأطفال إفريقيا كيف لا يساعد أطفال بلاده”؟!.

وبعد، أما سمعتم جبران خليل جبران ماذا قال عن أهله الجائعين في الحرب العالمية الأولى:

“لو كنت سنبلة من القمح نابتة في تربة بلادي لكان الطفل الجائع يلقطني ويزيل بحياتي يد الموت عن نفسه، لو كنت ثمرة يانعة في بساتين بلادي لكانت المرأة الجائعة تتناولني وتقضمني طعاما.

لو كنت طائرا في فضاء بلادي لكان الرجل الجائع يصطادني ويزيل بجسدي ظل القبر عن جسده. ولكن، وامُرّ قلباه، لست بسنبلة من القمح في سهول سوريا، ولا بثمرة يانعة في أودية لبنان وهذه هي نكبتي.

هذه هي المأساة الموجعة التي تعقد لساني وتكبل يدي ثم توقفني بلا عزم، ولا إرادة ولا عمل.

 

واليوم،هل مّن يسمع؟!!.