حسين علي/العراق

 

 

 

تم إنشاء مرفأ بيروت في العهد الفينيقي على غرار مرافئ صيدا وطرابلس ومن سواها.

كان مرفأ بيروت من المراكز الإستراتيجية الهامة في المنطقة.

عندما استعاد المسلمون بيروت ومدن الشام، حرص الأمير بيدمر الخوارزمي المتوفى سنة (1387م) على الإهتمام بمرفأ بيروت وتجديده حيث أستخدمه لصناعة السفن.

تشير التقارير والدراسات التاريخية إلى ان مرفأ بيروت لا سيما في القرن التاسع عشر، حيث كان بمثابة بورصة عالمية يلتقي فيها التاجر اللبناني بتجار العالم بالإضافة إلى التجار العرب.

إن الجيل اللبناني كان يزود تجار بيروت ب (1800) قنطار من الحرير التي يتم تصديرها عبر مرفأ بيروت بواسطة مراكب أوربية وغيرها.

يعتبر مرفأ بيروت من اكبر الموانئ البحرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط ويقدر عدد السفن التي ترسو فيه ب (3100) سفينة سنوياً كما يضم العديد من الشركات والبنوك وعدد من صوامع القمح وقد

أدرجته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية المرفأ كأفضل مكان للزيارة والسياحة عام(2009) حيث تقدر البضائع التي تدخل إليه(70%) من حجم البضائع التي تدخل لبنان.

مرفأ بيروت يلعب دوراً حيوياً و أساسياً في معظم عمليات الاستيراد والتصدير.

يتألف مرفأ بيروت من أربعة أحواض يتراوح عمقها بين (20_40) متر وكما يمتلك (16) رصيف حيث يحتل لبنان المرتبة السادسة إقليميا على مستوى خطوط الشحن البحري.

إن مرفأ بيروت من أفضل الموانئ على مستوى العالم والمنطقة فهو يحتل موقعاً استراتيجياً حيوياً في عمليات الاستيراد والتصدير.

وكما ذكرت وزارة الزراعة الأمريكية أنه يتم إستيراد نحو (80%) من إمدادات القمح في لبنان من مرفأ بيروت.

في عام(2019) بلغ إجمالي إيراداته نحو(200) مليون دولار مقارنة ب عام(2018) حيث كانت إيراداته(313) مليون دولار.

في الرابع من أغسطس (2020) وقع إنفجار كبير في مرفأ بيروت مما تسبب في أضرار جسمية و إصابة العديد من الأشخاص حيث بلغ عدد الإصابات أكثر من مئة قتيل وآلاف من المصابين.

ان الإنفجار الذي وقع سبب دمار وخراب ودماء حيث كتب على بيروت الجميلة الدخول في مرحلة جديدة من السواد والحداد على مئات القتلى وآلاف من الجرحى.

إن هذه الكارثة المفجعة ستتبع كوارث و أعباء إقتصادية على لبنان و آمالها الاقتصادية والأعمال التجارية وهذا الإنفجار والخراب الذي سببه زاد الطين بلة على كاهل الإقتصاد اللبناني الشبه منهار وفقدان الليرة اللبنانية أكثر من (60%) من قيمتها في السوق السوداء.

كل ذلك كالنار أو بالأحرى كالكفن الذي يحيط بلبنان ويطوقها من كل جانب وكل جبهة.

إن الدمار والخراب الذي خلفه الإنفجار وحسب ما أشارت التقارير والتقديرات إلى ان الخسائر الاقتصادية بلغت ما بين(10 إلى 15) مليارات الدولارات وذلك لتعطل الحركة التجارية في المرفأ وحاجة الميناء إلى أموال ضخمة لإعادة إعمار البنية التحتية و إصلاح الدمار والخراب الذي لحق بالمرفا وليس المرفأ وحده كذلك الممتلكات العامة والأبنية التي تحيط بالمرفأ أو القريبة منها، حيث أُعلن أن بيروت مدينة منكوبة.

كما قال وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نغمة أنه لا يمكن إستخدام القمح المخزن في صوامع مرفأ بيروت وذلك لإنه أصبح ملوثاً جراء الإنفجار.

إن توقف مرفأ بيروت خسارة كبيرة ستؤثر على حركة السفن التجارية إلى الميناء وكذلك التأثير على القطاع الجمركي بالنسبة لرسوم الجمركية.

العديد من الدول حول العالم سارعت إلى عرض مساعدتها الغذائية والطبية والإنسانية لهذه المدينة المنكوبة ومن هذه الدول أمريكا وفرنسا وتركيا و دول الخليج العربي وحتى تل أبيب!!

الرئيس أكد دعم بلاده للبنان وقال “أن المساعدات سوف تصل إلى الشعب اللبناني ليس عن طريق الحكومة بل عن طريق جهات نثق بها” وهذا يضع عدة علامات استفهام.

إن التخبطات السياسية لها تأثير كبير على الدول، فالصراعات التي دائماً ما تحدث بين الأطراف الداخلية للهيمنة على المناصب والوصول إلى سدة الحكم وغالباً ما تكون هذه الأطراف مدعومة من الخارج سواء على المستوى الإقليمي والدولي.

إن هذه الصراعات التي غالباً ما تؤدي إلى خراب البلدان و تراجعها على المستوى الدولي وكذلك المستوى الإقتصادي والإجتماعي والسياسي وغير ذلك.

إن الإستئثار بالسلطة السياسية مسبب كبير للخلافات وكذلك التدخلات الإقليمية والدولية قد سكبت الزيت على النار وحتى الصراع حول الهوية الذي بدوره يولد الإقتتال بين الطوائف والقوى السياسية التي تلهث للحصول على مناصب في الحكم للهيمنة على مقدرات البلدان.

إن تراكم الخلافات عقداً بعد عقد و تهييج الصراعات والنزاعات دون إرتواء سبب رئيسي في هلاك البلدان وجلوسها على منابع التخلف والدمار وجحيم هاوية الازمان

ما يحدث لبنان يكاد يكون متشابهاً إلى حدٍ ما بما يحدث في العراق و سوريا وغيرهم من دول المنطقة.

ما حدث في بيروت يدمي القلب ويحز بالنفس.

إن مرفأ بيروت مرفأ إقتصادي تجاري فما علاقته بنترات الامونيوم التي كانت مخزنة في أحد عنابره.

أين كانت الحكومة من هكذا أمر؟

أين كان رئيس المرفأ من هكذا موضوع؟

من المعروف ان نترات الامونيوم مادة سريعة الاشتعال حيث تبلغ سرعته الإنفجارية(2,500) متر في الثانية بسبب محتواه العالي من آزوت النيتروجين إذ يستخدم في الأسمدة الزراعية وفي تصنيع القنابل والمتفجرات التي تستخدم في المناجم وعندما يتعرض للحرارة والصدمات العالية يتفكك إلى نيتروجين و أوكسجين و ماء مما يولد حرارة عالية تؤدي إلى موجات إنفجارية مدمرة وحسب قول مدير مرفأ بيروت حول تخزين الامونيوم في العنبر رقم (12) إن تخزين تلك المواد كان بناء على أمر قضائي حيث قال “أنه كنا على علم بخطورة تلك المواد ولكن ليس إلى هذه الدرجة”

وكما ذكر أن الجمارك و أمن الدولة أرسلا كتباً بضرورة إزالة تلك المواد منذ(6) سنوات لكن دون جدوى.

حسب إدعاءات رئيس المرفأ أنهم لا يعلمون لأي جهة تعود البضاعة المخزنة.

السؤال الذي يطرح نفسه

كيف لايعلم رئيس المرفأ أو الجمارك بالجهة التي تمتلك هذه المواد المخزنة والخطيرة بواقع(2750) طن من نترات الامونيوم وهذه كمية هائلة؟           وهو يقول أنهم ارسلوا كتباً لإزالة تلك المواد منذ(6) سنوات

حيث يقول خبراء الكيمياء أنه لا يجب تخزين نترات الامونيوم لأكثر من ست أشهر

وكما يسأل سائل

هل من المعقول أن المسؤولين في الحكومة و رئيس المرفأ لا يعلمون لمن تعود تلك المواد المخزنة طوال هذه المدة الطويلة؟

هل الشعوب العربية ساذجة إلى هذه الدرجة لكي تنطلي عليها هكذا تصريحات أو أقوال إن صح التعبير؟

الأيام القادمة كفيلة لتكشف من هو صاحب هذه البضاعة وكيف أنفجرت.

حيث شكلت لجنة تحقيقية لتقصي الحقائق من قبل الحكومة اللبنانية إضافة إلى الجهود الفرنسية والروس وقد ارسلت أمريكا فريق من اف بي آي ليشارك مع المحققين الروس والفرنسيين للتحقيق في حادثة المرفأ.

وهذا ما ستكتشفه التحقيقات والتحريات عن صاحب الشحنة وكيف وصلت إلى بيروت؟

ولماذا؟

وما هي معايير تخزين هذه المادة؟

 

وقد ذكر بعض المسؤولين في لبنان أنه يجب أن تكون هناك لجنة تحقيقية دولية وليس لجنة محلية من قبل الحكومة اللبنانية كما طالب السيد جنبلاط.

كما دعى زعيم حزب الله الحكومة اللبنانية لتحقيق في حادثة المرفأ و رفضَ التحقيق الدولي

أما كيف حدث الإنفجار، فقد ظهرت عدة روايات بعد الحادثة الأليمة.

إحدى هذه الروايات هي أن البعض سمع صوت طائرة قبل الإنفجار وإن الإنفجار نتج عن صاروخ أطلق من الطائرة.

أما الرواية الأخرى والتي ترجح أن الإنفجار حدث نتيجة قنبلة وضعت في العنبر المستهدف وحتى ترامب قال “أن الإنفجار قد يكون ناتج عن قنبلة أنفجرت” كما قال له القادة والخبراء العسكريين الأمريكان.

حيث تشير أصابع الاتهام نحو إسرائيل التي علمت بطريقة أو بأخرى أن حزب الله يخزن في المرفأ الصواريخ ومادة نترات الامونيوم وإن العملية كانت من تدبير الموساد وبعض المتعاونين معهم من داخل لبنان حيث قاموا بوضع القنبلة وحدث ما حدث من الإنفجار الهائل والذي خلف وراءه الدمار والدماء.

أما حزب الله نفى وجود أسلحة و صواريخ له داخل المرفأ.

وأيضا فرضية أخرى حيث ترجح الإنفجار ناتج عن إهمال وسوء إدارة

أنطلقت الإحتجاجات على أنقاض بيروت وعمت كل الشوارع والأزقة مطالبين بحقوق مشروعة وحيث علت الهتافات وصدحت الحناجر ضد سياسات الحكومة البائسة ومسؤوليها مطالبينهم بالتنحي عن سدة الحكم.

الغضب الشعبي ولد الإحتجاجات في لبنان وقيام المتظاهرين بنصب مشانق رمزية في شوارع بيروت لرموز سياسية مؤثرة في البلد والتي حملوها المسؤولية الكاملة لما جرى في لبنان من مآسي وحرمان.

فالشعب يطالب بنظام سياسي جديد يكفل حقوقه المسلوبة والقضاء على الفقر والمحسوبية وتحسين الوضع الإقتصادي للبلاد.

كما إن أحد الحلول المُثلى هو إنتخابات نيابية مبكرة بعيدا عن الطائفية و زج الخبراء لإعادة توازن المنظومة السياسية والإقتصادية فمنظمومة الفساد تكبل بل تخنق الدولة.

عندما يلتف ويتجمهر مجموعة كبيرة من الشعب حول رئيس دولة أجنبية وهم يناشدونه بالخلاص من حكومتهم ويطلبون المساعدة والمعونة من رئيس الدولة الأجنبية وحتى وصل الأمر بالبعض منهم أن يطلبوا منه أن تعود دولته إلى أراضيهم كما كان في السابق تحت اسم الإنتداب.

قبل عقود من الزمن حارب الأجداد بدمائهم و أموالهم وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل تحرير وطنهم وأهلهم من الإنتداب الفرنسي والبريطاني وتأتي المفاجئة الصاعقة أنه وبعد كل هذه المدة الطويلة يأتي الأحفاد ويطالبون بعودة الإنتداب لخلاصهم من الجوع والعوز والفاقة.

إن الفراغ السياسي الذي أوجدته الحكومة بينها وبين شعبها فهذا الفراغ ليس وليد هذه اللحظة بل هو نتاج سنوات من الضياع والمحسوبية وتدهور البنية التحتية للبلد و أيضا هبوط الليرة اللبنانية وسوء الخدمات وووو

كل ذلك صنع ذلك الفراغ الكبير والشرخ العظيم والذي دفع مجموعة كبيرة من الناس لتتجمهر حول الرئيس الفرنسي ماكرون ويطالبونه بالرجوع إلى أيام الإنتداب.

أضف إلى ذلك شعبية الرئيس ماكرون لدى الشارع اللبناني والتفاف الناس حوله وكأنه رئيس دولتهم وكأنه مطر هطل على أرض قاحلة مقفرة لسنوات طويلة عجاف وكما ذكرت آنفا كل ذلك نتيجة الفراغ الذي صنعته السياسة الجوفاء للحكومة.

الوضع في لبنان بعد حادثة المرفأ لن يبقى كالسابق فلبنان ستصبح ساحة تسابق و تنافس دولي.

فرنسا دخلت بقوة على الساحة اللبنانية وأرسلت مساعدات وطواقم طبية متقدمة الدول وطالبت بتنظيم مؤتمر دولي أوربي للمانحين وكما وأنظمت أمريكا للمؤتمر.

فالصراع والتنافس سيبدأ بين امريكا و روسيا وكذلك دخول الأتراك على خط التنافس مع فرنسا الأتراك يريدون وضع قدم لهم في لبنان للمنافسة مع الفرنسيين حيث أردوغان يريد نقل الصراع من ليبيا إلى بيروت حيث أنطلقت شرارة الصراع التركي_الفرنسي في ليبيا عندما ذهبت الفرقاطة الفرنسية كودبية لتفتيش سفينة شحن تركية ترفع علم تنزانيا للتحقيق مما إذا كانت تحمل على متنها أسلحة لتهريبها إلى ليبيا.

وأيضا لتخفيف الضغط الحاصل عليه من قبل الأطراف المعارضة لتدخله في ليبيا وفي مقدمتهم فرنسا وكما أنه يريد أن يثبت نفسه كقوة فاعلة ومنافسة للغرب في الشرق الأوسط وخصوصا المنطقة العربية.

الروس أيضا دخلوا على خط الأزمة وذلك عبر إرسال محققين ليشاركوا في التحقيق في حادثة مرفأ بيروت مع الفرنسيين وهذه بوابة جديدة لروس لدخول في ساحة التنافس مع القوى الغربية وعلى رأسهم أمريكا لكي يحصلوا على موطئ قدم في لبنان بعد أن فرضوا وجودهم في سوريا وقد علمتنا السياسية الدولية أنه أينما تتواجد أمريكا تتواجد روسيا كمنافس لها.

فالروس متواجدين في ليبيا وجود مالي وعسكري منافس لأمريكا بعد أن تراجع نفوذها منذ حادثة مقتل السفير الامريكي في بنغازي عام(2012) فالتدخل الروسي في ليبيا كان حافزاً كبيراً لأمريكا لمراجعة سياستها في الشأن الليبي والمنطقة العربية.

ماكرون يريد أن يبقى ضمن الأطر الدستورية والدبلوماسية بين الدول حتى لا يحسب عليه أنه تدخل في السيادة وكذلك خارج الأعراف الدبلوماسية وأن تدخله هو إنتهاك للقوانين الدستورية في لبنان.

الحكومة أمام مأزق كبير، أمام دماء الشهداء والجرحى والمفقودين، أمام الركام الذي يخيم على أجواء بيروت وكذلك الإحتجاجات المتصاعدة في شوارع لبنان.

التوقعات بالإضافة إلى التحديات تفرض نفسها في الظرف الراهن وذلك بعد قيام عدد من الوزراء بتقديم أستقالتهم للحكومة ومما أجبرَ الحكومة على تقديم الإستقالة وهذا ما أعلنه رئيس الوزراء حسان دياب والذي قال أن منظمة الفساد تنخر مؤسسات الدولة وكما دعا الى إنتخابات نيابية مبكرة بعيدا عن المحاصصة وأيضا ذلك أحد مطالب الشعب اللبناني.

رغم المآسي و الألم الذي لحق بأهل بيروت إلا أن السماسرة يزيدون من عمق جراج بيروت وأهلها حيث قاموا بعرض مبالغ باهظة لشراء المنازل الأثرية والتاريخية المهدمة من أصحابها والهدف الذي يكمن وراء ذلك تغيير المعالم وديموغرافية المنطقة وكذلك تغيير الهوية الثقافية لبيروت.

من المسؤول عن ذلك؟

من وراء كل ما يجري؟

من الذي يدفع لهؤلاء السماسرة ليقوموا بهكذا فعل؟

مستغلين فاجعة الناس و شدة أحتياجهم للمال.

يتساءل سائل

من المتضرر الأكبر من هذا الحادث الأليم والدمار؟

إن أعداد الضحايا التي تجاوزت آلاف جلهم من المدنيين إضافة إلى العشرات من المفقودين لم يجدوهم وبعضهم عُثِرَ عليهم.

إن المواطن اللبناني الذي يكافح من أجل عيش كريم ومستقبل أفضل له ولأولاده هو الخاسر الأكبر من هذه الحادثة وليس المواطن اللبناني وحده بل حتى المواطن العربي لإن المعانات والصراعات ذاتها إن كانت في لبنان أو العراق أو سوريا أو اليمن وغيرهم.

كذلك الإقتصاد اللبناني كسيحاً يحتضر جلس على الأرض نتيجة المناكفات والمهاترات السياسية والشعارات والصراعات التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه الآن.