بقلم لميس طوبجي

«» ألو .. ألو .. الشام .. ستي؟ ستي يا ستي .. اشتقتلك يا ستي .. علِّي صوتك .. صوتك بعيد .. «»
ليس الصوت البعيد بل أنا البعيدة .. أحادث جدتي عبر شاشة ..  يستقبلني صوت فيروز قبل صوت جدتي .. يخرج صوت فيروز من الشاشة .. من المذياع .. من الصباح .. من الشام .. من فنجان القهوة ..من قاسيون .. يتماوج صوت فيروز تاركاً داخل غرفة جدتي زَبَدَهُ فوق سريرها أزهار ياسمين ..
«» يسعد صباحك يا حلو «»  تقولها لي جدتي حين كنت أزورها صباحاً .. أسعد الله صباحك يا جدتي ..أقولها لها من بعد ..ترد عليَّ بابتسامة .. وكلمات ثقيلة وكأن حجراً رفع رايته فوق لسانها ومنعها من الكلام بسهولة ..
«» تبقى تقعدني و تحكيلي حكايات الجن الحلوة وزبيب و جوز تخبيلي و اعملا ركوة قهوة .. ستي اليوم بعيدة و بشوحلا بإيدي «»  في خزانتها تخبئ لي جدتي ما لذ وطاب من الأطعمة .. أشرب معها فنجان قهوة مضافاً إليه حب الهال وحبوب السعادة .. ألوح لجدتي بيدي عبر شاشة .. أرسل لها قبلاً من بعيد .. تصطدم القبلات بالشاشة .. حتى القبلات تذهب من الطريق الطويل لا القصير .. وتتأخر في الوصول إلى خد جدتي ..
«» مشتاقة لأخبارها.. يمكن عم تسقي جنينتها .. ع تلال الشمس وتحكي لصبية غيري حكايتها وعم تتذكرني وتبكي «»
لا أعتقد يا فيروز أن جدتي قادرة على سقاية حديقتها, ولا شتلات ياسمينها, فقد أصبحت عظامها هشة وغير قادرة على حمل جسدها ..  كيف تضعف العظام فجأة وتصبح عاجزة عن حمل الجسد والروح ؟ ما الدواء الذي من الممكن أن نهش به على الوجع ؟ وهل يكفي سيرومٌ موصول بالذراع لإمداد الجسد بالحياة وبالذاكرة؟
تتذكرني جدتي وتبكي .. تتذكرني جدتي وتدعو لي ..تتذكرني وترشُّ على نفسها عطراً أحضرْتُهُ لها قبل سفري .. تقول لمن حولها هذا العطر رائحة حفيدتي ..
«» صوتك بعيد ..جاي من الكرم .. جايي من التفاح .. صوتك حامل شمس وفَيء ولون التين والزيتون ايه وريحة الطيون يا ستي « « بذكر الليالي الطويلة وأنا طفلة بالزمان .. وقصص الشتا يحكيلي ..صوتك اللي كله أمان «»
ينقلني صوت فيروز إلى حضن جدتي .. إلى صوتها .. أتأرجح مابين الصوتين .. وأهمس لنفسي صوت من أجمل؟
«» ايه يا ستي .. ما حدا ينطرني .. يمكن طول «»
الطريق يا جدتي طويل طويل .. وقد انشغلت بقطف القصائد لعينيك لا الأزهار ..
«» ايه يا ستي .. شو بقلك يا ستي .. انتو بقلبي.. «»
قي القلب أنت .. فلا تدعي النسيان يلتهم أسماءنا .. ولا تتركي لَقَبَ اليُتم يلحق بنا … فلا نريد أن نكبر ..
«» ألو .. ألو .. انقطع الخط «»