لميس طوبجي- سدني
كان يا ما كان في قديم الزمان … كان هناك وطنٌ جميلٌ .. اسمه سوريا .. تلك حكاية تسردها الجدَّة على مسامعنا عن الماضي .. فيما تتكفل الحجارةُ اليومَ إضافة إلى نشرات الأخبار بسرد حكايات عن الحاضر .. عن وطن حزين اسمه سوريا .. نزح أبناؤه وهاجروا مبتعدين عن الحرب والدمار والخوف, فيما ظلَّت حجارة الوطن صامدة لم تنزح ولم تهاجر, بل بقيت تحمل همَّ أبنائها حتى بعد رحيلهم عنها.
حجارة جبل صافون المعروف باسم الجبل الأقرع والذي تنحدر سفوحه باتجاه شاطئ اللاذقية تنادي عاشق الحجارة «نزار علي بدر» ليذهب يومياً ويجمع الحجارة والحصى المتناثرة لا الأصداف ثم يعود ليعيد تكوين وتشكيل الحجر .. تنوعت المواضيع التي طرحها نزار .. لم يترك أمرا أو تصورا إلا وقام بتشكيله ولاسيما هجرة السوريين .. ينحت الحجارة بين يديه ويعيد تشكيلها لتتناسب مع اللوحة أو الفكرة التي يريد إيصالها .. يُقال إنَّ أجمل ما في الطبيعة الجبال لأنها ترفع الأفكار والأبصار .. وتيمناً بالجبل الأقرع الذي رفع إليه «نزار بدر» بصره وأفكاره لقب نزار نفسه ب «جبل صافون»…
أكثر من 25 ألف عمل خلال 6 سنوات .. إبداعات جعلت الصحفية الفرنسية إيدلن شنون Adeline Chenon Ramlat صاحبة كتاب سوريتي وموفدة صحيفة اللوموند تأتي من فرنسا خصيصاً لزيارته وتكتب دراسة نقدية وعدة مقالات عن فنه لتقدمه للشعب الفرنسي ولتعرض مآسي السوريين جراء هذه الحرب الظالمة.
إبداع نزار دفع أيضاً الكاتبة الكندية مارغريت ررز Margriet Ruurs إلى الاعتماد كلياً على لوحاته وتشكيلاته داخل طيات كتابها «حصى الطرقات» والذي تحدثت فيه عن رحلة لجوء راما وعائلتها السورية .. رحلة تصور آلام اللجوء والهجرة وكل ما خلفته الحرب السورية … كما تمت الاستعانة في اليونان وإسبانيا وفرنسا بتشكيلات نزار كأغلفة للكتب والملصقات لكونه الوحيد في العالم الذي ابتكر ذاك الفن .. وفي التاسع من أيلول الماضي وفي سويسرا وأثناء حفل موسيقي بعنوان (صور من الشرق ) لتكريم رائد الموسيقا الآلية في العالم كارل هانز ستك هاوزن karlheinz Stockhausen تمت الاستعانة بلوحات الفنان السوري نزار علي بدر حيث قام المخرج الإيطالي ساندرو كانشيلي sandro kancheli بإخراج الحفل الموسيقي.
يقول نزار: «أجسد الصرخة والحب والتهجير والقتل والتدمير .. إنها حجارة صافون .. صرخت: أوقفوا سفك الدماء .. نريد أن نعيش.» ينسب نزار أعماله لأوغاريت .. المدينة التي كانت منارة البشرية وأعطت الكون أول أبجدية .. ورغم هذا فإنه لا ينشر أعماله إلا على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، ولا يبيع أعماله في المعارض، فهو كما قال عن نفسه: «أنا فقير, عاطل عن العمل, لكني غني بإبداعاتي وانتمائي لتراب سوريا».
قوة خفية محركة من الداخل هي قوة الحب والجمال والعطاء والمجد تدفع أنامله إلى العمل بسلاسة وسرعة كما قال ..
يقوم جبل صافون أو نزار بتخريب أعماله بعد الانتهاء منها ولم يقم بتثبيت أي عمل، فبعد أن ينتهي من صف حجارة صافون ويكتمل مشهد اللوحة يلتقط عدة صور للعمل ثم يبعثره مباشرة، لأن تثبيت تلك الأعمال مكلف، وبعض الأعمال يتجاوز طولها المتر والنصف، وتصل أوزانها لـ 50 كغ إضافة إلى عدم توافر الكهرباء بشكل دائم.
ربما لم يخطر ببال أحد أن يكتب قصة عن الحجر لكن الحجارة كتبت قصصاً وكأنها حجارة ناطقة …. ليس للحجر لسان ولا شفتين ولكنه تكلم مرتين .. مرة حين نادى نزار إليه ومرة ثانية حين حكى للعالم وجع السوريين وقصص معاناتهم … لا حدود لعشق نزار لحجارة جبل صافون .. حبُّ جعله يبدع لوحات تحاول أن تلفت أنظار العالم إلى الوطن.