لميس طوبجي-سيدني
أجسامٌ من غير أرواح .. جسد مطاطي أو بلاستيكي أو قماشي أو ورقي أو خشبي .. جسد على هيئة إنسان أو حيوان .. هو جسد دمية .. جسد نحتفظ فيه طوال العمر لا في الطفولة وحسب .. لما يحمله من ذكريات وجمال وقيمة ..
تتعرض الدمية أحيانا لخلع أو كسر فنلجأ إلى رميها .. وكي لا نضطر إلى رميها وكي نحتفظ بذكراها بالإمكان إرسالها إلى مشفى يعيد إصلاحها وعلاجها .. مشفى الدمى في سيدني نشأ منذ أكثر من مئة عام على يد هارولد شابمان الأب وكانت البداية كإصلاح للدمى المُستوردة التي تتعرض للتلف أو الخدش خلال عمليات الشحن فبدأ الزبائن بإحضار دمى أطفالهم إليه ليصلحها ويعيد مجدها فتطورت الحرفة وتحول المتجر العام إلى مستشفى لتصليح الدمى ..
يحتوي المشفى على أقسام خاصة لإصلاح الدمى الأصلية أو البلاستيكية ودمى الدببة والدمى الخزفية أو القماشية .. وفيه أطباء مختصون في أجزاء مختلفة للدمية كالأعين أو الأذرع أو الأرجل .. وإضافة إلى إصلاح الدمى هناك متجر لبيع الدمى العادية وجَمْع الدمى النادرة ويُوجد خيَّاط لحياكة ملابس للدمى ..
تطور المشفى مع الوقت على يد ابن هارولد شابمان وحفيده وقد تمكن المشفى حتى الآن من إصلاح أكثر من 3 ملايين دمية إضافة إلى إصلاح السلع الجلدية وحقائب اليد والقفازات والمظلات والخزف واللعب الطرية وإزالة بقع الحبر وسواه..
يشعر أطباء هذا المشفى وأصحابه بالسعادة وهم يرون الفرحة في عيون الأطفال حين يستلمون ألعابهم بعد أن عادت جديدة كما كانت .. يشعر هؤلاء الأطباء بالسعادة لتقديمهم المساعدة .. فيما يشعر أطباء آخرون بالحزن لعجزهم عن علاج الناس كما في بعض الدول المقهورة الحزينة التي تتعرض للحروب والدمار .. داخل المستشفيات التي تعالج البشر يحاول الأطباء إنقاذ ما تبقى من بشر .. يحاولون إلصاق يد ذهبت مع ريح الحروب أو عين تفتش عن الأمان أو ساق ركضت وحدها مبتعدة عن الحرب وعن صاحبها .. تحاول تلك المشافى يائسةً إنقاذ الأرواح والأجساد عن طريق عناق أو علاج ..
في المدن التي تتنفس الحروب يكون محظوظاً من يموت من المرة الأولى وإلا فإنه سيموت عدة مرات .. فمن لم يمت من القصف سيموت من عدم توافر الدواء أو العلاج .. في المدن التي تموت يتدفق الناس بالعشرات إلى المستشفيات .. لكنهم يقفون وجهاً لوجه أمام الموت والوجع والدماء حين يلمحون المستشفيات وقد تعرضت للتدمير .. تمد المشفى رأسها من تحت الأنقاض تنادي أحدا يسعفها .. أو يلتفت إلى معاناتها ..
يوماً ما ستضع الحرب أوزارها .. حينها كم من مشفى ستحتاج البلاد المتوجعة .. مشافٍ متخصصة في علاج البشر والحجر إضافة إلى علاج العقول والنفوس والدمى ؟!