كامل المر – سدني
خلص تقرير جون شيلكوت ، رئيس اللجنة البريطانية للتحقيق بالتدخل العسكري البريطاني في العراق ، الى أن الأسس القانونية لقرار بريطانيا المشاركة في غزو العراق في العام 2003 “ليست مرضية”، وان طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق ” بالغ في الحجج التي ساقها للتحرك العسكري”.
واكد رئيس اللجنة ان “بريطانيا لم تستنفد كافة الحلول السلمية قبل الانخراط بغزو العراق ، وان الخيار العسكري في ذلك الوقت لم يكن آخر ملجأ لبريطانيا .”
واوضج التقرير ان المعلومات بشأن اسلحة دمار شامل مزعومة في العراق ، التي استخدمها بلير ليبرر الانضمام الى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الاميركية ، كانت مغلوطة ، لكنها قُبِلَتْ دون تفنيد ، لافتاً الى أنه “كان ينبغي توقع الفوضى التي عمّت العراق والمنطقة ، بعد ذلك .”
وكشف شيلكوت أن “بلير كتب الى الرئيس الاميركي السابق جورج بوش “واعدا اياه بالوقوف معه مهما حصل .”
وعلق دايفد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني المستقيل على نتائج التحقيق بالقول : “اليوم صعب على كل الذين فقدوا احبة لهم.” طبعاً المقصود من البريطانيين الغزاة .
هذا في الشق البريطاني ، اما في الشق الاميركي من المأساة فقد نوهت به صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية في مقال لها في 25 حزيران جاء فيه ان الاضطراب الذي يشهده العالم حالياً وآخره كارثة خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الاوروبي ، تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة الاميركية . واضافت الصحيفة قائلة ان غزو العراق الفاشل ، كان بداية تفجر هذا الاضطراب ، واعقبه الازمة المالية العالمية ، والحروب الضارية حالياً في الشرق الاوسط . وتابعت قائلة : “الولايات المتحدة بمشاركة بريطانيا اطاحت بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ، وتسببت في اشعال منطقة الشرق الاوسط برمتها . كما عصفت الازمات باوروبا ، ولم تفعل واشنطن شيئاً لاحتوائها”.
خلصت الصحيفة الى القول : “ان الولايات المتحدة لم تستطع تحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط، ولا هي تدخلت في الازمات الاخيرة التي تعصف باوروبا”.
ولم تتطرق الصحيفة ، كما فعل كاميرون الانكليزي ، الى مشاعر اولئك الاميركيين الذين خسروا احبة لهم في الغزو الانكلو- اميركي للعراق ، فالصحيفة ليست هيئة تحقيق كلجنة شيلكوت . وطبعاً لا لجنة شيلكوت ولا صحيفة الواشنطن بوست تهتم لما ارتكب الغزو الاميركي البريطاني من مجازر بحق الشعب العراقي ولا بما الحق من دمار وخراب بالعراق ، ذلك ان دولا كالولايات المتحة الاميركية وبريطانيا لا تقيم وزناً لما ترتكب جحافلها الغازية من مجازر بحق البشر، ولا الى ما تحدث من دمار وخراب للبلدان التي تغزوها .
واذا كانت بريطانيا قد خطت خطوة خجولة ، من خلال تقرير شيلكوت ، في تحديد مسؤولية طوني بلير رئيس وزرائها آنذاك في اتخاذ قرار الغزو الخاطئ كونه قد الحق نفسه ، ومن خلاله بريطانيا ، وباعترافه، بجزار العصر جورج بوش الابن حين كتب له “واعداً اياه بالوقوف معه مهما حصل ” ، فانها لا تفعل ذلك انصافاً للعراقيين ، بل تعويضاً لما الحق بها بلير من اذىً وبالبريطانيين من خسارة .
اذن ، وباعتراف لجنة التحقيق البريطانية الخاصة في التحقيق بالتدخل العسكري البريطاني في العراق ، لا اسس قانونية لهذا التدخل ، فمن سيتحمل مسؤولية هذا التدخل ? الغزو ? الخاطئ ، ومسؤولية ما نتج عنه من مآسٍ لحقت بشعوبٍ وببلدانٍ ؟!
وباعتراف الصحيفة الاميركية “واشنطن بوست” فان الاضطراب الذي يشهده العالم حالياً ، والذي ابتدأ مع غزو العراق تسبب بحروب ضارية في الشرق الاوسط تتحمل واشنطن مسؤوليتها ، وتشاركها بريطانيا بهذه المسؤولية .
لم نكن بحاجة الى تقرير لجنة شيلكوت ولا الى مقالة “واشنطن بوست” لنتأكد من مسؤولية اميركا وبريطانيا عمّا يحل بالعالم اليوم ، ولا سيما في الشرق الاوسط ، وبالتحديد في عالمنا العربي ، فقد سبق وتوقعنا وكثيرون غيرنا ان يتسبب غزو العراق بكوارث تصيب العالم اجمع . وحذرنا من مغبة هذا الغزو ونتائجه الكارثية على الشرق الاوسط وعلى العالم اجمع . لكن واشنطن ، التي كانت تتنسم “عبير” نفط العراق ، اسكرها ذاك “العبير” واصابها بنوبة جنون جعلتها تدمر العراق بالاشتراك مع اجدادها البريطانيين، وجعلها تتنسم ايضاً بانفها الاطلسي الطويل “عبير” نفط ليبيا وتفعل بها ما فعلته بالعراق بواسطة ادواتها الاطلسية وخدمها من الحكام العرب . ونوبة الجنون الاميركية مستمرة وتراقص داعش والنصرة ومشتقاتهما من على الحدود التركية مروراً بالعراق ووصولاً الى برّ الشام ، ومنه الى ليبيا وامتداداتها وارتداداتها الافريقية .
يقيناً ان هذا العالم الذي اضطرب جراء موجة الجنون الانكلو- ايركية ، التي دمرت العراق والشرق الاوسط ، وتهدد بتدمير مناطق اخرى من العالم ، لن يستقر له حال ما لم يساق نيرون العص وجزاره جورج بوش مع تابعه طوني بلير الى العدالة ليكون عبرة لكل طاغية “ديمقراطي” ? نسبة الى الديمقراطية التي يتغنون بها .
فهل يكون اول الغيث الذي هلَّ في بريطانيا من خلال تقرير لجنة شيلكوت ، ورشح ايضاً من خلال صفحات واشنطن بوست ، فاتحة عهد عدالة دولية ، ما زالت مفقودة حتى الساعة ، تحاسب وتقتص من كل من يتلاعب بمصائر الشعوب ؟!
عسى .. ونأمل ان يكون !.