بقلم هاني التركOAM
الحياة رحلة متعبة لمعظم بني البشر.. ولكنها قاسية بشكل فظيع على البعض ولا يستطيعون تحملها من شدة عذابها.. المثال على ذلك قصة الزوجين مارغريت ورايمون ساتون.. فقد ارادا انجاب الاطفال.. وبعد خمس حالات من الحمل والاجهاض حملت مارغريت وانجبت طفلاً اسمته ماتيو.. وكان مصاباً بتشوه جسدي وعجز عقلي.. اعمى لا يرى.. وتوقع الاطباء وفاته خلال ستة اسابيع.. ولكنه بقي على قيد الحياة.. وكل العاهات الصحية فيه ما عدا سمعه.. كان سمعه طبيعياً وعزاؤه الوحيد في هذه الدنيا هو الاستماع للموسيقى.. وخمسة في المئة فقط من الاطفال الذين يولدون مثل حالة ماتيو يبقون على قيد الحياة سنة واحدة.
غير ان ماتيو عاش سنوات اطول بكثير مما توقع الاطباء.. فبلغ عمره 28 عاماً امضاها في العذابات العظيعة والآلام المبرحة.. كانت عائلته في رعايته.. فقد اجريت له عملية لأذنه ولكن نجم عنها فقدان سمعه الى درجة الطرش التام.. فلم يعد يسمع الموسيقى التي كانت قد ابقته على اتصال مع الحياة.. انسحب ابواه من الحياة الاجتماعية وابتعدا عن الاصدقاء وافراد العائلة من اجل رعاية ماتيو بوقت دائم.
اودعاه في مكان للمعاقين بدرجة شديدة ولكن المرضى الآخرين اخذوا يسيئون اليه ويسخرون منه.. ويلحقون الضرر به.. وتدهورت حياته الى درجة خطيرة.. فكان في حاجة الى رعاية دائمة لأن عمره العقلي بلغ 3 سنوات فقط.
ازدادت الضغوط على مارغريت ووقعت في مخالب الانهيار العصبي واصبحت تتلقى العلاج النفسي.. وتحول زوجها رايمون الى شخص مدمن على الخمر.. فقد ماتيو كل حوافز الحياة.. والمصدر الوحيد الذي ابقاه حياً كان استماعه للموسيقى.. ولكنه اصبح فاقداً السمع.. يا لها من فاجعة عليه وعلى عآئلته.. وذات ليلة وصلت درجة اليأس بالوالدين الى ذروتها فقاما بإعطاء ماتيو العقاقير المسكنة بكمية مفرطة اكثر مما يجب .. ومات ماتيو.
لم يدل تشريح الجثة على ان سبباً غير طبيعي للوفاة.. فقد طلبت امه سيارة الاسعاف بعد اعطائه المسكّن وتوقعا ان تلقى الشرطة القبض عليهما.. ولكن لم تجرمهما بجريمة القتل الا عندما ذكرت مارغريت القصة بالتفاصيل للناس الذين بلغوا الشرطة بالجريمة.. فألقت القبض عليهما ووجهت في حقهما تهمة القتل المتعمد.
مثلا امام المحكمة وجُرما بتهمة القتل عن طريق الخطأ .. فقد طلبت النيابة العامة من القاضي فرض عقوبة السجن عليهما.. وقالت مارغريت للمحكمة:
«لقد ادخلنا ماتيو هذا العالم معاقاً وقمنا ببذل اقصى جهودنا في رعايته.. ولم نتمكن من حمايته من نفسه ومن الآخرين.. فكيف يمكننا تعريض ابننا الغالي لمستقبل مجهول محفوف بالآلام والمعاناة.. فقد تحمل ماتيو الكثير.. وكان شخصاً شجاعاً يستحق المكافاة وليس المعاناة.. وما ادراك حجم المعاناة.. وبأسمى معاني المحبة لـ ماتيو فقد تعلمنا من شجاعته في مكافحة اعاقته المدمرة.. اطلقناه من اي آلام اخرى.. فقد تحمل ما فيه الكفاية وقضينا على حياته رحمة به».
بالفعل تحملت مارغريت مع زوجها رايمون الآلام الفادحة جراء عجز ماتيو.. فكانت الموسيقى مصدر بقائه على قيد الحياة.. ولكن اصيب بالطرش … فلماذا يعيش بعد ذلك؟
وقال قاضي المحكمة العليا الذي نظر في القضية:
لقد عانت مارغريت ورايمون بما فيه الكفاية.. والمجتمع لا يود ان يفرض عقوبة السجن عليهما كما تطلب النيابة العامة.. ولا تريد المحكمة ان يتألما اكثر من ذلك.. فقد بذلا جزءاً كبيراً من حياتهما في العناية بـ ماتيو.. وفقدا كل امل في منح ماتيو الحياة العداية.. وحكم عليهما القاضي بعقد حسن سير وسلوك لمدة خمس سنوات.. واخذ الجميع في قاعة المحكمة يجهش بالبكاء.. وقال محامي الزوجين طوني بيال تتو: ان قرار المحكمة قد اراحهما من عذاب اليم.. فعاشا لمدة 28 عاماً وهما يعانيان من الاكتئاب النفسي.. الصعوبات.. والعذابات.. والآن يريدان العيش بصورة عادية».
وبالرغم من خطأ اعتقادهما انهما قد قاما بالفعل الصحيح بقتل ماتيو الا ان فرض عقوبة السجن سيكون قاسياً وصعباً عليهما ويزيد من معاناتهما.. وكل شخص يتعاطف معهما.. واذا كانا مذنبين بأي شيء فهو فرط حبهما لإبنهما ماتيو.. وعدم الرغبة في رؤيته يتألم.. وارى ان الله قد يغفر لهما ذنبهما بقتل ماتيو.. فقد ارتاح من العذاب واراح.