أنطوان القزي
لطالما كنا نتحدث في جلسات الأصدقاء عن “طوأفة ومذهبة” كل شيء في لبنان حتى الفاكهة والخضار جعلوها تنتمي الى طوائف ومذاهب. فالتفاح مثلاً ماروني والليمون سنّي والتبغ شيعي والزيتون أرتوذكسي والعنب كاثوليكي واللوز درزي، وقاطعني صديقي الدرزي” لا تنس التين يا صديقي”. فأجبته ممازحاّ “يحق لكم بصنفٍ واحد حتى لا يزعل الآخرون”.
تذكّرت هذه الجلسات وتأكدت من كلام صديقي الدرزي وأنا أسمع وأقرأ يوم الجمعة الماضي عن مجموعة من الشبان طردت بائعي تين دروزاً من حاصبيا كانوا يبيعون نتاجهم من التين في مدينة صيدا ردّاً على اعتقال الأهالي في بلدة شويا في حاصبيا شباباً أطلقوا صواريخ باتجاه إسرائيل بحجة أن إطلاق الصواريخ قرب المناطق السكنية يعرّض السكان للخطر.
في تلك اللحظة ، لم يكن ما قام به أبناء شويا طائفيا وهم شاؤوا أم أبوا يمثّلون وجهة نظر نصف اللبنانيين إن لم يكن أكثر من باب ان المعارك لا تُدار بين المنازل، وكان الأمر ذاته سيحدث لو كان أبناء البلدة ينتمون الى طائفة أخرى.
وفي المسافة بين حاصبيا وصيدا تحوّل الموضوع الوطني طائفياّ في محاولة طرد البائعين الدروز لولا تدخّل النائب أسامة سعد وإعادتهم الى حيث يسطوا “تينهم” مجدّداً.
وما كاد ينتشر الحبر الصيداوي ، حتى امتدت النار الطائفية الى عاليه حيث تمّ إنزال ركاب بعض ال”فانات” التي تعمل على خط بيروت البقاع. ولكنّ الله سلّم وتوقّف المشهد المخيف عند هذا الحدّ بسبب تدخّل القيادات من باب “مش وقتها”.
هذا المشهد الذي يشي بما تعتمل به نفوس اللبنانيين في كل المناطق، يذكّرنا بثورة 17 تشرين 2020 التي بدأت من أجل اللقمة والعيش الكريم وتحوّلت على جسر الرينغ الى طائفية وعصي وكرّ وفرّ وصل الى عين الرمانة وشارع مونو في الأشرفية.
سقى الله أيام الستينات يوم كنا نتحلّق أيام الآحاد في ساحة الكنيسة في بلدنتا حول بائع الحلوى خالد الآتي من الوردانية وبائع المعمول أبو علي الفلسطيني الآتي من عين الحلوة وكذلك بائعا الكعك بزعتر حسن وحسين، ولا ننسى بائع بذور “البعدرون” الدرزي الآتي من الجبل الذي كان يزورنا مرّة كل عام وكان اذا تأخّر عن موعده كنا نقول” ما باله العم أكرم تأخّر هذا العام”؟.
سقى الله أيام كنّا نستقل الباص الى صيدا حيث كان السائق مصطفى الصيداوي يحسم لنا من إيجار البوسطة لنشتري رغيف فلافل من محلات “فلافل عكاوي” الفلسطيني!.
صيدا التي كانت مستشفانا ومدرستنا ومطعمنا بتنا نخشى عليها من انفجار سلّة من أكواز التين مقابل راجمات تلال كفرشوبا؟!.