بقلم هاني الترك
By Hani Elturk OAM
يصادف الشهر الحالي العالمي للصحة النفسية والعقلية.. وتفيد احصائيات المكتب الاسترالي للإحصاء ان مواطناً واحداً من خمسة مواطنين يصاب بمرض نفسي او عقلي خلال حياته. . وواحد من كل مئة شخص يصاب بالفصام العقلي Schizophrenia .. والفصام ليس هو انشطار في الشخصية كما يظن البعض خطأ ولكن اضطراب في الفكر وتزعزع في الشخصية.
ورغم ان الامراض النفسية والامراض العقلية هي تعب في الاعصاب بطبيعتها الا ان الامراض النفسية تختلف عن الامراض العقلية من حيث حدتها.. فالامراض النفسية قد تكون على شكل ارهاق نفسي وعقد وصرعات واضطرابات في العلاقات العاطفية والاجتماعية واكتئاب نفسي وفوبيا (هلع او رعب في شيء معين) او تسلط الافكار غير السوي وعدم الانفصال عن الواقع.. الا ان الامراض العقلية صورة مستفحلة من الامراض النفسية يفقد معها المريض الاتصال بالواقع مثل الاضطراب العقلي Psychosis اي الهوس الذهني الذي يحدث باختلال الصلة بالواقع او الانقطاع عن الواقع لفترات.
ويسمى الاكتئاب النفسي بالانكليزية الكلب الاسود اي Black Dog .. وكان اول من استعمل هذا المصطلح رئيس الوزراء البريطاني وقت الحرب العالمي الثانية ونستون تشيرشل .. وكان قد خسر الانتخابات بعد نهاية الحرب واصيب بالاكتئاب النفسي.. وفي استراليا يوجد معهد الكآبة الذي يحمل عنوان The Black Dog Institute الذي يجري الابحاث في الامراض النفسية والعقلية.
واقيم مؤخراً مراكز لعلاج الامراض النفسية والعقلية للشباب والوقاية منها والتي تحمل عنوان Headspace حيث ان نسبة الاصابة بين الشباب هي 26 في المئة.
وقررت الحكومة الفيدرالية فحص الآلاف من الاطفال الذين تقارب اعمارهم ثلاث سنوات للكشف عن مدى استعداده للاصابة بالامراض النفسية والعقلية لعلاجهم مبكراً للوقاية من الوقوع في مخالب الامراض. ومثل تلك الاعراض هي النوم اثناء اضاءة الغرفة ونوبات الغضب والخمول المفرط اذ اثبتت التجارب عن علاقة غامضة بين سلوك الطفل والاصابة بالامراض النفسية والعقلية.. ويرى الخبراء ان مبادرة الحكومة بالعلاج المبكر هي اساسية في الوقاية من الوقوع في انياب الامراض.
ونسبة الاصابة بالامراض النفسية والعقلية في الجالية العربية مرتفعة حسب اقوال العاملين في مجال الصحة النفسية.. فلا يستفيد المهاجرون من خدمات الصحة النفسية والعقلية المتوفرة في القطاع الصحي.. وذلك لصعوبات متعددة منها حاجز اللغة والاختلاف الثقافي والوضع المالي حيث يلجأ المهاجرون لاستشارة طبيب عام ولا يلجأون الى طبيب اختصاصي في الامراض النفسية والعقلية.. بينما تشخيص وعلاج المرض يعتمد على الاتصال الكامل بين الطبيب والمريض .. وتوفير خدمات الترجمة حيوي لمن لا يفهم الانكليزية والعلاج النفسي لا يقتصر على علاج الاعصاب كما يظن البعض خطأً ولكن يمتد ليشمل الامراض الجسدية والمشاكل الاجتماعية المترتبة عليها لوجود علاقة متواصلة جداً بين العقل والجسم لا يفهمها العلم المعاصر.. وهناك بعض الاطباء النفسانيين يعالجون امراض السرطان وغيرها من الامراض الجسدية المستعصية عن طريق العلاج النفسي والعقلي.
ووسائل العلاج قد تكون بالإيحاء والتنويم المغناطيسي وتقوية الارادة وتسريب الوعي الباطني الى السطح والاقناع وتقوية الروح المعنوية والتحليل النفسي وتغيير السلوك وتصحيح الشخصية غير السوية وغيرها من الوسائل المناسبة لكل حالة على حدة.. الا ان التركيز على تناول العقاقير الطبية هو جوهري في حالات كثيرة وطريقة حيوية من اساليب العلاج.. وتقول التقارير الطبية ان وصف العقاقير الطبية الصحيحة للمصابين بالامراض العقلية هو بمثابة ربح ورقة اليانصيب.. لأن المسؤول عن الاصابة بالامراض العقلية هي عدة موروثات (جينات) مما ينجم عنها وظائف معقدة وعلاجها بالتالي معقد.. برغم ان ابا الطب النفسي سيغموند فرويد كان منهجه الاساسي في العلاج هو التحليل النفسي الا انه تنبأ قبل ان يموت باكتشاف العقاقير الطبية التي تساعد في العلاج.. وانخراط المريض في المجتمع للعيش فيه كافراد شرفاء لهم حقوق هو هام في مساعدتهم في العلاج.. لذلك يجب دمج المرضى في شبكة العلاقات الاجتماعية والانشغال بتحريرهم من الخمول والكسل والانشغال بأشياء تكون بمثابة عكاز الافضل الذي يريح عقل المريض المتعب.. ويخطئ من يظن ان المصاب العربي يجب ان يذهب الى اجازة بعيدة بحثاً عن الهدوء لأن الحل الامثل بالنسبة للعرب هو الاستفادة من الجو الذي يعج بالحياة وهو افضل من الوحدة والصمت.
والعامل الثاني الذي يسهم في عملية العلاج هو التحلي بالشجاعة وعدم الشعور بالخوف لأن الشعور بالقوة داخل النفس يمنح المريض الثقة بالنفس ويساعد كثيراً في عملية العلاج.
والعامل الثالث هو الايمان فالمريض الذي يعتقد ان الله سوف يشفيه ويوجهه الى الطريق الصحيح قد يشفي.. وذلك كله تحت ارشاد الطبيب الاختصاصي.. مع ملاحظة انه ليس هناك شفاءً من المرض العقلي ولكن علاج.. وربما يتطور العلم في المتسقبل ويتم اكتشاف عقاقير طبية شافية وليس علاجاً فحسب.
والخلاصة ان شعر الشخص بتوتر او اصبح يعاني من مشكلة نفسية اوعقلية يجب استشارة طبيب اخصائي لأن العلاج المبكر هو هام لأن المرض النفسي والعقلي ليس عيباً.. هنا يجب التذكير ان اجمل ما في عاداتنا وتقاليدنا العربية هو التركيز على شبكة العلاقات الاجتماعية من الصداقة والعشرة مع ابناء البلدة الواحدة التي تساعد المريض العربي في التغلب على المرض.. فالثقة بالنفس عند المريض والاعتزاز بانتمائه لجاليته وهويته وثقافته يجدّد المسؤولية في الحفاظ على تقاليدنا وعاداتنا ونظامنا الاسري الجيد.. والتخلي عن السلبية في المجتمع الاسترالي الذي يتميز بالتركيز على الفرد ولا يركز على وحدة العائلة مثل المجتمع العربي.. مع التفاعل بالمجتمع الاسترالي والاستفادة من نظمه والحريات فيه.. لأنه متقدم حضارياً عن المجتمع العربي بأشواط كبيرة.