غالباً ما يشكو أبناء الفيحاء من تصوير مدينتهم طرابلس بأنها حاضنة المتطرفين وبؤرة التفلّت الأمني.
وما حصل الأسبوع الماضي في مدينة العلم والعلماء ،كما نعرفها، يشي بأن هناك من يصرّ على جعل عاصمة الشمال علامة استفهام وهي تاريحياً ليست كذلك؟!.
فكيف كان المشهد الطرابلسي الأسبوع الماضي:
يوم الخميس، انتشر تسجيل مصوَّر من داخل مدرسة في مدينة طرابلس يظهر مجموعة من الفتيات وهنّ يتحدثن عن عيد الميلاد بطريقة رافضة وحادة، مستخدمات مصطلحات دينية اعتبرها كثيرون “إقصائية” بحق أبناء الطوائف المسيحية.
المقطع الذي التُقط داخل ساحة مدرسة مناهج العالمية تحوّل إلى قضية رأي عام، وسط نقاشات حول التعليم والدين والهوية وحرية التعبير، قبل أن يصل الملف إلى القضاء ويأخذ مسارًا رسميًا.
يُظهر الفيديو مجموعة من الطفلات داخل ساحة المدرسة يتبادلن الحديث حول عيد الميلاد، إحداهن تمسك ميكروفونًا وتطرح الأسئلة على زميلاتها أمام الكاميرا.
وتُسمع الطفلة وهي تسأل: “رح تتصوّري مع شجرة الكريسماس؟”، فترد أخرى: “أعوذ بالله، أنا لا أتشبّه بالكفار”. وفي لقطات لاحقة من التسجيل، تتحدث طفلة ثانية عن عطلة رأس السنة مشيرة إلى أن المسلمين “لا يشاركون بأعياد المشركين”، بينما يُسمع في الخلفية نشيد ديني يركز على الهوية الإسلامية.
ويوم الجمعة، زار البطريرك الماروني المدينة ، واستضافته المدينة في دارة المفتي محمد الإمام الذي لمسنا نبله واعتداله في سدني ، بحضور واسع ولافت من قيادات المدينة مما شكّلاً احتضاناً سنياً طرابلسياً للبطريرك شكّل ردّاً قوياً على مشهد الفيديو الذي صدر في اليوم السابق.
ويوم السبت أضيئت شجرة الميلاد في طرابلس في باحة كنيسة مار مارون في المدينة (الصورة الثانية)بحضور عدد كبير كن الفاعليات النيابية والبلدية بينهم اللواء اشراف ريفي وممثلون عن الرئيس ميقاتي وفيصل كرامي والوزيرة ليلى كرامي كما أضيئت أشجار الميلاد في الميناء وجبل محسن والقبة بحضور فاعليات من كل الطوائف. وهذه الأشجار بأضوائها تحدّت ما قامت به النفوس المظلمة في شريط الفيديو، وأعادت التاريخ إلى نصابه، الى المدينة التي كانت وما زالت أم الفقير، المدينة التي كانت مدرسة وجامعة ومستشفى مسيحيي الشمال .
من حيث المبدأ، الامتناع عن الاحتفال بأي مناسبة دينية هو حق شخصي كامل، كما أن الاحتفال بها حق شخصي كامل أيضاً، لكن المشكلة تبدأ حين يتحول الخيار الشخصي إلى توصيف للآخر، وحين يستبدل الاختلاف الديني بالتكفير، بما يحمله هذا الوصف من نتائج خطيرة على المجتمع، وبما يزرعه في عقول الأطفال من مفاهيم إقصائية خطيرة تقدم لهم كحقائق دينية نهائية، في مرحلة عمرية يكون فيها الوعي في طور التشكل، ما يجعل هذا الخطاب ترسيخاً مبكراً لمنطق نفي الآخر بدلاً من قبول الاختلاف.
في الخلاصة، القضية لا تتعلق بعيد الميلاد، ولا بخيار ديني فردي، بل بإدخال خطاب التكفير إلى المجال العام، وباستغلال الأطفال كأداة لتمريره، وبفشل أخلاقي وإعلامي في حماية القاصرين وتفكيك المحتوى بدلاً من تطبيعه. الأخطر من الفيديو نفسه هو التعامل معه كحادثة يمكن تجاوزها أو تبريرها، بدلاً من مواجهتها بما تحمله من دلالات خطيرة على المجتمع ككل، تزامناً مع عودة تنظيم “داعش” الذي عاد يذرّ بقرنيه في العراق وسوريا في الأيام الأخيرة؟!.
ختاماً، وبوجود مرجعيات مثل المفتي محمد إمام الذي زار سدني مؤخراً ( الصورة الثالثة)تسقط كل الرهانات التي تحاول تشويه وجه طرابلس.

