عبدالوهاب طالباني:
كنا على موعد مساء يوم السبت الماضي مع امسية ادبية رائعة جمعت محبين للادب والثقافة  في مدينة برزبن وفي إحدى قاعات المكتبة العامة هناك ، حيث وقّعت الاديبة الروائية المبدعة دينا سليم على روايتها الحزينة «جدار الصمت»..
وقد ابتدأت الامسية بكلمة باللغة الانكليزية قدمها الاستاذ ادموند جبور حيث رحب بالحضور، وتحدث فيها باسهاب عن ادب الاديبة دينا سليم واجواء كتابة روايتها «جدار الصمت»، ثم قدمت الروائية دينا سليم كلمة باللغتين الانكليزية والعربية رحبت فيها بالحضور وقدمت شرحا موجزا عن ظ روف كتابة الرواية موضوعة البحث وقالت :
للحياةِ  ألوان وأطيافٌ شتى مختلفة تُشبه قوس قزح، لكن قوسَ قـُزَح يختفي بسرعة، فتغيب عن السماء الألوانُ الجميلة، ونعود مدججين بالحقيقةِ الواعية وهي أن مشوارَنا على الأرض  بسيئاتهِ وإيجابياتهِ يجب أن يكتملْ،  وأنا أدركُ تمام الإدراكِ أنني وقبل أن قـدِمـتُ من الشرقِ الملوثِ بدمائهِ، كنتُ قد شربتُ ولو بعض رشفةٍ من كأس  اسمه الظـُّـلم.
حكايتي في حلقاتـِها الخمسينَ عمرا، تـُـزهر أدمعا، أدعوها (أيقونـَة الشرّ)، عندما يكون الإنسان المظلوم  صفقة  رابحة  يستفيد  منها الظالم، وعندما يصبحُ جسدُ المرأةِ مجرد جسدٌ لا قيمة له، تسكنُـهُ روح ميتة، عوضا أن يكون جسدا قـوّيا، وقارب نجاةِ الرجـل الغارق في ضعفـه.
ثم كانت هناك مداخلة الصحفي عبدالوهاب طالباني جاء فيها :  بدءا ، كأني اسمع دينا سليم في مهاد روايتها ترتل شعرا عندما دوّنت:
« لقد تلاشى الضوء من صباحك، وسقطت النداءات من بعدك ، هلا ادركت صدى صمتي ….»
وتمضي لتدوس على جراحها و تقول بمحبة مشوبة  بالكثير من الالم « يا ايها الشرس الجميل ، لقد قتلتني مرتين..».
ومن هنا نفهم ان الرواية كتبت بطريقة مركبة ، فقد عرضت الروائية الخاتمة ، ثم ذهبت الى التفاصيل ..
وأضاف:
قد يثار تساؤل مهم وهو أن الفنون تتعامل مع الستاتيكا ، اي مع علم الجمال وتتماهى به ، اذن كيف يمكن أن نصف الحال في حال رواية «جدار الصمت» التي بنيت أساسا على الحزن والالم ، اين صياغة الجمال من هذا ؟ ترى هل هناك جوانب من الجمال في مضمون او شكل الالم ..؟او هل ان الاحساس بالجمال والقبح مسالة نسبية تختلف من شخص لاخر؟
يمكن الاجابة على هذا التساؤل بالقول ان الرواية في جرسها الداخلي تبحث عن الحياة، تريد الشفاء لابنها باي طريقة ووسيلة ، تقو ل دينا سليم في مقطع من روايتها:
تتالت السنوات ، وبدأت تتساقط او راق الشجر ة ، وكبرت الحكاية ، هذه الشجرة العملاقة تتقزم ، ورقة تلو الاخرى، لم تشِخ الشجرة بعد لكن الامل في نفخ روح الحياة فيها بدأ ينبض.
وقال أيضا: رواية دينا سليم موضوعة البحث ،  في خضم استغراقها في مسألة الحياة والموت  تدخل بادواتها الفكرية في منطقة الجدل الديني  المحظور في الشرق الاوسط ، هذه المشكلة في حصار الفكر والابداع  ، وادّت الى منع الكثير من الروايات بل مقتل كتّابها و يعتبر الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ وروايته المشهورة  « اولاد حارتنا» أهم ضحايا هذا الحظر .
ففي حوارها المفترض مع  ابنها المريض «باسم» حول وجود «الجنة والنار» في المعتقد المسيحي الذي كان يشغل بال «باسم» كثيرا ، تعود دينا سليم الامّ لترضيه بطريقة مرنة وحيادية  عندما تقول لباسم ردا على تساؤلاته المتكررة حول ايمانها:
« اؤمن ، لكني لا اجعل هذا الموضوع من اولويات تفكيري ، لدي أشياء كثيرة اخرى افكر فيهاعدا الجنة والنار».
ثم كانت هناك مداخلة للاديبة نجمة حبيب  قرأها بالنيابة الاستاذ قيس الانصاري جاء فيها :
يلجأ الكُتًّاب عادة لرواية سيرتهم حفظاً لتجربتهم الحياتية من الضياع، او تطهيراً  للذات من حالة احتقان نفسي، أو للدفاع عن الذات في وجه حملة تشهير واتهامات تطال هويتهم وانتماءهم ووطنيتهم كما كان من أمر طه حسين في رائعته الايام التي كتبها بعد تعرضه لهجمة عداء شديدة على كتابه في الشعر الجاهلي . أما دينا سليم فتقول أن دافعها في هذه السيرة هو التعويض عن فقدان ابنها الشاب أو للتطهير من عذابات هذه المأساة لتستطيع تقبل فكرة موته.
وبقراءة متأنية  لسيرة دينا سليم جدار الصمت، نرى ان الكاتبة لم تتطهر فقط ولم تكتب تجربة لتخلد ذكراها وتكون عبرة لأحفادها  كما ورد في إحدى صفحات كتابها، بل كشفت عن رؤيتها العامة للوجود، وعما تؤمن به وتمارسه في حياتها. فتبين لنا أن الأمومة هي الأمة، رحم الحياة، الصدر الواسع الذي يضحي وينمر الذات ويترفع عن الحقد. وفي موقع آخر رسمت طريقاً للمرأة المغلوبة على أمرها تمثل بالإرادة الصلبة والمواجهة الشجاعة للقيم التقليدية البالية.
بعدها كانت مداخلة من الاستاذ  جميل شبيب قال فيها:
تمتثل رواية (جدار الصمت) للروائية دينا سليم إلى السيرة الذاتية، تستحضر لحظة وجود شخص يمتلئ بقامة تعاند الاختفاء عن عالمنا الأرضي، ولحظة وداع لا تريد لها الاستمرار، وبين هاتين اللحظتين، تعمد الروائية على استنفار الذاكرة مرة والتقنيات الروائية مرة أخرى لكي تبني صرحا ناطقا لذات تلاشت ثم  غابت في اللانهائي لتعود إلى دائرة الوجود المفتوحة ( لتقرع ناقوسها في فراغ الوجود من جديد، مثلما عادت إلى رؤوسنا التساؤلات الكثيرة لتطرح نفسها، أهمها، لماذا رحلت الآن بالذات، ولماذا لم تنتظر قليلا)!
.    كيف يتسنى لروائية ? هي في الآن أم – أن تسرد حياة ولدها البكر بعد أن غادر الحياة، وهو في اكتمال شبابه وحيوية حضوره الطاغي في ذاكرتها، كطيف نقّي من الأدران الأرضية التي كانت تحيط به؟ كيف لها أن تتجرد من حزنها المقيم وتجعل ابنها ( باسم) شخصية روائية تحتمل التألق والذبول، وتطالها الرذيلة أو تكتنفها فضيلة من نوع خاص، أتامل قدرة كاتبة واعية لحزنها المقيم أن تحيل سرد حياتها الخاصة إلى سرد روائي يحتمل الخيال الروائي في كِذبهِ وصدقِهِ، في ما يطاله من خيال وما يكتنفه من غموض وتداعيات ورغبات غير بريئة!
ثم كانت مداخلة الاستاذ خضر عواد الخزعلي:
رواية جدار الصمت، سيرة ذاتية، وملحمة إنسانية وشاعرية كتبت بروح مكلومة بالخيبات، والإنكسارات، لكنها روح مكابرة، ومثابرة، لم تزعزعها كل الخطوب والمحن التي توالت عليها، استخدمت فيها الروائية كل خبراتها الحياتية والإنسانية، وأدواتها الأسلوبية في اللغة الثرية بالمعاني والايجازات، والصور الدلالية، لتُخرج لنا نصاً سردياً، لم يكن جداراً للصمت بقدر ماكان فيضاً من البوح الجريء الذي لم نتعوده بعد في أدبنا النسوي.
كما ان كانت هناك مداخلة لابنة الكاتبة سوار مطانس باللغة الانكليزية ، ةولكن غلبتها الدموع وهي تتكلم عن امها واخيها المتوفي الذي يمثل ثيمة الرواية اصلا ، فسكتت ، لكنها عادت في نهاية الامسية وكملت حديثها.
هذه الامسية كانت حدثا ثقافيا مهما للبحث والتعمق في عالم صنف جميل من صنوف الكتابة الابداعية عبر  رواية  جدار الصمت» للكاتبة المبدعة دينا سليم ، وقد كانت حقا من الجلسات الممتعة لمحبي هذا الجنس من الادب.