علاء مهدي

أكرمني الدكتور عدنان الظاهر (ألحلّي) فخصني بمقالة قيمة عنوانها « مع الدكتور طه ناجي» حول الراحل أبن الحلّة الفيحاء الدكتور طه ناجي وكتابه الموسوم « ثورة العراق المجيدة .. 14 تموز 1958 والرهان الخاسر على العسكر”. بدوري أتقدم بجزيل شكري وأمتناني للدكتور الظاهر ، ابن الحلة الفيحاء ، ورمز من رموزها العلمية والأدبية والسياسية ، لهذه المبادرة الجميلة كما أتقدم بفائق أحترامي وتقديري لذكرى الشخصية العراقية الوطنية الحلّية الراحل الدكتور طه ناجي وعائلته الكريمة متمثلة بأولاده وأخص منهم أبنه الصديق والأديب الأستاذ فراس ناجي.
أن أستذكار مراحل حياة الراحل عبر كتابه في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها وطننا العزيز ، يتضمن تعبيرا وإيضاحاً لما مرَّ به رجالات الحلة والعراق الوطنيين في العهود السابقة من تعذيب وترويع على أيدي جلادين مارسوا أشد أنواع الوسائل التعذيبية بحقهم لا لسبب سوى لإيمانهم بمعتقدات مخالفة للنظام أو تلك الأنظمة.
لروح الفقيد الدكتور طه ناجي الرحمة والطمأنينة ، وجزيل شكري وأمتناني للدكتور عدنان الظاهر ، متمنياً من القراء إعادة نشر هذه المقالة المهمة على صفحاتهم وعبر البريد الإلكتروني وفي الصحف الورقية لتصل ليس لأبناء الحلة الفيحاء فقط بل جميع العراقيين.
مودتي
علاء مهدي
سيدني – أستراليا 6/8/2024
الظاهر
الدكتور طه ناجي
( كتابه : ثورة العراق المجيدة .. 14 تموز 1958 والرهان الخاسر على العسكر ) **
طه ناجي * أحد أبناء مدينة الحلة البارزين خُلُقاً ونضالاً وأكاديمياً مرموقاً ناله ما ناله من أذى وتحقيقات وتعذيب لفترة طويلة بعد إنقلاب الثامن من شهر شباط عام 1963 على أيدي زمرة من القتلة والشقاوات والساديين الدموين على رأسهم صدام حسين وطه ياسين رمضان الجزراوي ( الصفحة 432 ) وتحت سمع وبصر بعض طلبته في كلية الزراعة / جامعة بغداد البعثي القيادي محسن الشيخ راضي و
( غسّان مرهون العاني ). طلب منه صدام حسين أنْ يعترف لكنه أبى وأصر على إبائه وتحمل جراء ذلك الكثير من التعذيب بالضرب بالصوندات المطاطية والتعليق بالسقف مقلوب الرأس وغير ذلك. هذه هي أخلاق البعثيين في العراق وهذه هي مواقفهم من أخيار وأعلام وعلماء العراق ومثقفيه وصفوة أبنائه من ضحاياهم بالقتل تحت التعذيب وقص الأصابع والأطراف وقلع العيون أو فقئها والإعتداء على شرف النساء المعتقلات الصفحة 299 . جرائم البعثيين معروفة ومكشوفة سواء في إنقلابهم الأول على حكومة عبد الكريم قاسم في شباط 1963 أو بعد إنقلابهم الثاني في 17 ــ 31 تموز 1968 على حكومة الرئيس عبد الرحمن محمد عارف حتى سقوطهم في عام 2003 بالغزو الأمريكي وحلفاء أمريكا.
ذكر المؤلف الباحث الدكتور طه ناجي بعض أسماء مشاهير عناصر التعذيب يومذاك وفاتته أسماء عناصر أخرى معروفة فقد ذكر في ( الصفحة 249 ) :
( يقولُ حامد الجبوري : كان ناظم كزار مسؤولاً عن تعذيب الشيوعيين في مبنى كان يشغله مجلس النواب في العهد الملكي وكان معه سعدون شاكر وعلي رضا باوة وجبار كردي ومحمد فاضل ) ويضيف أسفل هذا الكلام على نفس الصفحة :
( ويذكر كتاب سلام عادل بشأن أسماء الجلادين ما تضمنته رسالة إلى المحافل الدولية كتبها والد أحد المتهمين من ضمن قائمة 13 شخصاً أعدمهم الإنقلابيون في آذار1963 ما يلي : إنَّ الأشخاص الذين يقومون بعمليات التعذيب في قصر النهاية هم مدحت إبراهيم جمعة وعبد الكريم عبد الستار الشيخلي ومنعم قدوس وخليل العلي وصلاح الطبقجلي ومحسن الشيخ راضي وعدنان هايس وعمار علوش وحازم مصلاوي ونجاد الصافي وصباح المدني وقد كان معهم إثنان من القتلة المأجورين اللذين لهما سجل حافل بالإجرام وهما جبار وستار محمود علي الكردي …..ويُشرف على عمليات التعذيب القائد العام للحرس القومي منذر الونداوي وغالبا ما يكون بصحبته نائب رئيس الوزراء علي صالح السعدي ووزير الدولة حازم جواد ). يا عراق أذكرْ جلاديك القتلة الساديين مصاصي دماء العراقيين ممن يعارضهم أو يخالفهم أو لا يخضع لهم ويرفض أنْ يكونَ لهم إمّعةً وماسحَ أحذية. فات المؤرخين ومن كتب عن إنقلاب الثامن شباط 1963 ذِكر قتلة وجلادين آخرين تعرف مدينة الحلة بعضهم ومنهم المجرم ناجي الدليمي وحسن إبراهيم المطيري وخيري العميدي .. كما ذكر لي في عام 1976 المربي والإداري والشخصية الوطنية المرموقة المرحوم صاحب حدّاد أنه والمربي إبن الحلة المرحوم مكي عزيزي السرحان عُذِبا في قصر النهاية شبه عاريين من قِبل ( سعد البزّاز شقيق الوزير والقيادي البعثي حكمت البزّاز نفسه.
أردتُ في مطالعتي هذه التركيز ولفت النظر إلى مسألة جديدة في نظري وحسب علمي خاضها المرحوم الدكتور طه ناجي وهي مناقشة وتحليل عقلية البعث وفكره وفلسفته وسياساته من خلال ما نشرت قيادات هذا الحزب من كتب وبيانات وتعليمات ولا سيّما كتابي ميشيل عفلق ( في سبيل البعث و البعث والإشتراكية ) وكتاب الدكتور إلياس فرح ( تطوّر الإيديولوجية العربية الثورية ــ الفكر الإشتراكي ) وكتاب هاني الفكيكي ( أوكار الهزيمة ) .. [ الباب الرابع الفصل الأول الصفحات 319 ــ 352 ]. كما تعرّض لبعض مواقف وآراء وتصريحات حازم جواد خاصة حلقات مقابلاته مع غسان شربل صاحب جريدة الحياة بالرد والمحاججة بتركيز واقتضاب. هل فعل ذلك أحدٌ قبل الدكتور طه ناجي ؟ لا عِلمَ لي.
ذكر الدكتور طه أسماء بعض زملائه من أساتذة كلية الزراعة الذين أُعتُقِلوا معه لكنه لم يذكر هل عُذِّبوا كما تم تعذيبه هو وهل مرّوا بجلسات تحقيق مطوّلة هو العذاب بعينه ؟ الظاهر أنهم لم يتعرضوا للتعذيب ولم يطلْ إعتقالهم وفي إمكان المرء أنْ يحدس الإستنتاج الصحيح فمنهم من تمَّ إطلاق سراحه سريعاً بتأثير عامل القرابات أو الوساطات أو بتقديم الرشاوى أو لأسباب أُخرى منها الإعتراف والبراءة. ما كل إنسان قادر على تحمل التعذيب والجلد والتعليق بالسقوف ببكرات خاصة أو بالمراوح السقفية الدوّارة المعروفة في العراق.
أسماء هؤلاء الأساتذة
( الصفحات 423 ــ 424 / المصدر) :
دكتور عبد الكريم الخضيري ــ عميد كلية الزراعة
دكتور حسن البصّام ــ معاون عميد الكلية
دكتور خالد الدّباغ ــ رئيس قسم الأمراض النباتية
دكتور عباس كلور ــ مدير معهد الغابات
دكتور عبد الأمير حُمّادي ــ المختص بشؤون البيطرة
رشاد بالطة ــ تدريسي في معهد الغابات
عادل إبراهيم ــ مسؤول المنحل
سعدي حمدان ــ قسم التربة
يضيف الدكتور طه ناجي قائمة بأسماء أساتذة آخرين ممن أُعتقلوا ( خلال الأيام القليلة التي تلت إنقلاب 8 شباط وربما لم يطلْ بقاء بعضهم قيد الأعتقال ومنهم ) :
دكتور عبد الكريم توما ــ فسيولوجيا النبات ــ الغابات
عباس أحمد صالح ــ تدريسي .. النبات
دكتور جليل أبو الحب ــ علم الحشرات
شريف حدّاد ــ النبات
كان الكاتب والباحث الموضوعي الدقيق والنزيه الدكتور طه ناجي قد إعتمد في كتابة بحثه هذا على عدد لا يُحصى من المراجع والمصادر والكتب المنشورة ولقاءات وتصريحات كبار مسؤولي حزب البعث وغيرهم من رجالات الأحزاب الأخرى لفت نظري بشكل خاص كثرة رجوعه إلى كتاب ( سلام عادل / جزءان ) تأليف ثمينة ناجي يوسف زوج الشهيد البطل الأسطوري سكرتير الحزب الشيوعي سلام عادل حسين الرضي النجفي.
طريفة أخرى لفتت نظري تتعلق بعواطف الدكتور طه الإيجابية مع كركوك والتركمان فيها وقد يكون السبب هو أنَّ قرينته الأستاذة مثله في كلية الزراعة / جامعة بغداد هي سيدة تركمانية ونداوية من كركوك وقد توسطت له [ دون علمه ورفضه للقيام بمثل هذه الوساطات ] لدى بعض معارفها وأقاربها البعثيين ومنهم قائد الحرس القومي التركماني منذر توفيق الونداوي الذي « ربّما « تدخل في إحدى مراحل سجنه المتأخرة وتعذيبه وحصل نتيجة ذلك بعض الإنفراج في مجمل أوضاع الدكتور طه ناجي ( الصفحة 436 ). لقد أثنى الدكتور طه ناجي على القاتل الكبير ومُغتصب السجينات منذ توفيق الونداوي ثناءً خفيفاً جداً من باب الوفاء وفاء الإنسان النبيل الأمين لمن يُسدي له بعض الجميل وهذا هو طبع وديدن الأوفياء النبلاء من أبناء حمورابي ونبوخّذ نُصّرْ في الحلة الفيحاء الزهراء حاضنة إمارة بني مزيد الأسديين بُناة ( الجامعين ) على ضفاف شط الحلة في القرن الخامس الهجري ورّواد أول تحالف عربي ــ كردي في تأريخ العرب والإسلام .
مسألة أخرى جديرة بالإهتمام : تعمق الدكتور طه في دراسة أسباب قيام ثورة 14 تموز 1958 وأسباب انحرافها بعد الأول من شهر مايس 1959 ( الإحتفال بيوم عيد العمال العالمي ) ثم سقوطها على أيدي البعثيين وحلفائهم في إنقلاب الثامن من شباط 1963. لقد شخّص صائباً أسباباً هامة على رأسها ما يلي :
1ــ طبيعة عبد الكريم قاسم العسكرية وتفرّده بالحكم وانقلابه على المخلصين من الضباط الذين وقفوا معه في أيام شدّته وصراعه مع خصومه ومن دبر وقاد الإنقلابات والمؤامرات ضده.
2ــ إنشقاق في قيادات الحزب الشيوعي العراقي الحزب الذي وقف معه وقدّم التضحيات دفاعاً عنه وعن الثورة … بين مّنْ كان يرى ضرورة تنحية قاسم عن الحكم لإنقاذ العراق والحزب والدمقراطية ( سلام عادل ونخبة معه ) وفئة أخرى لا ترى ذلك ( عامر عبد الله وزكي خيري وبهاء الدين نوري ).
3ــ الصراع بين الوطنية والأممية : وقوف الإتحاد السوفييتي إلى جانب قاسم والدفاع عنه وعن ثورة تموز وعلى الحزب الشيوعي مراعاة هذا الموقف. ثورة تموز ثورة وطنية وقاسم رجل وطني شريف نزيه ينبغي الإلتفاف حوله.

4ــ السعي الدائب والمحموم لقلب نظام الحكم والإستيلاء على السلطة من قبل البعثيين ومن والاهم تقف وراءهم أموال ودعم أمريكا وبريطانيا وشركات النفط [ بسبب القانون رقم 80 ] ودول حلف بغداد ثم الكويت [ بسبب مطالبة قاسم بضمها للعراق ] والسعودية.
ملخّص تأريخ الأستاذ طه ناجي ( الصفحة443 ) :
ـ مواليد الحلة محافظة بابل
( العراق ) سنة 1927
ـ تخرّجَ من جامعة كاليفورنيا ــ بيركلي ( الولايات المتحدة الأمريكية ) بدرجة بكلوريوس في الزراعة سنة 1950 ثم حاز على شهادة الدكتوراه في علم التربة من نفس الجامعة سنة 1957 .
ـ خدمَ في دوائر مديرية الزراعة العامة خلال العهد الملكي.
ـ وفي ( 1058 ــ 1959 ) كان عضواً في الهيئة العليا للإصلاح الزراعي التي رأسَها زعيم ثورة 14 تموز عبد الكريم قاسم.
ـ عضو هيئة تدريسية في كلية الزراعة بأبي غريب 1959 ــ 1963 ومن ثمَّ من 1970 حتى 1981 حينما تقاعدَ من الخدمة الجامعية بدرجة أُستاذ مُساعد.
ـ عضو هيئة تدريسية وبدرجة أُستاذ مُشارك ورئيس قسم التربة في كلية الزراعة ــ الجامعة الليبية ــ طرابلس ( ليبيا 1967 ــ 1970 .
ـ يُقيم حالياً في أُستراليا منذ عام 1994 .
ملاحظة : توفي المرحوم الدكتور طه ناجي في أُستراليا قبل بضعة أعوام ولا أعرف شيئاً عن أولاده وبناته وقرينته علما إنه صديق إثنين من أشقّائي وأنا أعرفه شخصياً منذ كنتُ تدريسياً في كلية العلوم / جامعة بغداد في سبعينيات القرن الماضي حين كان هو تدريسياً في كلية الزراعة / جامعة بغداد.
كتاب ثورة العراق المجيدة 14 تموز 1958 والرهان الخاسر على العسكر
الدكتور طه ناجي. الناشر : دار الفرات للطباعة في الحلة / محافظة بابل الطبعة الأولى 2009 م.
كتاب تاريخ الحلة القسم الأول ــ في الحياة السياسية لمؤلفه الشيخ يوسف كركوش الحلي. الطبعة الأولى، الناشر محمد كاظم الحاج محمد صادق الكُتبي صاحب المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الأشرف 196