أسّس جمعية قصوبة الخيرية مع رامزحبيب القزي في مطلع الستينات وفي يوم عرسه وصلت الكهرباء إلى الجية
الربو إضطره للعودة الى لبنان بعدما أمضى شهوراً في فنزويلا
بولس عبدالله القزي : «طلب مني عطالله القزي أن أتسلّم البلدية حتى لا تصل الى شقيقه مخايل فريد»؟!

وُلد بولس عبد الله القزي في الجيّة سنة 1930 في حي السهل علماً ان إخوته وُلدوا في حي مقصبة وهم من آل بولس الذين يشكلون مع آل عبود وآل جريش سكان مقصبة ويقول أبو أكرم ان أصلهم من آل سليمان الذي ينتمي إليه آل نادر في قصوبة.
سنة 1936 في عمر الـ6 سنوات بدأ بولس يتعلم عند يوسف نعمة القزي وكان يأتي سيراً من السهل الى مركز الجمعية في قصوبة لفترة سنتين. ثم تعلم عند كمال القزي في مركز الجمعية وإلى جانب الكنيسة قرب دير مار شربل حتى سنة سنة 1944 . وعندما دخلت قوات الجنرال ديغول مع الإنكليز، توقفت الدروس وهرب معظم السكان الى مدرسة الفرير في الرميلة للإحتماء. ولم يستطع ان يتقدم الى الشهادة الابتدائية الرسمية.

بعد الدراسة كان بولس المعيل الوحيد للعائلة بعدما أصيب والده بالفالج. فالتحق بمعمل البلاط في بيروت لصاحبه فؤاد الخوري لمدة 5 سنوات. بعد ذلك إستدعاه جورج سليمان نخلة ليحل محله في سوق الخضار في بيروت لأن الأول كان يريد الزواج، حيث كان جورج وبولس مميزين بالسرعة وسلاسة التعامل مع الزبائن.
بقي بولس هناك حتى سنة 1955 حين قرر السفر لتحسين وضعه المعيشي .
في البداية كان أنجز أوراق السفر الى فرنسا لكنه فيما بعد إنطلق الى فنزويلا لأن عدداً من أبناء الجيّة يوجدون فيها مثل طانيوس حليم عبود القزي وميشال منصور القزي وإدوار وروبير نخلة الذين كانوا في إنتظاره لدى وصول الباخرة الى فنزويلا.
في اليوم التالي لوصوله الى فنزويلا، رافق روبير نخلة حيث كانوا يأخذون البضائع ويجولون على القرى.
يقول بولس :» كان هناك شخص من جب جنين يعطينا البضائع من محله ويضعها في (الشنطة) ونحن ندور بها على المنازل، لكنني لم أستطع الاستمرار في كاراكاس إلا أياماً معدودة بسبب تفاقم حالة الربو معي، فنصحني طبيب لبناني الأصل من آل ضو أن أتوجه الى الساحل لأن الطقس هناك أفضل لي. وهناك وجدت أصدقاء غمروني بعاطفتهم وكنت أنام في أحد الفنادق قرب المرفأ في لوغوير».
وعندما كنت في طريقي الى فنزويلا أحسست بتزايد الربو لدى وصولنا الى جنوى في إيطاليا التي قضينا فيها 12 يوماً.

وفي فنزويلا نصحني الطبيب أن أعود الى لبنان قائلاً: «صحتك جيدة ، حرام أن تنزعها». وكان هناك في المدينة شخص من كفرحونة من الجنوب اسمه إلياس حداد عنده محل وكان يأتي إليه كثير من الناس يجتمعون في محله. طلبني الياس يوماً لأضع كباشاً مع أحد رجال الشرطة في المدينة، وأنا لم أكن أسمع بالكباش لكني لم أكن أريد أن أسفههم وواجهت الشرطي بصلابة كبيرة.
وبعد أيام وبسبب تفاقم الربو، وقبل أن تمضي سنة على وصولي الى فنزويلا، إستقليت الباخرة عائداً الى لبنان، ولدى وصولنا الى جنوى في إيطاليا قالوا لنا أن هزة حصلت في لبنان قبل أيام.

وصلت الى بيروت وبعد أيام بدأت الإنخراط في غناء الزجل في الأعراس والمناسبات الصغيرة وكان يغني في تلك الفترة قزحيا جبور القزي وعبد الله الحص ويوسف نعمة وأنا، وكان يوسف نعمة يقول للحاضرين في المناسبات: «وين الصبي؟»، يقصدني أنا لأنه كان معجباً بشِعري.
في تلك الفترة كان أخي شكيب مترهّباً وأنا أخدم والدي وحدي. وعندما كنت في سوق الخضار جاءني الشاعر  خليل روكز عدة مرات لأني كنت أسلفه مالاً (5 ليرات في كل مرة). وقال لي: «بيحكولي عنك وسأجعل منك شاعراً كبيراً».
وكذلك كان زغلول الدامور صديقاً لي.

وكان شاهين القزي رئيس الشرطة القضائية آنذاك يأخذني معه لألقي شعراً .. مرة أخذني الى الشميس حيث كان أحد أصدقائه قادماً من أميركا وقلت شعرا بحضور عدد من الضباط وجرجس الياس القزي.

يقول بولس انه كان يوماً مع أخيه في السعديات في عهد الرئيس شمعون وراح يلقي شعراً في الجمهور الكبير ولما رأى شمعون ان الورقة تهتز في يديه تقدم من بولس وأخذ منه الورقة ووضعها في جيبه.
في مرة ثانية ذهب مع أخيه شكيب الى السعديات، وكان شكيب ترك الرهبنة بقصد الوظيفة، سأله شمعون ما هي شهاداتك، أجاب شكيب أنا معي فلسفة ورد شمعون قائلاً» «يعني جايي تتفلسف علي»، هنا خرج بولس منزعجاً ولاحظ شمعون ذلك.

«بعد نحو أسبوعين، يقول بولس، كنت أزور السعديات برفقة جرجس ملحم القزي، رآنا الرئيس شمعون وتوقف بسيارته قائلاً لي: «شو باك ما عدنا شفناك؟» وكأنه يذكرني بتصرفي في السابق».
البلدية

قبل مجيء البلدية الى الجيّة أسّس بولس جمعية قصوبة الخيرية مع رامزحبيب القزي في مطلع الستينات ولأن عدداً كبيراً من البلدات حصلت على مجالس بلدية، تداعى بعض أبناء الجيّة وبينهم بولس عبد الله القزي وزاروا المير عبد العزيز شهاب في عهد اللواء شهاب مطالبين بإعطاء الجيّة مجلساً بلدياً، وتقرر ان يمنحوا الجيّة هذا المجلس وطلبوا مني أن أترأسه شخصياً وقالوا نرسل لك شخصاً من بيت الدين ليدربك على العمل البلدي.

أنا رفضت وترددت لأننا نسكن في غرفة صغيرة، فجاءني عطا الله فريد القزي وقال لي: «إقبل العرض لأنه إذا أخذها ميخايل فريد القزي فالله لا يحمله»، لكنني أصريت على موقفي وأصبح ميخائيل فريد رئيسا للبلدية وأنا كنت عضواً فيها».
وبعد ذلك عقدنا أول جلسة، وجلس جميل موسي على رأس الطاولة وهو نائب الرئيس وراح يتحدث وكأنه الرئيس. خرجت أنا ممتعضاً وتبعني مخايل فريد ثم دخلنا وقال جميل موسي: «معكم حق».

في الانتخابات التالية ترشحت ضد مخايل فريد لخلافي معه على بعض الأمور.
في السبعينات يوم كان كمال جنبلاط وزير الداخلية جرت إنتخابات بلدية بين لائحتي ميخايل فريد القزي وقزحيا بطرس القزي، وجرت عملية تزوير فاضحة في تلك الانتخابات إذ حملوا صندوق الإقتراع الى صيدا أولاً وغيروا ما غيروه بناءً على توصية الوزير جنبلاط بحذف ما أمكن من أسماء اللائحة الشمعونية ثم نقلوا الصندوق الى مركز القضاء في شحيم.
هنا قاطعتُ بولس وصادقتُ على ما قاله وأخبرته أن عطا الله القزي قبل ان يموت بفترة قليلة قال لي :»سأخبرك شيئاً وهو أنني شاركت في تزوير الأوراق وأسقطتُ والدك ناجي القزي الذي كان رابحاً». هذه المعلومة تطابقت بين شخصين سرداها في زمانين وفي مكانين مختلفين.
ختاماً أخبرني بولس ان والده عبد الله كان يقول له دائماً: «إنتبهوا لشمعون واستمروا الى جانبه فهو رجل عظيم»، كما أخبرني ان شمعون كان يرسل لوالده (بطحات العرق) في السجن لفترة طويلة.
تزوج بولس سنة 1960 من ماري مسعود القزي وفي الليلة ذاتها جاءت الكهرباء الى الجية و في ليلة العرس أضاءت المصابيح على ما وعده المسؤول عن الكهرباء يومها سامي القزي من المعنية.
هذا بعض من سيرة أبو أكرم، سردها لنا مشكوراَ رغم أنه كان في الثالثة والتسعين.
أجريَت المقابلة في أول آذار سنة 2023.