دينا سليم – برزبن

على غرار ما حدث مؤخرا في المياه، وغرق اللاجئين طالبي الحياة أكتب هذه الخاطرة.
تعود بي الذاكرة إلى المرحلة الأكاديمية، حيث طرح علينا مدرّس موضوع علم النفس فرضية قاسية وهي: (إن تعرضت الأم إلى الغرق، وكان معها طفلها، ماذا ستفعل برأيكم)، وذلك إثباتا لنظرية تتعلق بصفات وطباع الإنسان؟
من ضمن الزملاء أذكر جيدا زميلا لي، يدعى (سعيد) وقد كان من الطلاب المتفوقين، حيث قال: (ستضع الأم طفلها تحت قدميها حتى تنجو هي بنفسها)!
لم أتلوث بإحساس الأمومة بعد، لكنها غريزة تولد مع كل أنثى، ولم أحتمل ما قاله، دار نقاش حامي الوطيس، واستعرت المداخلات من الزملاء تؤيد ما قاله رافضة رؤيتي للموضوع، اعترضت وقلت له في حينه: (بل سترفعه إلى أعلى، أعلى الأعلى لكي ينجو، وتحاول قدر الإمكان إبقائه حيا على حساب روحها، هو أولا، الأم تعشق أبناءها قبل روحها)، احتد النقاش وتوسع كثيرا، وكأن الفرضية تحولت بالفعل إلى حدث وأنها حقيقة واردة مما أغاظني أكثر، تركت الحصة وخرجت إلى الحديقة، اختفيت بين أشجار الجوز، جلست في مقعد تحت شجرة وبكيت، من بين أشجار الجوز لاح  طفل جميل المحيا،  سار بمفرده يقهقه ضاحكا، قطع مسافة ما أمامي وطقطقة حبات الجوز تئز تحت قدميه، لحقت به والدته مذعورة، أمسكت به وأخذته في حضنها، قبلته وعادت به. حينها، استفقت على الحقيقة وهي، أنه ثمة طفل يلهو ضاحكا ولم أتخيل وجوده.
لكن بعد ما حدث مؤخرا من وقائع مؤلمة وأحداث جلفة، سوف أصدّق الفرضيات، وهي أن الإنسان مخلوق عديم الرحمة، فاقد لإنسانيته ويصبح مجرما عندما يشعر بالخطر، محب للحياة ويصارع من أجل البقاء وعلى حساب غيره لأنه قاس بطبعه.
ليت الزمان يعود بي إلى الوراء لألتقي بالطفل الضاحك، ما زالت قهقهته حاضرة دواخلي.. لأجلس داخل مقعدي تحت شجرة الجوز، أصغي إلى دموعي دون خجل!

دينا… شكراً

مَرِّيتْ على بريزْبِنْ وما كانْ على بالي خَطَرْ
إنّو فيها إنسانْ زيِّك يا دينا يشبَهِ القمَرْ
رقِّة وجمال وعْذوبِيِّة بالكلام في ليالي السَمَرْ
كلام حِلِو زي السَلسَبيل بالحَلِق بنْزَل من المَطَرْ
بِخَلِّيكْ تنسى همومَكْ وما بِجيك النوم في ليالي السَهَرْ
صوتْ بِدْخِل النشوِة بِقَلبَكْ وما هو اللي أمَرْ
رِقَّة وحِنيِّة وصوت رخيمْ ومِنّو ما نَدَرْ
رَبْنا يِحفظِكْ لَعيلْتِك ولمُسْتمعينِك ولإذاعْتِكْ جَبَرْ