بقلم عائدة السيفي- سدني
إلتقيته في إمسية وتكررت لقاءاتنا فأخذني فضولي للتعرف الى هذه الشخصية التي تبدو لي غامضة بالوهلة الأولى رجل سبعيني متوسط الطول مائل الى القصر قليلًا، أشيب الشعر واللحية حين جلس بجانبي رحبت به وقدمت نفسي له أنا ، الإعلامية عائدة السيفي أسترالية عراقية الأصل أكتب في عدة صحف محلية مثل صحيفة إستراليا اليوم وصحيفة التلغراف اللبنانية وصحيفة العهد المندائية ومجلة النجوم الفنية وغيرها من الصحف العربية الصادرة في سدني، قال والله ، أنا هاني الترك أسترالي من أصول فلسطينية وأنا أيضا
“ أكتب في جريدة النهار والتلغراف اللبنانيتين منذ سنين لم ألتقيك قلت له بدأت مع التلغراف منذ العام /2018 وأخذنا الحديث عن الأعلام والصحافة وما أكتب وما يكتب إنتهى تعارفنا بتبادل أرقام الهواتف والفيسبوك ووعدته قبل سنوات أن أجري له لقاء قال من الذي يجري لقاء للآخر أنا أم أنت، قلت له نبدأ بك وتكررت لقاءاتنا والحديث عن كتاباته وكتبه.
منذ طفولته عشق القراءة وجمع الكتب.. أحب رائحتها.. وتمتع بأجمل المعلومات من خلال فحواها وكنوزها الثقافية والفكرية. ومن شدة ولعه بها كان يجمعها.. حتى كان يسرقها من أي مصدر كان هنا السرقة حلال
يشعر دائماً ان الكتب هي جزء من كيانه. وتراث الإنسانية يسري في دمه.
حينما بلغ سن الفتوة ذهب للدراسة في الجامعة في مدينة القاهرة.. وترك ما جمعه من كتب لإخوانه . ومضت سبع سنوات وهو في القاهرة جمع أيضا”
فيها الكتب وهي هوايته المفضلة وأيضا” المجلات الثقافية الثمينة.. حتى كان في وقتها يتردد على منطقة الازبكية سوق بيع الكتب المستعملة في القاهرة.
ولما تخرج من الجامعة لم يكن يعرف أي بلد يتجه اليه.. حيث احتلت إسرائيل غزة وباقي فلسطين.. وكان يعز على نفسه فراق الكتب التي جمعها. ولكن لا مفر من ذلك.. فطلب من زميل له ان يبيعها كل يوم في بسطة كتب عليها يافطة: «مكتبتي الخاصة للبيع».. وكان يبيعها في الشارع المركزي التجاري الرئيسي في القاهرة.. وبالطبع كان يتقاسم معه قيمة البيع يومياً..
فقد حزن كثيراً على خسارة موروثه الفكري والثقافي
حمل حقيبته متجهاً الى بلدٍ مجهول.. وبها كتابان.. الأول هو الكتاب المقدس.. والثاني قصة حياة سيغموند فرويد.. فقد كان صعباً عليه ان يتخلى عنهما.
قادته الاقدار الى سدني وعمل في المصانع اثناء دراسته اللغة الإنكليزية.. كان مصراً ان يدرس علم المكتبات لأنه أحب الكتب.. ولما تعلم اللغة درس في جامعة نيوساوث ويلز..
وهناك حصل على شهادة
عليا في علم المكتبات
. “وحضر لرسالة الماجستير. موضوعها
احتياجات الجالية العربية للمعلومات )
درس البحث القانوني في جامعة سدني للتكنلوجيا. وتخصص بمكتبات القانون . عمل في مكتبة المحكمة العليا لنيوساوث ويلز والمحاكم الأخرى
لسنواتٍ طويلة
.. تدرج الى منصب مدير مكتبة وزير الادعاء العام
بعد تقاعده من مهنة إدارة مكتبات القانون والقضاء اتجه الى الصحافة العربية.. وعمل في صحيفتي النهار والتلغراف. ولا زال يعمل في عموده الشهير إستراليات.
طيلة فترة اقامته في سدني وهو يجمع الكتب بالعربية والإنكليزية.. فأصبح عنده مكتبة ثنائية الثقافة.. منها كتب موقعة من جهابذة العلوم في العالم (جهابذة تعني العلماء الذين لديهم قدر كبير من العلم والمعرفة ) والذين زاروا سدني.. سواء سياسية او اجتماعية او تاريخية وغيرها من فروع المعرفة.
كان في كل مرة يرحل من بلد الى آخر يجمع الكتب.. ويعتقد إن هذه المرة اقترب موعد رحيله عن عالمنا الأرضي.. ورحيله هذه المرة بلا عودة. ربي يعطيك الصحة والعافية والسلامة الدائمة إستاذ هاني أنت ثروة فكرية وثقافية لا يمكن أن تتكرر ، قائلا
“ لاحاجة لي الى الكتب بعد الآن فقد ضعف نظري.. وكل المعارف موجودة على الانترنت مع ملاحظة ان كل ما كتب على الأرض موجود في مكتبة الكون في عالم الروح.
لذلك قررت ان اوزع مكتبتي الى الذين يهوون الكتب مثلي.. فهذه ثروتي في حياتي الأرضية.
يمكنكم الاتصال بي لترتيب موعد لأخذ أي كتاب من مكتبتي.
عرفنا عنك إستاذ هاني ولو أنت غني عن التعريف للبعض منا لكن المتابعين لا يعلمون إلا القليل عن جذورك العربية التي طالما إفتخرت بها؟
-أنا هاني الترك مواليد فلسطين عام 1945.. على إثر النكبة نزحنا الى غزة.. حيث تلقيت تعليمي الثانوي.. ثم في عام 1961 ذهبت الى مصر (القاهرة) حيث واصلت تعليمي الجامعي.. وتخرجت بشهادة الفلسفة بتقدير من جامعة عين شمس حتى عام 1969.. متزوج من سيدة فلسطينية ولنا أربعة أولاد.
كان لك محطة مهمة في مصر.. وبعدها تنقلت في عدة بلدان فما هي الصعوبات التي واجهتك في هذه المرحلة؟
-عشت في مصر على مدى 6 سنوات.. وإثر هزيمة 1967 إنتقلت الى سوريا.. ثم الى الأردن بطريقة غير قانونية.. بقيت في الأردن بضعة أشهر لم أستطع الحصول على عمل في الأردن.. بالفعل واجهت صعوبات كثيرة حيث قررت السفر الى استراليا.. وكانت الدولة الوحيدة التي فتحت لي الباب على مصراعيه.. وإستقبلتني لأخوض في عبابها عدة مجالات إنها أرض الحب والحرية والسلام إستراليا الحبيبة.
ما الذي أعطتك استراليا وأنت ممتن لها ولم تجده في بقية الدول؟
-عدة عوامل جعلتني أرتمي في أحضان هذا البلد العظيم.. منها الحرية والديمقراطية والقيم الإنسانية.. وحكم القانون.. حقوق الإنسان.. تفاعل الحضارات.. تحرير المرأة.. وكان من أكثر الأمور التي أعجبتني هو منحي الجنسية الاسترالية للحضارات المتعددة.
ما هو أهم عنصر للنجاح واجهته في استراليا؟
-عدم ممارسة سياسة القمع.. وحرية الصحافة.. والإنسانية.. ومكافحة التمييز العنصري بشكل رسمي وقانوني.
هل هناك شهادات علمية وجامعية حصلت عليها في استراليا؟
-درست إدارة المكتبات في جامعة نيو ساوث ويلز.. ودرست عدة مواد في قانون جامعة سيدني للتكنولوجيا.. تخصصت في مكتبات القانون.. لأنني منذ طفولتي أحب جمع الكتب وقراءتها.. وكما قال فيكتور هوغو.. أسرق أبي في سبيل المعرفة.
كم كتاب لديك في مكتبتك الخاصة بإمكانك حصرها وعدها وما مصيرها ؟
-مكتبتي عامرة تشمل ألفي 2000 كتاب منذ زمن قريب..أما مصيرها الآن فهي مصير كل الكتب التي بحوزتي
أهديتها الى المجلس الثقافي العربي بسيدني.
حصلت على عدة جوائز من أين وكيف؟
وسام الملكة إليزابيث عام OAM 1999.
. -جائزتان من مجلس يوم استراليا الرسمي.. وجائزة أفضل إفتتاحية في الصحافة الإثنية من رئيس حكومة نيو ساوث ويلز عام 2013..
الأستاذ هاني الترك ما وراء سر غزارة الإنتاج الأدبي والثقافي لديك وما هي أهم الإصدارات التي أثريت بها المكتبة العربية؟
-بالحقيقة كنت أود الحفاظ على الشخصية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين في استراليا على أمل ان نعود الى وطننا الأم فلسطين في يوم من الأيام.. وكان لي عدة إصدارات بالعربية والإنكليزية.. أولها بالعربية «الفلسطينيون في استراليا».. ثم باللغة الإنكليزية
“Palestinians in Australia” ..
وأعتقد ان مؤسسة التراث الفلسطيني بالأردن تجمع معلومات عن الجاليات الفلسطينية التي نزح إليها الفلسطينيون.. بالدانمارك والسويد واستراليا وباقي دول الإتحاد الأوروبي.
من هو أول شخص وصل الى الأراضي الاسترالية من الجاليات العربية حسب علمك؟
-في سنة 1856 وصل مسعود النشبي فخري من لبنان.. أما من الجالية الفلسطينية فقد هاجر عام 1947 طوني بطحيش الذي كان متزوجاً من إمرأة يهودية.. وإثر النكبة عام 1948 كان ضمن الرعيل الأول ريتشارد هوكي والد جو هوكي.. سنة 1936 وصل من الهند وزوجته العراقية وارينا ولش التي كانت متزوجة من ضابط بريطاني.. وفي عام 1934 وصلت عائلة عكار من سوريا.
ما هي أهدافك المنشودة من الكتابة؟
-كان هدفي هو أن أستعرض الثقافة العربية في استراليا للحفاظ عليها وتأثيرها على المجتمع الاسترالي في المستقبل .. واهم عناصرها العادات والتقاليد العربية التي أحضرناها معنا وورثناها من أجدادنا خاصة ان استراليا مجتمع متعدد الثقافات والحضارات.. وفي عام 1984 أنهيت رسالة الماجستير الجامعية من جامعة نيو ساوث ويلز تتحدث عن إحتياجات الجالية العربية للمعلومات.
لقد ذكرت انك تتحدث عن أشياء كثيرة على شكل رواية حدثنا عنها؟
-نعم كتبت هذه المذكرات على شكل رواية عنوانها: «مذكرات أهملها التاريخ».. سوف تُنشر بعد إنتقالي لعالم الروح.. والهدف من كتابتها على شكل رواية.. توعية العقل العربي وتحريره من الجهل.. فقد نشأت في بيئة متأخرة.. وكشفت الحقيقة من حياتي.. رافعاً صوتي مقدماً عصارة فكري.. من أجل ان نغني العقل العربي.. ولن يتم ذلك إلا من خلال قضيتين.. هما فصل الدين عن الدولة والبعد عن الغيبيات.. والثانية هي إنتهاج العلم والثقافة.
أستاذ هاني عندك حلم وتتمنى تحقيقه؟
حدثنا عن هذا الحلم.
-أحلم ان أعيش حتى أرى عالمنا العربي يعيش العدالة والحرية والسلام وإعطاء كرامة الفرد.. وأرى فلسطين محررة.. فرغم المعاناة من قسوة الحياة التي عشتها.. إلا انني نجحت بالعمل ومبادئ المحبة في عملي الشاق بالقراءة والكتابة.
حبك للكتابة بهذا القدر والمطالعة هل كان لديك إحساس ان تكون معلما”تدرس أسس مبادئ القراءة والكتابة وشغفها؟
لم أفكر إلا بوظيفة واحدة منذ طفولتي هي جمع الكتب وقراءتها . ولم أفكر ان أكون معلما” أبدا”.. -بل جامعاً للكتب التي تضيء النور.. ورؤيتي ان تقدمنا لن يكون إلا عن طريق الكتاب رغم دخولنا بوابة العصر الرقمي.. الذي هو أساسي في حياتنا كالماء والهواء والدواء.
عند تأليفك أول كتاب ما هي الصعوبات التي واجهتك في أول تجربة؟
-كان بحثاً ميدانياً باللغة العربية.. من أجل جمع تاريخ الجالية الفلسطينية والحفاظ على التراث الفلسطيني العربي.. فإن نشر ذلك الكتاب الأول كان من أكبر الصعوبات التي واجهتني.. لذا تكفلت الجمعية الفلسطينية والنادي الفلسطيني بهذا النشر.
كان لك مسيرة كبيرة وعظيمة في جريدة «التلغراف».. أخبرنا أكثر عن هذه المسيرة؟
-كان عملي منذ عام 1975 حتى عام 2000 في المحكمة العليا في نيو ساوث ويلز.. ومدير مكتبة وزير الإدعاء العام.. بدأت بكتابة عامود استراليات تطوعاً في الصحافة المحلية في جريدة النهار الأسبوعية.. وبعد تقاعدي من القضاء توجهت الى جريدة «التلغراف» وعملت فيها كمحرر للشؤون الاسترالية مدفوع الأجر.. كترجمة الأخبار وكتابة المقالات.. إلى ان تقاعدت منذ ثلاث سنوات.. مع إستمراري في كتابة عامودي الأسبوعي استراليات الى وقتنا هذا.
لماذا فكرت في كتابة عامود استراليات؟
-لم تكن الجالية العربية تعلم الكثير عن حقوقها وإلتزاماتها في مجتمع استرالي جديد بسبب العائق الأساسي وهو اللغة.. معظمهم كانوا يسعون للعمل وكسب العيش مما أبعدهم عن التطور والدراسة.. ومن أجل الحفاظ على التراث العربي وفهمنا للمجتمع الاسترالي.. وذلك مهم جداً من أجل تأثير ثقافتنا على الثقافة الاسترالية المتعددة الحضارات.. وأنا بدوري أحب استراليا كثيراً.. لأنها الدولة الوحيدة التي إستقبلتني للعيش فيها.
وأخيرا” نقدم شكرنا وتقديرنا للكاتب والأعلامي الكبير هاني الترك وتمنياتنا له بالصحة والسلامة وطولة العمر إنشالله