بقلم بيار سمعان
… واخيراً بدأ اللبنانيون يحسنون استخدام حاسة الشم لديهم بعد ان عطلوها قسراً طوال عقود .
لقد ايقظت اكوام «الزبالة» في المناطق اللبنانية هذه الحاسة وتخلوا عن انتماءاتهم الضيقة والمفتعلة ليصرخوا في وجه نواب الامة:
«كفى… طلعت ريحتكم…»!!
ربما جاءت هذه الصرخة متأخرة جداً، وقد لا تجدي نفعاً بعد ان عششت الزبالة وتراكمت في جميع مؤسسات الدولة وافرخت في مجلس النواب وانتشرت في احياء القرى والمدن. وغمرت كل لبنان.نعم الوطن تحول الى كومة زبالة… لهذا بدت الاكثرية الصامتة من الشعب اللبناني تنزعج من الروائح الكريهة. لقد تخمرت الزبالة في النظام برمته وتراكمت حول الزعامات وعششت في مجلس النواب، خاصة في الحقبة الاخيرة.
منذ الاستقلال «طلعت ريحة» نواب الشعب لأنهم لم يتمكنوا من بناء وطن، بل بنوا كانتونات وامارات ومذاهب وطوائف متنافرة يتاجرون بها ويتآمرون عليها، كلما زادت نسبة الوعي لديهم.
طلعت رائحة النواب والطبقة السياسية في لبنان مع كل مظاهره سارت في شوارع المدن، تطالب بتحرير فلسطين والجزائر وتدعم عبد الناصر والعروبة، ومع كل طلقة رصاص اطلقت في مناسبة ولادة طفل او عيد او تحدٍ للطرف الآخر.
طلعت ريحتهم في ثورة 58 وفي احداث 67 وظهر مدى الفساد لديهم مع حادثة عين الرمانة.. وبدل ان يعالج النواب مع الحكومة الازمة التي تطل برأسها على الوطن، عمد كل فريق الى توجيه التهم الىالفريق الآخر. واعتكف رؤساء وزراء وبشر آخرون بانقسام الجيش، وناصر فريق المقاومة الفلسطينية على حساب المؤسسة العسكرية وضد فريق اساسي في الوطن.
نعم منذ ذلك الحين «طلعت ريحة» نواب الامة، ولأنهم سمحوا ان يدمر الغريب الوطن ويقتل الانسان فيه ويرغم نصف السكان على الهجرة او الموت بأسلحة مأجورة غريبة.
نعم طلعت ريحة نواب الامة عندما تزلموا للنظام السوري ودعموه حباً بمركز او موقع او كسباً للمال او تكريساً لزعامة. طلعت ريحتهم مع دخول القوات الاسرائيلية الى بيروت بعد ان ادخلوا البندقية الفلسطينية الى كل منزل في لبنان.
طلعت ريحة نواب لبنان بعد ان تفاهموا معاً على المحاصصة في اكل خيرات لبنان، على حساب كرامة ولقمة عيش المواطن.
كل الثورات والحروب تقضي على قسم من الطبقة الحاكمة على الاقل، ما عدا في لبنان. الشعب ضحى بكل شيء لكي يبقى الزعماء في مواقعهم ومراكزهم وزعاماتهم رغم ان روائح صفقاتهم كانت تلبد اجواء الوطن الجميل.
نعم طلعت ريحتهم عندما لم يتفاهموا على السلم كما تفاهموا على الحرب، ولم يسعوا الى اعادة بناء وطن بعد ان توقفت البندقية وانسحب المقاتلون من الشوارع.
طلعت ريحتهم عندما قرروا تقسيم لبنان فيما بينهم امارات ودويلات تحت اسماء عديدة ولاعذار لا يقبلها اي منطق ولا يبني اي وطن.
طلعت ريحة نواب لبنان، عندما جددوا مراراً لانفسهم حتى تناسى الشعب متى وبأية ظروف جرى انتخابهم.
طلعت ريحتهم الكريهة عندما تمنعوا من ممارسة واجبهم وانتخبوا رئيساً للبلاد، بل فضلوا ان يقبضوا 33 من الفضة ليضحوا بالوطن ويعيدوا تفتيته.
طلعت ريحتهم عند تأليف كل حكومة وتوزيع كل حقيبة وادارة كل وزارة. في الحرب انتشرت روائحهم الكريهة وفي السلم انكشفت عيوب وساخاتهم.
معظمهم جاء بالوكالة او دفع ثمن نيابته اموالاً طائلة.. لقد فشلوا في كل شيء، لكنهم برعوا في الوساخة والعمالة والمتاجرة واستغلال الوطن والشعب والطبيعة. والاقلية الصالحة منهم لا حول ولا قوة….
هددوهم في مواقعهم وحياتهم ولفقوا سجلات لهم.. الصالحون استشهدوا والكبار قتلوا.. للاسف الشديد لم يبق في بلاد الا حثالة الزعامات واقزام القيادات لهذا تحول كل لبنان الى كيس زبالة لا يشم روائحه الكريهة سوى الشعب «المعتّر» الذي لا يستطيع شراء كمامة اوزجاجة عطر فاخرة.
فمتى ينتفض الشعب ويرمى بحثالة الامة في اكياس الكمامة المنتشرة في شوارع بيروت؟؟
ومتى يجتمع كل اللبنانيين على تنظيف برلمان الامة من اوساخ رجال السياسة ، تجار الهيكل ومزبلة التاريخ.
لعل زبالة بيروت تفرّخ ربيعاً لبنانياً يعيد الوطن الى الشعب ويتخلّص الوطن من فئة «طلعت ريحتهم» بشكل لا يطاق؟