كتبت- آسيا الموسوي- سيدني
يدخل السودان أسبوعه الرابع في القتال الضروس القائم بين «القوات المسلحة السودانية» و»قوات الدعم السريع»، الطرفين اللذين ينتميان الى القوات العسكرية الرسمية في البلاد في الوقت الراهن وسعوا رقعة المواجهات من العاصمة السودانية الخرطوم الى مدن وبلدات أخرى في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك إلى دارفور في المنطقة الغربية من السودان وإلى شرق السودان.
يقود القوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ويقود قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، وكان الطرفان شريكين وقد نفذا انقلابا مشتركا ضد الحكومة الانتقالية التي لم تدم طويلا في البلاد، والتي كانت حكومة عسكرية مدنية، في 25 أكتوبر/تشرين الأول .2021
لكلتا القوتين تاريخ طويل من الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما في سياق عمليات مكافحة التمرد الوحشية في دارفور، وكذلك خلال حملات القمع ضد المتظاهرين في الخرطوم وأماكن أخرى على مدار العقد الماضي, و لم يتوقف مع هذه المواجهات, اذا تم التعرض لآلاف العزل الفارين من منازلهم بشتى أنواع العنف و الانتهاكات , و تم اجبار الناس على ترك منازلها من قبل قوات الدعم السريع و مارسوا عليهم النهب و الابتزاز و النقص الحاد في الغذاء و المياه و الكهرباء و الوقود, صراع مميت ضحيته من لا ذنب لهم.
ولكن لماذا المواجهة بين فريقين كانا شريكين في انقلاب وهما اليوم طرفي حرب متواجهين، ومن هما أطراف الصراع، محمد دقلو وعبد الفتاح برهان.
الفريق محمد دقلو (حميدتي) كان القائد السابق لميليشيا الجنجويد المخيفة التي نفذت بعضا من أسوأ الفظائع ضد المدنيين في دارفور، سُمعته السيئة تسبقه.
ينحدر حميدتي من قبيلة الزريقات ذات الأصول العربية والتي تقطن إقليم دارفور غربي السودان، ترك الدراسة مبكراً وعمل في تجارة الإبل بين ليبيا ومالي فضلا عن حماية القوافل التجارية من قطاع الطرق في مناطق سيطرة قبيلته، شكل حميدتي ثروة كبيرة مما مكنه من انشاء ميليشيا قبلية خاصة به تنافست مع ميليشيات قبلية أخرى وعند اكتشاف الذهب في جبل عامر سيطرت ميلشياته على المناجم.
بدأ نجم حميدتي بالسطوع عندما حشدت قوات البشير قوات من الرعاة العرب لمحاربة المتمردين الافارقة في دارفور وكانت نواة هذه القوة التي عرفت لاحقاً بالجنجويد رعاة الإبل من عشيرتي المحاميد والماهرية من قبائل الزريقات، وكان حميدتي بجانب موسى هلال زعيم عشيرة المحاميد، وسرعان ما فرض حيمدتي سيطرته وانقلب على هلال، واستعان به الرئيس المخلوع البشير، وأضفى شرعية على هذه القوات بتسميتها قوات الدعم السريع وفق مرسوم رئاسي أصدره في عام 2013 وكان قوامها خمسة الاف عنصر مسلحين ونشطين.
وقد اتهمت قوات الدعم السريع بالاشتراك فيما عرف إعلامياً بمجزرة القيادة العامة عندما قامت قوات مسلحة قيل إنها تابعة للمجلس العسكري وقوات الدعم بفض إعتصام سلمي في الثالث من يونيو ال 2019 ما أسفر عن مقتل أكثر من مئة وعشرون شخصاً وألقوا في نهر النيل لتغطية جريمتهم.
وفي ال 2019 رقي محمد حمدان دقلو او المشهور بحميدتي إلى رتبه فريق أول وتم تعيينه نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي ترأسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان وذلك عقب عزل الرئيس عمر البشير.
وفي شهر أب أغسطس من السنة نفسها تم تشكيل المجلس السيادي لقيادة المرحلة الانتقالية لمدة 39 شهراً والذي تكون من 11 عضواً ستة مدنيين وخمسة عسكريين وأصبح حميدتي النائب الأول لرئيس المجلس الذي ترأسه البرهان.
سطع نجمه سياسياً بطريقة غير مألوفة اذ جاء من خارج المؤسسة العسكرية والأحزاب السياسية التقليدية.
الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لم يكن إسمه حاضراً في مقدمة المشهد السياسي السوداني, عُرف عنه أنه عسكري منضبط تدرج في مختلف الرتب العسكرية منذ أن خدم في الجيش السوداني ضابطاً في سلاح المشاة حتى أصبح قائداً للقوات البرية, شارك في حرب دارفور و كذلك المعارك التي سبقت إنفصال جنوب السودان عن شماله, و تولى العديد من المناصب من بينها الملحق العسكري في الصين و قائد قوات حرس الحدود و رئيس أركان عمليات القوات البرية ليصل الى رئيس أركان القوات البرية, يصفه كل من عرفه بأنه شخصية معتدلة, عسكري منضبط و بعيد عن الانتماء الى أي تنظيم أو جهة سياسية.
ترجع جذور البرهان الى ولاية نهر النيل الواقعة الى الشمال من العاصمة الخرطوم، ولد عام 1960 في قرية قندتو في أسرة دينية تتبع الطريقة الختمية، إحدى طرق الصوفية الكبرى في السودان، وكان لها دور في الحياة السياسية ممثلة بالحزب الاتحادي الديمقراطي.
سُلط الضوء على البرهان مع توليه قيادة المجلس العسكري الانتقالي بعد الإطاحة بعمر البشير على يد الجيش إثر مظاهرات عمت البلاد لعدة أشهر وكان الرجل الأول سياسياً بعد الانقلاب كرئيس فعلي للبلاد في مرحلته الانتقالية وعين محمد حمدان دقلو نائبا له.
أما في الخوض في أساس الخلاف بين الشريكين سابقاً الى الخصمين اليوم، فقد بدأت بوادر الخلاف والتنافس تظهر بين البرهان وحميدتي في أواخر سنة2021، إذ بدأ كل منهما يسعى إلى حشد دعم إقليمي ودولي، ولا سيما حميدتي الذي حاول إبعاد نفسه عن «الانقلاب» والاكتفاء بدعم الشارع السوداني ومطالبه.
وقد وقع الجيش وبعض القوى المدنية اتفاقاً اطارياً سياسياً يهدف الى التأسيس لمرحلة انتقالية مدتها 24 شهراً في أواخر سنة 2022, وفتح الاتفاق الباب لتوسع الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع إذ أعلن البرهان أن اخراج الجيش من الحياة السياسية وتشكيل حكومة مدنية مرهون بتنفيذ كامل لشروط الاتفاق الاطاري وأهمها دمج قوات الدعم السريع وتوحيد المؤسسة العسكرية وعلى الرغم من توقيع حميدتي الاتفاق والموافقة عليه فإن خصومه يتهمونه بأنه «عرقل كل الخطوات لتنفيذه»، ولا سيما خطوة دمج قواته في الجيش.
ونشب الخلاف مرة أخرى في أبريل/نيسان 2023 بشأن الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع، وتقلد منصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج، ومكانة ضباط الدعم السريع في التسلسل الهرمي المستقبلي للجيش، وأدى هذا الخلاف الى الموجهة العسكرية التي بدأت بتمركز قوات الدعم السريع في مدينة مروي شمال السودان قرب مطار المدينة في ابريل-نيسان من هذه السنة.
بعيداً عن الاتفاقات السياسية يقال إن الصراع بين الخصمين يتركز بالأساس حول النفوذ الشخصي أكثر من كونه صراعاً بين القوات المساحة وقوات الدعم السريع ويبدو أن السعي الى السلطة والسيطرة الكاملة هو ما أشعل فتيل هذا الصراع.
يبقى من المؤكد أن من يدفع فاتورة هذا الصراع ليس حميدتي صاحب الصيت الإجرامي أو البرهان المتعطش للسلطة والنفوذ إنما الأبرياء العزل والذي لا ذنب لهم الا أنهم ولدوا في منطقة صراع متجدد منذ إكتشاف الذهب فيها، والذين يعيشون أقسى الظروف الإنسانية والصحية ويُمارس بحقهم أبشع الانتهاكات لأبسط حقوقهم الإنسانية بالأمن والأمان والغذاء والحق بالحياة..