جورج سولاج
لا شك في أن حراكاً إستثنائياً إنطلق في محاولة جديدة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، غداة توقيع الإتفاق النووي. ثلاثة لقاءات في أسبوع واحد، جمعت وزيرَي خارجية أميركا جون كيري وروسيا سيرغي لافروف.
وزير الخارجية السوري وليد المعلم في طهران ثم سلطنة عمان. وقبله كان لقاء رئيس جهاز الأمن القومي في سوريا اللواء علي المملوك في السعودية. ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يجول على دول المنطقة ومنها لبنان، ووفد من المعارضة السورية يزور موسكو في اليومين المقبلين.
هذا في العلن، أما في السرّ، فإن حديث الهمس الذي بدأ في واشنطن قبل الإتفاق النووي، بأن ضباطاً من المخابرات الأميركية تواصلوا مع ضباط علويّين في المخابرات السورية لتقييم مدى استعداد الطائفة العلوية التخلّي عن الرئيس بشار الأسد من أجل إنهاء الحرب وإيجاد تسوية مع الطائفة السنّية للمشاركة في السلطة.. هذا الهمس أصبح مادة رئيسية مطروحة على طاولة البحث بين أميركا وروسيا والسعودية وإيران وتركيا وسوريا، وإن تحت عنوان: «البحث في مرحلة ما بعد الأسد».
هذا الكلام قد يبدو مفاجئاً ومغايراً لما يجري تداوله إعلامياً، خصوصاً وأن هناك إجتهادات لتسويق أن السعودية ومعها دول الخليج تخلّت عن شروطها بتغيير رأس النظام السوري بدليل قبول المملكة إستقبال اللواء المملوك. في المقابل، هناك تقارير إستخبارية غربية تؤكد أن المفاوضات باتت تركّز على «استراتيجية خروج» (Exit Strategy) الأسد من السلطة.
وتشير التقارير إلى أن عوامل عدّة أدّت الى تسريع المفاوضات، أبرزها ثلاثة:
1 – النكسات العسكرية المتتالية التي تعانيها القوات المؤيّدة للنظام.
2 – محاولة الإدارة الأميركية تفادي انهيار السلطة في دمشق ما يرتب عليه تداعيات كارثيّة.
3 – مصلحة موسكو ورغبتها في تحقيق كسب ديبلوماسي لها في سوريا.
روسيا تقود المفاوضات، وعُمان تلعب دور الوسيط المحايد، تنقل رسائل من وإلى إيران وسوريا والسعودية وتركيا وروسيا وأميركا.
وقد دعت موسكو العميد مناف طلاس المقيم في باريس منذ خروجه من سوريا عام 2012، الى زيارتها لاحقاً هذا الشهر للبحث في إمكان لعب دور في تسوية تقاسُم السلطة، ربما كوزير دفاع في حكومة المرحلة الإنتقالية، كونه سنّياً وعسكرياً، وله علاقات واسعة مع ضباط النظام. كما أن الديبلوماسية الروسية ستعقد جولة جديدة من المحادثات مع الإئتلاف الوطني السوري المعارض في موسكو. ولم يوفّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرصة، منذ لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في باكو في 13 حزيران الماضي، ليعلن أن «بوتين لا يدعم الأسد الى النهاية». دمشق من جهتها، مهتمة باستثمار أخبار اللقاءات والمفاوضات للإيحاء بعودة شرعيتها وإستعدادها للمشاركة في مكافحة الإرهاب، بعد سنوات من العزلة الديبلوماسية.
غير أن التقارير تتحدث عن أن النظام بات يُدرك جيداً أن بقاء الرئيس الأسد لن يُسهّل إطلاق المفاوضات الحقيقية مع القوى السنّية المناوئة له، وأنه ما زال يطمح لخروج مُشرّف، معتبرة أن «التفاوض على عفو عن الأسد يُشكّل تحدّياً في حدّ ذاته». وليس معروفاً بعد الى أي مدى ستكون واشنطن مرنة حيال هذا الأمر، «خصوصاً بعد اتهام النظام باستعمال السلاح الكيماوي وارتكاب جرائم حرب أخرى»، حسب التقرير.
غير أن هناك شكوكاً كبيرة حول جدوى هذا الحراك الديبلوماسي، لأنه يبقى منفصلاً عن واقع القتال الميداني في سوريا، وليس من المتوقع أن تقبل القوى المسلحة المعارضة بإتفاق في هذه المرحلة التي تكسب فيها بالقضم عسكرياً، كما لن تقبل بـ طلاس الآتي من جنّة باريس.