عباس علي مراد
«أستراليا بلد محظوظ يديره بشكل أساسي أشخاص من الدرجة الثانية يشاركونها الحظ». دونالد هورن من كتابه الصادر عام 1964
«البلد المحظوظ «
“Australia is a lucky country run mainly by second-rate people who share its luck.”Donald Horne ) book The Lucky Country (1964
لا شك انه موسم انتخابات، وسوف تتفرغ الاحزاب السياسية لكيفية خوض هذه المعركة، وسنسمع الكثير من الوعود الانتخابية التي تركز بشكل خاص حول اقناع الناخبين أي من الاحزاب السياسية خصوصا الحكومة وحزب العمال سيكون المؤهل لقيادة البلاد للسنوات الثلاث القادمة.
هناك الكثير من القضايا البارزة التي سيتم التركيز عليها ولعل ابرزها قضية الكورونا وكيفية مقاربة الحكومة للقضية ومعالجتها اين اخفقت واين نجحت، ومن ناحية المعارضة كيف ستقارب القضية وما هي مقاربتها البديلة عن مقاربة الحكومة والى أي مدى سيتقبلها الناخبون.
هناك قضايا اخرى لا تقل أهمية تتعلق بالصحة، التعليم، الإسكان، الوظائف، الاجور، البيئة والديون التي تجاوزت 800 مليار دولار والفوائد التي ستدفعها الحكومة كخدمة لهذا الدين خصوصا في حال إقدام البنك المركزي على رفع سعر الفائدة بعدما تجاوزت نسبة التضخم 3.5% ونسبة 3% هي النسبة التي يحددها المصرف كخط أحمر للتحرك ولجم التضخم من خلال زيادة سعر الفائدة.
هذه القضايا وغيرها على اهميتها وتأثيرها المباشر على حياة المواطنين اليومية فلا يعني ذلك إهمال قضايا لا تقل أهمية وتتعلق باستراليا ومستقبلها كبلد يطمح ابناءها الى الافضل من حيث الازدهارالمستديم والأمن الأجتماعي وتأتي في مقدمة تلك القضايا:
أولاً، قضية اعتراف استراليا بالسكان الأصليين في الدستور ووضع حد لمعاناتهم واقفال هذا الملف نهائيا، وكان السكان الاصليين قد أصدروا بياناً بهذا الخصوص عرف ببيان أولورو من القلب الذي يحدد الطريق إلى الأمام للاعتراف بالسكان الأصليين الأستراليين في دستور الأمة، وقد تم التصديق على البيان بحفاوة بالغة من قبل تجمع من 250 من زعماء السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس في 26 أيار (مايو) عام 2017 بعد المؤتمر الدستوري الوطني للسكان الذي استمر أربعة أيام وعقد في أولورو.
وكان الناشط الابوريجني نويل بيرسون قد قدم رؤية مقنعة للهوية الفريدة للأمة ومستقبلها الموحد وفي تصوره الذي أعلن عنه عام 2014، قال بيرسون: «أمتنا تتكون من ثلاثة أجزاء. هناك تراثنا القديم ، مكتوب في القارة وثقافة أصلية مرسومة على أرضها ومناظرها البحرية، هناك إرث بريطاني الذي جلب من المملكة المتحدة النطام السياسي والأجتماعي والثقافي وتثبتت أسسه في البلاد. هناك إنجازتعددية الثقافات الذي تشكل وثبت مع الهجرة التي جمعت بين مواهب الشعوب والثقافات من جميع أنحاء العالم.
وأضاف بيرسون: « بالجمع بين هذه الأجزاء الثلاثة من قصتنا الوطنية ، مع الاعتراف الدستوري بالسكان الأصليين الأستراليين، هذه المصالحة ستجعل الكومنولث أكثر اكتمالاً وتماسكاً.
يشار الى ان التأخير في الأعتراف بالسكان الأصليين سوف يؤدي استمرار معاناتهم التي تبرز جلية في عددهم في السجون وعدد الوفيات فيها الذي تجاوز 500 منذ العام 1990 تاريخ صدور تقرير اللجنة الملكية التي كلفت بالنظر بهذه القضية، إضافة الى ان متوسط عمر السكان الأصليين يقل عن غيرهم من المواطنين ب9 سنوات.
القضية الثانية، الفيدرالية وعلاقات الحكومة الفيدرالية بحكومات الولايات، مما يطرح تساءل عن أهمية اعادة النظر بالفيدرالية خصوصا بعد الاشكال الذي ظهر في إدارة الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات لأزمة الكورونا، حيث رأينا كيف تصرفت الولايات وكأنها كيانات مستقلة ووقوف الحكومة الفيدرالية موقف العاجزعن اتجاذ إجراء ملزم للولايات باتباع سياسية موحدة لمواجهة الجائحة، رغم تشكيل مجلس الوزراء الوطني الذي تلطى خلفه رئيس الوزراء سكوت موريسن للهروب من تحمل المسؤولية او تسييس الامراحيانا اخرى من خلال اتهامه لحكومات الولايات التي يحكمها العمال بالتفرد والتشدد بإجراءاتها.
يجب ان نذكر ان الحكومة الفيدرالية ساهمت أثناء الأزمة بفاعلية بسياسية حفظ الوظائف من خلال نظام (جوب كيبر) والذي أستغل من قبل بعض الشركات التي راكمت الارباح ولم ترجع بلايين الدولارات من أموال دافعي الضرائب التي حصلت عليها بدون وجه حق.
رئيسة ولاية نيو سوث ويلز السايقة كلاديس بيرجكليان (أحرار) كان لها مواقف معارضة لمقاربة الحكومة الفيدرالية خصوصا في ما يتعلق بمسألة تأمين اللقاح المضاد للكورونا بعدما أعلن الوزراء الفيدرالي اننا لسنا في سباق، هذا الخطأ الذي عاد موريسن وكرره مؤخراً في إخفاقه في تأمين أجهزة الفصح السريع للكورنا لإعطاء دفعة إيجابية لإعادة فتح البلاد وتحريك عجلة الاقتصاد، هذا الإخفاق تحول إلى أزمة جديد مع تفشي المتحور الجديد المعروف باوميكرون ضربت القطاع الصحي وقطاع الأعمال.
وزير الخزينة في ولاية نيو سوث ويلز مات كين (أحرار) وجه انتقادات شديدة لرئيس الوزراء سكوت موريسن ووزير الخزينة الفيدرالي جوش فريدنبرغ لعدم المساهمة في برنامج بمليارات الدولارات لمساعدة الشركات الصغيرة في الولاية التي تضررت من تأثير تفشي اوميكرون الذي قوض ثقة المستهلك خلال الصيف.
القضية الثالثة من حيث الأهمية، قضية تشكيل هيئة او مفوضية فيدالية لمكافحة الفساد على غرار المفوضيات المعمول بها في معظم الولايات، والتي ما تزال الحكومة الفيدرالية تصرعلى تشكيلها، ولكن بصلاحيات محدودة او كنمر من ورق، وهنا يجب أن نذكر ان كلاً من حزب العمال والخضر وبعض النواب المستقلين يؤيدون تشكيل مفوضية على غرار آيكاك في نيو سوث ويلز.
القضية الرابعة، البيئة فرغم اعلان كل من الحكومة والمعارضة الإلتزام بصفر انبعاث للكربون في العام 2050 الا ان الكوارث الطبيعية ( فيضانات جفاف حرائق الغابات وغيرها) التي يشهدها العالم وأستراليا بشكل خاص تستدعي تحرك سريعاً وليس لأسباب انتخابية لان كلفتها بعيدة المدى تعتبر من التحديات المستقبلية الاستراتيجية.
القضية الخامسة، إيجاد توازن بين العلاقات الدولية والمصلحة الوطنية الاسترالية، خصوصا في ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة والصين، المعروف ان استراليا تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة والتي تعززت مؤخراً باتفاق اوكوس مع بريطانيا والولايات المتحدة او حلف الكواد الذي يضم الى استراليا كل من اليابان والهند والولايات المتحدة.
هذه الاحلاف ولدت شكوكاً لدى الصين الشريك التجاري الاول لاستراليا والتي تعتبر هذه الاتفاقيات موجهة ضدها ففرضت على أستراليا عقوبات أقتصادية تجاوزت 20قيمتها مليار دولار وطالت عدة قطاعات زراعية وغذائية ومواد اولية وغيرها.
القضية السادسة، قضية تحويل استراليا الى جمهورية والتي دونها عقبات كثيرة ما لم يتفق حزبي العمال والاحرار على نموذج معين يقدمانه للناخبين واستفتاءهم حوله مع المحافظة على الديمقراطية الأسترالية وتعزيزها لسد النوافذ التي يريد المتطرفون الإطلال من خلالها كما حصل في أميركا (غزوة البيت الابيض) او بريطانيا (البريكزت)
إذن، من هنا حتى تحديد موعد الانتخابات رسميا، نتمنى أن تأخذ كل من الحكومة والمعارضة هذا القضايا بعين الاعتبار وتصارح الناخبين بنواياها اتجاه مستقبل استراليا، لا ان تلجأ الى السياسيات والوعود الشعبوية التي قد تثمر بعض الأصوات في صناديق الاقتراع لكن آثارها السلبية على المدى البعيد والاستراتيجي مكلفة لاستراليا كدولة وامة.