أنطوان القزي

لأنني قرأتُ أن 35 تلميذاً من أبناء النواب والوزراء اللبنانيين يتابعون دروسهم في الخارج وخاصة في فرنسا، هذا اذا لم نذكر الطلاب الجامعيين من أبناء الساسيين في الخارج، ولأني قرأت أيضاً أن الحد الأدنى في لبنان هو دون الخمسين دولاراً أميركياً، ولأنني قرأتُ عن أرقام تحويلات النصّابين والسارقين والمنافقين من السياسيين والإداريين اللبنانيين الى الخارج، رأيت أن أعرض لكم قصة الرئيس فؤاد شهاب وزوجته روز رينه بواتيو كما وردت في كتاب الزميل نقولا ناصيف “جمهورية فؤاد شهاب”.

في ١٨ شباط ١٩٩٢، بانقضاء ١٩ عاما على رحيل الرئيس شهاب ، توفيت روز رينه بواتيو عن ٨٨ عاما.

في ذلك الصباح استيقظت متعبة، طلبت كوب ماء، الا أنها  لم تقوعلى الامساك به

ارتجفت يداها، كان لون وجهها بدأ يمتقع بعدما مال  الى اصفرار، للتوّ دعي   طبيبها منير رحمه، ولدى وصوله أنبأته ممرضة كانت تعتني بها باستمرار أنها أغمضت عينيها قبل لحظات وغفت قالت له :” انها تستريح الآن”

جس نبضها، كان باردا ، ماتت في هدوء وسكينة.

قبل أقل من ثلاثة أشهر، في ٢٦ تشرين الثاني ١٩٩١، استدعي منير رحمة للمرة الأولى لمعاينتها من وهن أصابها، عندما دخل بيت الرئيس صباح ذلك اليوم صعقه المشهد، عجوز ممددة على سرير حديد بسيط في الصالون، على بعد أمتار من المدخل، لم تكن قادرة على المشي ولا على الوقوف، وتتكلم بصعوبة، بالكاد قالت عبارات قصيرة بالفرنسية، من غير ان تفارقها ابتسامة ضعيفة كانت تضيء وجهها الأبيض، كانت الشيخوخة قد أنهكتها، يومذاك راحت صحتها تتدهور.

بعدما عاينها ، طلب الطبيب نقلها الى سريرها في غرفتها.

قالت له كلير زوجة عبدالله فريد شهاب :”هذا هو سريرها”

طلب ادارة جهاز التدفئة لتجنيب جسدها الهزيل البرد، فأجيب ان لا جهاز تدفئة في البيت

كانت السيدة المتقدمة في السن راقدة على سريرها مغطاة بدثار رقيق داكن، هو الحرام الذي يتدثر به الضباط والجنود عندما يبيتون في ثكنهم. يقدمه لهم الجيش ويقتطع ثمنه من رواتبهم

بدا للطبيب الذي عاود زياراته لأرملة فؤاد شهاب في الأسابيع التالية، مراقبا تردي صحتها، أنه دخل البيت الأكثر فقرا في جونية . جدرانه مشققة وزواياه متصدعة.

كان ذلك بيت مؤسس الجيش وقائده ١٢ عاما، ورئيس للجمهورية حكم لبنان ست سنوات، واختار يوما الاستقالة، ورفض تجديد ولايته الرئاسية.

في العام 1924 تعرف فؤاد شهاب، وكان برتبة ملازم، الى الفرنسية روز رينه بواتيو (مواليد العام 1904) ابنة ضابط فرنسي قتل في الحرب العالمية الأولى، فتزوجت والدتها من نسيب زوجها الكولونيل اوبار نواريه الذي اهتم بروز رينه وشقيقتها وأصبح بمثابة والدهما وانتقلتا معه إلى حيث عمله في الجيش الفرنسي في سورية ولبنان، وهذا ما أتاح التعارف بينها وبين شهاب الذي توج بالزواج في 27 كانون الأول 1926 في كنيسة الآباء الكرمليين في بلدة القبيات العكارية حيث مقر عمله ومكان سكن عائلة زوجته، ولكن هذا الزواج لم يثمر أولاداً.
مات الرئيس فؤاد شهاب، الذي لم يُرزق وزوجته بأولاد، ورغم الانتقادات السياسية التي طالت عهده أو عهدَي الرئيسين شارل حلو والياس سركيس، اللذين كانا من ضمن “النهج الشهابي” أو ما عُرف بالشهابية، بسبب أعمال “المكتب الثاني” (المخابرات اللبنانية)، وتدخّله بالشأن السياسي. إلّا أن الذين ما زالوا أحياء من أعداء االشهابية ، يترحمون اليوم على “أيام” المكتب الثاني.