بقلم بيار سمعان

استفاد حزب العمل من قضية سفر رئيسة مجلس النواب الفيدرالي برونون بيشوب بطائرة مروحية لحضور اجتماع لحزب الاحرار، ليصوب انتقاداته الى الإئتلاف ، بينما صوب زعيم المعارضة سهام انتقاداته الى طوني آبوت بصفته زعيم الإئتلاف، طالباً اليه ان يمارس صلاحياته ويقيل برونون بيشوب من منصبها.

واعتبر العمال ان بيشوب ارتكبت جرماً، لذا يطالبون ان تقوم الشرطة الفيدرالية باجراء تحقيق في المسألة وملاحقتها قانونياً..

اللافت ان برونون بيشوب تتمسك بمنصبها وترفض الاستقالة حتى خلال التحقيق معها، بينما لم يتردد طوني آبوت من الاعلان انه لن يقيلها.

ويبدو ان معظم اهتمامات حزب العمال انحصرت مؤخراً بشن حمله من الانتقادات على بيشوب وحكومة آبوت ، بعد ان واجه العمال خلال الاسبوع الماضي موجة من الانتكاسات بسبب استدعاء زعيم المعارضة بيل شورتن للادلاء بشهادته امام المفوضية الملكية مرتين، وقد يعاد استدعاؤه مجدداً، بينما القت الشرطة القبض على ناشط عمالي وسكرتير نقابات العمال في كانبيرا بسبب تلقيه عمولة، لا بل مطالبته بها، خاصة من مقاولي البناء في كانبيرا. ويجري محاكمته بالفساد.

فجاءت قضية سفر برونون بيشوب لتمنح حزب العمال فرصة لرد الصاع صاعين، خاصة بعد ان اقرت بيشوب بارتكاب الخطأ واعادت المال الذي دفعته لقاء سفرها بطائرة مروحية على حساب دافعي الضرائب.

وعلى صعيد آخر تسربت معلومات من داخل حزب العمال تفيد ان تمسك زعيم المعارضة بيل شورتن بموقع قيادة الحزب ليست بالمتانة التي كانت عليه سابقاً. وانه في حال تراجعه اكثر امام الإئتلاف قد يطلب اليه الرحيل ويجرياستبداله بقيادي آخر.

وبدأت تطرح اسئلة حول قدرة بيل شورتن على قيادة الحزب نحو الانتخابات العامة وتحقيق الفوز  فيها. خاصة بعد استدعاء زعيم المعارضة الى الاستجواب من قبل  المفوضية الملكية التي تحقق في قضايا الفساد في نقابات العمال، وردود فعل المواطنين على ما سمعوه خلال شهادة شورتن.

وعلى الاثر تمكن طوني آبوت من التقدم في موقعه كزعيم مفضل لقيادة البلاد وحقق الإئتلاف تقدماً ملحوظاً حسب استطلاعات الرأي.

وزادت ردود الفعل من قناعة بعض معارضي شورتن انه ليس الزعيم الصالح في هذه المرحلة وان حزب العمال يسير نحو خسارة اخرى بوجوده.

التسريبات الاخيرة التي وصلت الى وسائل الاعلام حول تصميم حزب العمال على اعادة ادراج قانون الضريبة على الكربون وبالتالي على التعدين جاءت لتدق اسفيناً آخر في نعش حزب العمال بقيادة شورتن خاصة ان شركات الكهرباء وشركة «مياه سدني» كانت قد ارسلت بيانات الى المواطنين تعلن فيها خفض فاتورة الكهرباء حوالي مئة دولار، كذلك بالنسبة لمياه سدني. لذا منحت هذه التسريبات فرصة اخرى لرئيس الوزراء آبوت ليشن مجددا حملة تخويف حول الانعكاسات السلبية لاعادة فرض ضريبة الكربون.

وحيال هذه التسريبات وجد شورتن نفسه امام مأزق جديد لم يكن بالحسبان، اذ تحولت الوثيقة السرية الى خبر رئيسي في وسائل الاعلام. كما تظهر التسريبات حالة عدم الانضباطية داخل العمال مما يعني ان كل ما يناقش في الداخل بامكانه ان يتحول الى مادة اعلامية دسمة.

بشكل آخر تعني هذه التسربيات وجود شرخ في صفوف حزب العمال، وان اعداء الداخل هم اخطر بكثير من اخصام الخارج. فسارعت مصادر في الحزب لتروج ان التسريبات كانت نتيجة خطأ غير مقصود.

ومهما تكن الاسباب او الدوافع وراء هذه التسريبات، فان المستشار الرئيسي حول شؤون التبدلات المناخية منذ حكومة غيلارد حتى شورتن اليوم، غريغ كومبات يحذر نواب العمال حول حالة عدم الاستقرار داخل الحزب ودعا زملاءه الى عدم تكرار الاخطاء المميتة التي ارتكبها العمال ايام حقبة غيلارد – راد.

في العمل السياسي كل الاحتمالات واردة. وكما واجه طوني آبوت تحديات داخل الإئتلاف وتمكن في استعادة موقعه. هكذا من المنتظر ان يواجه شورتن المزيد من الاختبارات القاسية خاصة نتيجة الانقسام العمودي داخل الحزب بين اليمين واليسار. فان تكررت ظاهرة التسريبات فهذا يعني دون شك ان الإئتلاف  متجه نحو الفوز  بجولة جديدة من الانتخابات. وان استطلاعات الرأي، رغم تقلب نتائجها تعكس درجة من المصداقية حول قبول او استياء الناخبين لأحد الحزبين. والمؤشرات لا تبدو الآن لصالح العمال.

ربما هذا ما دفع طوني آبوت الى الايحاء ان الانتخابات الفيدرالية قد تأتي باكراً. فآبوت يمتلك الآن اكثر من ورقة بيده تدفع المواطنين للتجديد لحزبه.

يسهل على المراقب ان يحكم من بُعد على عمل الحكومة وسياسة المعارضة . وفي حين يكاد حزب العمال يقتصر دوره على ابداء ملاحظات على سياسة الحكومة دون ان يكون لديه سياسة واضحة وصريحة، ويكتفي بيل شورتن باعتماد التروي الكبير خوفاً ان يخطو خطوة ناقصة تفقده زعامة المعارضة، يشهد المواطنون ان حكومة آبوت هي صارمة وحازمة ولديها رؤية لمستقبل البلاد وما يجب ان تكون عليه خلال هذه المرحل.

فبرنامج الحكومة، رغم انه فاجأ البعض نظراً لحدته ولحالة التشدّد لكن الرؤية بدأت تتضح لدى العديد من الناخبين المتأرجحين. فحكومة آبوت هي واضحة بالنسبة  للاقتصاد العام ومحاولة خفض الدين العام الذي تسبّب به حزب العمال، وآبوت يرى اهمية المنطقة على الصعيد الاقتصادي والامني والمصير المشترك. فتمكن من عقد معاهدات للتبادل التجاري الحر مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند، وهي من اهم الاسواق التجارية العالمية، اذا تمكنت استراليا من حسن استثمارها والاستفادة من النموالسكاني فيها.

كذلك تمكنت حكومة آبوت من وقف تدفق قوارب طالبي اللجوء الذين خلقوا موجة قلق لدى عامة الشعب الاسترالي خلال حكم العمال بسبب غياب الرؤية والحزم وحماية الحدود. وبعكس تراخي العمال ابدت حكومة آبوت حزماً وتصميماً على وقف الزوارق ، لا بل اعادتها الى مصدرها. وباعتقادي ان هذه المواقف ولدت شعوراً بالاستقرار لدى المواطنين رغم تباكي البعض على معاناة طالبي اللجوء والسعي لكسب اصوات انتخابية من بعض الاقليات.

ويشهد الشعب الاسترالي ان حكومة آبوت هي مصرة على الحفاظ على امن وسلامة واستقرار استراليا وابقائها خارج دائرة خطر الارهاب، الذي اصبح هاجز الارهاب هو الاعظم والأهم لدى الشعب الاسترالي. اذ يعتقد 45 بالمئة منهم ان الارهاب وداعش يأتيان في اولوية اهتماماتهم، وحتى قبل المسألة الاقتصادية والتبدلات المناخية وغيره من القضبان الشائكة.

لكل هذه الامور الشائكة، بدأ الإئتلاف باستعادة شعبيته داخل المجتمع الاسترالي. فزيادة وعي الناس لحضوره الارهاب ولضرورة حماية الحدود ولاهمية الامن القومي العام وبناء قدرات عسكرية قادرة الى حد ما ان تؤهل استراليا على لعب دور مميز في المنطقة.

كل هذه الامور اعتقد ان آبوت اذا طرحها على اجندته الانتخابية المقبلة، الى جانب معارضته لزواج المثليين، وهو المشروع السياسي الوحيد الذي يطرحه العمال.. فان الشعب الاسترالي سيختار دون شك طوني آبوت لقيادة البلاد.

perre@eltelegraph.com