بقلم بيار سمعان

دعا رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون اللبنانيين المسيحيين الى النزول الى الشارع. وجه كلامه الى المسيحيين حصراً خلال العشاء السنوي لمنسقية المتن حيث قال: :بما ان المسيحيين يواجهون خطراً وجودياً فيما ثعالب السياسة يضعون يدهم على حقوق ومواقع المسيحيين، فان جميع اللبنانيين، وخصوصاً المسيحيين مدعوون للنزول الى الشارع..».

بالطبع لم يشرح عون ما هو الخطر الوجودي الذي يواجهه المسيحيون في لبنان وما هي مصادر هذا الخطر، كما لم يوجه نداءه لانصاره في التيار الوطني الحر ومعظمهم من المسيحيين، بل شمل في دعوته كل الاطراف، وكأنه لا يزال مقتنعاً انه بالفعل يمثل الوجود المسيحي في لبنان وابعد من لبنان. لكن الواقع الميداني يتناقض مع مشاعر وتصورات عون. فالوزير فرنجيه المتفق معه بالمبدأ اختلف معه في الاستراتيجية، لانه لا يماشي عون في تفجير الاوضاع وخلق حالة من الفراغ أكثر خطورة مما هي عليه الحالة اليوم.

كذلك لم تجد دعوة عون أي صدى في صفوف حزب الكتائب ومناصريه، كما لم تلق جواباً من القوات اللبنانية رغم جولات الحوار والاجتماعات الدورية بينهما.. ربما لان القوات هم من يعرفون بعمق المطبات العديدة التي اسقط فيها عون لبنان والمخاطر العديدة التي فرضها على الوجود المسيحي في اكثر من ظرف وتحرك وقرار عسكري..!!

لذا بقي عون وحيداً وجاءت دعوته تفتقر للزحم الشعبي الذي راهن عليها عون سابقاً، خاصة في مرحلة «شعب لبنان العظيم» وما تسبب هذا الشعار من ويلات على الشعب «المعتر» في لبنان.

اما المخاطر الوجودية التي طرحها في دعوته للتظاهر تبين من خلال ما ردده انصاره خلال المظاهرة ان عون لا يزال يعتقد ان وصوله الى سدة الرئاسة ووصول صهره شامل روكز الى قيادة الجيش هما الضمانة الوحيدة لدرء المخاطر وحماية الوجود المسيحي في لبنان.

فكانت الشعارات التي اطلقها انصار عون في المظاهرة المبرمجة تقتصر على ان عون هو الرئيس الاوحد، وصهره شامل لا محال هو قائد الجيش المطلوب وتمام سلام هو مصدر البلاء.

وبدا من كلام عون ان الخطر على الوجود المسيحي يأتي بالطبع من فئات غير مسيحية دون ان يقصد الشيعة – حزب الله المتحالف معهم منذ سنوات. مما يفسر ان التهم موجهة الى المستقبل والى السنة بشخص رئيس الوزراء الذي يصوره عون آكلاً لحصة ومراكز المسيحيين.

وفي حين تحفظ الوزير سليمان فرنجيه حول هذه المواقف المبطنة والتحرك غير الملائم، دعم حزب الله توجهات عون وتصويبه على الطرف الخصم المشترك، اي تيار المستقبل، دون ان يعمد فنيش الى تسميته. لكن الرئيس بري والزعيم وليد جنبلاط حافظا على موقع المتفرج الوسيط الذي يدعو الى تحكيم العقل في هذه الظروف العصيبة.

ويتناسى عون ان حالة التعطيل وافراغ الجمهورية من رئيس الجمهورية المسيحي ساهم هو وتياره في هذه العملية مدعوماً من حزب الله، رفيق الدرب. فالخطر الذي يحزر منه عون تسبب هو بوصول البلاد اليه، وليس من حقه اتهام الآخرين قبل ان يقر هو باخطائه المتراكمة.

فرئيس الحكومة تمام سلام لم يتشبه بعون عندما جرى تعيينه رئيساً انتقالياً للحكومة ورفض اخلاء قصر بعبدا بعد انتخاب الرئيس رينيه معوض.

ويرد انصار سلام على اتهامات عون داعينه للنزول الى البرلمان وانتخاب رئيس للجمهورية.. فلماذا لا يقوم عون وكتلته بذلك.

ان حالة الفراغ التي وصل اليها لبنان ليست بريئة، لان الصدف ليست قاعدة لاي عمل سياسي، خاصة ان كان الامر يتعلق بمصير وطن بكامله.

كل ما نخشاه ان يكون المقصود هو العودة الى الطروحات التي اطلقت خلال سنوات الحرب اللبنانية وتتفاوت بين التقسيم والفيدرالية.

بالامس دعا رئيس حزب الكتائب سامي الجميل الى السير بالفيدرالية طالما ان كل مجموعة دينية أصبحت شبه مستقلة، والرئاسة مغيبة، والبرلمان يتابع التجديد لذاته..

فهل يستبق عون الامور ليذكر المسيحيين انه لا يزال الزعيم الاقوى بينهم بمعاونة صهريه شامل وباسيل على ان يقود شامل الجيش وباسيل التيار ويترأس هو الامارة المسيحية التي يريد صد المخاطر عنها؟ فهل ينجح بري وجنبلاط في الحفاظ على «شعره معاوية» بين العائلات اللبنانية لان الخسائر ستكون فادحة على الجميع.