By Hani Elturk OAM

بقلم هاني الترك

التاريخ يستهويني وهو خير معلم.. هذه المقالة كنت قد كتبتها ونشرتها في صحيفة النهار بتاريخ 8/9/1994.. وإقتبستها في ذلك الزمن من صديقتي الراحلة آن فيربرن التي ودّعت الحياة العام الماضي.. وهي حفيدة رئيس حكومة نيو ساوث ويلز الأسبق.. ورئيس وزراء استراليا الأسبق لمرتين على التوالي.. والمندوب السامي العالي لاستراليا في بريطانيا.. وأبو الاتحاد الفيدرالي الاسترالي.. وعضو مجلس العموم البريطاني جورج ريد.

كان ريد صديقاً لوزير خارجية بريطانيا في ذلك الزمن آرثر جايمس بيلفور الذي أصدر وعد بيلفور المشؤوم.. وشهادة للتاريخ فان ريد قد حذر بيلفور وملك بريطانيا بأن وعد بيلفور مجحف للشعب الفلسطيني وسيولد مشاكل كبرى لشعب فلسطين.. ويخلق الفوضى في المنطقة.

وكل هذه المعلومات وثقتها في كتابي بالإنكليزية وبقلم آن فيربرن The Palestinians in Australia.

وقع اختيار هيئة تحرير صحيفة كانبرا تايمز التي تصدر في العاصمة الاسترالية على فيربرن لتقوم بمراجعة كتاب: «تاريخ المسلمين في استراليا».. للصحيفة المذكورة.. وذلك لمعرفة فيربرن بالعالم العربي وإلمامها بالديانة الاسلامية.. واتصالاتها بأبناء الجالية العربية في استراليا.

إضافة الى قدراتها الأدبية التي تمكنها القيام بالعمل الثقافي الهام.. فهي تحاول دائماً في أعمالها الأدبية وإتصالاتها الشخصية بناء جسر ثقافي بين استراليا والعالم العربي.. وقد إطلعت على الكتاب ومدتني فيربرن بالمراجعة التي نُشرت في «كانبرا تايمز». ونظراً لأهمية الحقائق التاريخية التي جاءت فيه عن الجالية الإسلامية.. وبصفتها جزءاً لا يتجزأ من حضارة المجتمع الاسترالي.. ونظراً لكون الديانة الاسلامية هي ثاني أكبر ديانة في استراليا بعد الديانة المسيحية.. لذا رأيت انه من الضروري نشر هذه المعلومات التي جاءت في الكتاب الى قرّاء التلغراف:

تقول الكاتبة : يُنظر الى المسلمين هذه الأيام انهم سبب العواصف التي تحل بالسياسة العالمية.. ويجيء توقيت نشر الكتاب بمثابة المساهمة الفعّالة في تصحيح الصورة السلبية التي ينظر إليها المجتمع الاسترالي نحو الإسلام والمسلمين وخصوصاً ان عددهم في استراليا مستمر في النمو.

ومحررة الكتاب ماري لوسيل جونز هي مؤرخة للتاريخ الاسترالي العام.. وقد كتبت بنفسها خمسة فصول في الكتاب جاء كثمرة طبيعية للمعرض الذي أقامته جونز في متحف فيكتوريا سنة 1992.

هذا وأسهم في كتابة فصول الكتاب عبد الخالق قازي المحاضر في الجامعة الإسلامية العالمية في كوالالمبور.. بالإشتراك مع عبد العيان الذي له الخبرة الطويلة بالعمل مع المهاجرين.. ويقدم المؤلفان في الفصل المعنوّن «الإيمان الذي يربط»شرحاً موجزاً عن معنى ان يكون الفرد مسلماً والتقاليد الاجتماعية والثقافية للمجتمع الاسترالي.

تتبع المؤلفة جونز عناصر التراث الثقافي الإسلامي عبر العصور الذي أثرى المجتمع الاسترالي من خلال أعمال المفكرين والعلماء والشعراء والطلبة والحرفيين والنساء.. وتقول ان خير دليل للاشارة الى عمق التراث الأدبي العربي تميز الشعر العربي والفارسي بوحدة البيت المتكاملة في القصيدة.. وتبرز جونز تاريخ قدوم المسلمين الى استراليا من خلال الفنون الأبوريجينية المنقوشة على الصخور بجانب المحيط في المناطق الشمالية والتي تدل على ان الصيادين المسلمين المالاويين (المالايا) كانوا يأتون الى شواطئ تلك المحيطات من أجل صيد نوع من الحيوانات البحرية المسمى خيار البحر.. وذلك قبل وصول الرجل الأبيض الى الشواطئ الاسترالية.. وكان الغطاسون المالاويون يعملون في المحيطات الاسترالية للتنقيب عن اللؤلؤ.. ووصل عددهم في سنة 1875 الى 1800 شخص.

وتمضي جونز في سردها لتاريخ الوجود الإسلامي في استراليا فتقول ان الكاتبة الاسترالية السابقة كريستين ستيفنز قد وصفت كيف بدأت أول مستوطنة اسلامية في جنوب استراليا سنة 1879.. وأسس راعي الماشية توماس إلدر نظام النقل بالعربات من أجل مد المناطق الصحراوية الواقعة في جنوب استراليا حيث إستورد من أجل هذا الهدف 124 جملاً و34 شخصاً أفغانياً.

عاش الأفغانيون في ذلك الزمن في جنوب استراليا حياة صعبة للغاية مثل إضطهاد الاستراليين البيض لهم والمعاملة القاسية التي كانوا يعاملونهم بها.. ورغم ذلك حافظ أولئك الأفغانيون على ديانتهم الإسلامية وتزوج بعضهم استراليات أرملات ونساء هجرن أزواجهن ونساء أبوريجينيات وتحول معظمهن الى الإسلام.. وكانوا ينشئون أولادهم على الديانة الإسلامية.

وكتبت إيلين كاميرون في الثمانينات من القرن التاسع عشر في غرب كوينزلاند ما يلي: لقد كنا نتطلع دائماً الى الأمام لحين وصول التجار الأفغانيين مع جمالهم ليس بسبب ما كانوا يحضرونه معهم من إحتياجتنا فحسب.. ولكن بسبب رقتهم المتناهية في معاملة الاطفال.. فكانوا ينامون في المبنى الخاص بتخزين الصوف ويشحذون السكاكين والمقصات لجعلها حادة لإستخراج الصوف من الخراف.

وتمضي فيربرن في مراجعتها وتقول ان الكتاب يحتوي على صور تذكارية.. منها صورة الزعيم الديني المسلم بيغار برفس وهو مرتدٍ العمامة والبنطلون الفضفاض.. في حين ان زوجته كانت تلبس في الصورة فستاناً أسود أنيق.. ويضم الكتاب أيضاً صورة الاعشابي الطبيب الذي يعالج بالأعشاب الحاج محمود علم الذي عاش ما بين سنة 1857 و1964. وتقول فيربرن في وصفها للكتاب انه للأسف لا يقدم شرحاً مفصلاً عن حياة درفس والحاج علم وعن حياة زوجاتهم.. والكتاب يعرض بشكل موجز الجالية الإسلامية التي تنتشر في استراليا في الوقت الراهن.. والى المسلمين وزعمائهم.. والمشاكل التي تواجههم في تربية أطفالهم في المجتمع الاسترالي طبقاً للثقافة الإسلامية.. والتعايش والتأقلم مع المجتمع.. دونما التخلي عن معتقداتهم الدينية.

ولا يوجد في الكتاب سوى إرهاصات بسيطة عن مدى مساهمة المسلمين في استراليا.. وعلى سبيل المثال فقد تجاهلت المؤلفة ان الجالية الإسلامية في سيدني كانت أول من نظمت فرق مكافحة الحرائق في سيدني في بداية هذا العام.

وتتابع فيربرن عرضها للكتاب وتقول انه كان يتوجب على مؤلفته جونز الاتصال بالمسلمين الذين يعيشون في أماكن بعيدة.. فمثلاً قابلت فيربرن الدكتور حسن بيجاها الذي هاجر من اليمن وإستقر في داروين وقال لها: «إن الجالية الإسلامية في داروين هي مجموعة متجانسة مع ان أفرادها يمثلون 15 دولة مختلفة.. وان العلاقات ممتازة بين الجالية الإسلامية وباقي أفراد المجتمع».

وفي رأي الدكتور حسن انه كان يود رؤية المجتمع الاسترالي يتقبل أفراد الجالية الإسلامية كجزء لا يتجزأ منه.. بحيث لا يرد السؤال عن مدى ولائهم لاستراليا إذا ما وقعت أزمة بين البلدان الإسلامية وبين الغرب.

وأنهى الدكتور حسن تعليقه بأن المسلمين يتطلعون الى المستقبل لممارسة حرية التعبير عن آرائهم دون أن يُتهموا بعدم ولائهم لاستراليا.

ويقول المواطن الاسترالي بلال كليلاند الذي تحول الى الإسلام: «إن الإسلام يتعرض للإجحاف في الغرب ويخضع للدعاية الرديئة منذ عهد الصليبيين حيث لا يزال يحمل الغرب الحقد ضد الإسلام».

وتنتهي فيربرن من مراجعتها القيمة بالقول: ربما كانت إضافة فصل على الكتاب بقلم مهاجر مسلم مثل الدكتور حسن يصف فيه سيرة حياته في المهجر وتأقلمه مع أفراد عائلته الكبيرة في المجتمع الاسترالي لتعطي الكتاب عمقاً أكبر لتسلط الأضواء على الجانب الإنساني.

فإن الكتاب في رأي فيربرن يمثل دراسة شاملة عن تاريخ المسلمين في استراليا كما يدعي العنوان الفرعي للكتاب.. ولكن على أي حال ان اللمحات الخاطفة التي يلقيها الكتاب للاستراليين ذوي الخلفيات الذين يدينون بالإسلام يعتبر بداية طيبة يجب الترحيب بها.

An Australian Pilgrimage: Muslims in Australia from the 17th century to the present.

Edited by Mary Lucille Jones.

Victoria Press 1994.