لا تمر مشاركة الممثلة دانييلا رحمة في عمل درامي مرور الكرام بالنسبة لمشاهدها. فهي تتمتع بحضور بارز على الشاشة الصغيرة، بحيث في استطاعتها جذب انتباهه منذ اللحظة الأولى.

إطلالتها الجميلة تطغى عليها الطفولة التي لا تفارق ملامحها. فتقاسيم وجهها المرسومة بدقة وعيناها الزرقاوان، يذكروننا بتلك المتناسقة عند دمى الأطفال، فلا نملّ من النظر إليها ولوقت طويل. أما أداؤها التمثيلي فتطور مع الوقت بشكل لافت، فصار بمثابة محور أساسي في أي عمل تشارك به.

تابع المشاهد دانييلا في أول مسلسل رمضاني لها «تانغو» في عام 2018، رقصت ومثّلت فارضة مواهبها الفنية، من دون استئذان. وفي تجربتها الثانية ضمن «أولاد آدم» علقت في ذاكرة المشاهد وصار ينتظر إطلالتها. يومها أتقنت دور الراقصة الجريئة مايا، وفجرت مواهبها التمثيلية، وتخلت عن لكنتها الأسترالية بحكم استقرارها في مدينة سيدني لسنوات طويلة، فنالت استحسان النقاد، الذين اعتبروا أنها حققت قفزة نوعية في مشوارها التمثيلي.

ولكن ما استطاعت إنجازه دانييلا رحمة في مسلسل «للموت» الرمضاني، نقلها من مكان إلى آخر، مجتازة مسافات طويلة في خطوة واحدة. فالمشاهد الذي راقب مسيرتها وتابعها طفلة متفوقة في «تانغو»، ومراهقة صاحبة موهبة فذة في «أولاد آدم»، أبهرته في كيفية إبرازها المرأة النائمة في أعماقها من خلال مسلسل «للموت». فحبكت خطوط شخصيتها بتأنٍ، وقدمت شخصية تجمع عدة نساء في امرأة واحدة متفوقة على نفسها. وتعلّق في حديث لـ»الشرق الأوسط»: «دور ريم في (للموت) تطلّب مني البحث في أعماقي والاجتهاد لإخراج المرأة التي فيّ، بكل ما للكلمة من معني.

فكنت مضطرة أن ألغي الطفلة في داخلي، وأقدم عليها شخصية الأنثى الناضجة. فدققت في تفاصيلها ودرست مكوناتها كامرأة تجمع عدة نساء في واحدة. فأنا من الأشخاص الذين يبحثون دائماً عن الكمال في حياتهم. لا أتعب من بذل الجهد كي الأمس هذه المثالية، وأتفانى في تحقيقها حسب قدراتي.

أتطلع دائماً لتقديم الأفضل وتحسين أدائي، وهو ما يجعل الخوف يتملكني في كل عمل جديد». وتتابع رحمة في سياق حديثها: «لقد قمت بمجهود كبير كي أصل إلى ما أنا عليه اليوم. أشعر بالخوف في كل مرة أقدم على عمل جديد، ولا مرة كانت عندي ملء الثقة بنفسي. أحياناً عندما ألجأ إلى والدي وأعترف له بأحاسيسي هذه، ينصحني بالحفاظ على مشاعري هذه والتمسك بها. فهي برأيه تنبع من مسؤولية كبيرة أتمتع بها. أعتقد أن كل هذه المشاعر مجتمعة في داخلي تسهم في تطوري، ولكني شخصياً وفي قرارة نفسي، لا أشعر أني وصلت إلى ما أصبو إليه. وأعتقد أنه لا يزال أمامي الكثير في مشواري كي أحقق أحلامي».

تعرّف المشاهد اللبناني إلى دانييلا رحمة منذ عام 2014. عندما قررت العودة إلى لبنان من أستراليا. قدّمت برنامج إكس فاكتور إلى جانب باسل الزارو، وفازت بالمركز الأول بمسابقة «دانسينغ ويذ دا ستارز» (رقص النجوم) في موسمه الثاني عبر قناة «إم تي في» المحلية.

وفي عام 2017 وبعيد مشاركتها في مسلسل «بيروت سيتي» لفتت المنتج جمال سنان فاختارها للقيام ببطولة مسلسل «تانغو» الرمضاني في عام 2018، إلى جانب باسم مغنية وباسل خياط. اليوم وفي مسلسل «للموت» استطاعت رحمة إقناع مشاهدها بشخصية ريم التي أجادتها. فعرفت كيف تدفعه إلى تصديقها والتماهي معها. وتعلق: «هذه السنة كان علي العمل بشكل كبير على نفسي، فشخصية ريم التي أجسدها تلفها تفاصيل كثيرة. فكنت على تواصل دائم مع الكاتبة ندين جابر والمخرج فيليب أسمر، كي أقف على مفاتيح الشخصية وعلى المستوى المطلوب.

كما أن الدور بحد ذاته يتخلله طلعات ونزلات كثيرة، لأنه ليس دوراً عادياً أو مسطحاً». وما هي الصعوبات التي واجهتها في هذا الدور؟ ترد: «يسكن الشخصية صراع دائم وتقلبات في الأحاسيس، من الصعب التنقل بينها وإبرازها. هذا الأمر شكل لي صعوبة في البداية، ثم ما لبث الدور أن سكنني، وأصبحت ريم جزءاً مني.

ومنذ تلك اللحظات تحولت إلى ريم، ونسيت شخصيتي الحقيقية دانييلا».

يتخلل المشاهد التي تظهر فيها دانييلا رحمة في شخصية ريم ضمن مسلسل «للموت» لقطات مؤثرة.

فيتفاعل معها الجمهور تلقائياً، ينسجم في أداء رحمة إلى حد تصديقها. فما هي أكثر المشاهد التي تأثرت بها كممثلة؟ ترد لـ»الشرق الأوسط»: «من أصعب المشاهد التي خضتها في هذا المسلسل وتأثرت بها تلك المتعلقة بابنة ريم (لميس). فهي كانت تجهل وجودها، وعندما علمت بذلك أصابتها الصدمة. وكانت اللحظات التي تجمع ما بين ريم وابنتها، تتطلب مني الإفراج عن مشاعر أمومة متدفقة، وهذا الأمر كان صعباً عليّ. فأنا لم أعش هذه التجربة كأم في حياتي الطبيعية، كما أن ريم في المسلسل لم يسبق أن عاشت هذه المشاعر. فكان المطلوب مني أن أبحث عن هذه الأحاسيس وأقدمها في إطارها الواقعي».

وعن الخلطة التي تتوج مسلسل «للموت» وكيف تصفها؟ تقول: «أولاً أرغب في توجيه التهنئة إلى كامل فريق العمل في المسلسل من كبيرهم إلى صغيرهم. فسر نجاح العمل يكمن في كيفية اتحاد كل عناصره، وتشابك الأيدي من أجل تقديم عمل مميز.

وهنا لا بد أن أنوه بمواكبة كاتبة النص ندين جابر للممثلين. فحرصها على الاطلاع على كل شاردة وواردة، وكيفية ترجمة الورق على أرض الواقع أمام الكاميرا، كانا أساسيين في عملية إتقان الممثلين لأدوارهم من ناحية، وجذب المشاهد من ناحية ثانية. فكنا بمثابة أطفالها، الذين تطل عليهم يومياً كي تطمئن على سير عملهم، وبأنهم مرتاحون لأجواء العمل.

كما أن المخرج فيليب أسمر كان رائعاً في عملية إدارته للممثلين. فهي المرة الأولى التي أتعاون فيها معه وكانت تجربة رائعة. فهو مخرج محترف وصديق، كان لديه القدرة على فهمي والعكس صحيح من دون جهد. هذه العلاقة المهنية بيني وبينه ربطتنا بشكل وثيق، وهو ما سهل علي عملي وتقديم الأفضل عندي. فكانت تجربة جيدة جداً بكل تفاصيلها».

وعن الثنائية التي ألفتها مع الممثل السوري محمد الأحمد تقول: «إنه ممثل محبوب جداً من الناس في لبنان وسوريا والعالم العربي.

فهو إنسان رائع وفنان محترف يتقن عمله ويتمتع بإحساس رائع يعرف كيف يخرجه إلى العلن». وهل تفكرين في ثنائية معينة تقومين بها في أعمال درامية أخرى؟ ترد: «لا أفكر بهذه الطريقة فلقد شكلت مع محمد الأحمد ثنائياً أحبه المشاهد مع أني لم يسبق أن تعاونت معه من قبل. فأنا تعرفت إليه كممثل من خلال مسلسل (عروس بيروت) وأعجبت بأدائه. وعندما اقترحت الشركة المنتجة للعمل (إيغلز فيلم) اسمه لمسلسل (للموت)، كنت متحمسة جداً للقاء يجمعني معه.

فأنا أحمل له تقديراً كبيراً ومعجبة به كممثل برز في (عروس بيروت) وعلى مدى جزأين متكاملين».