العوامل التي ادت الى المطالبة بزواج المثليين..!!! (2)
بقلم بيار سمعان
يتساءل الانسان العاقل لماذا تسعى مجموعات في الدول الغربية الى تشريع العلاقات الشاذة وفرضها على الرأي العام وكأنها امر طبيعي ومقبول ويحفظ الحريات، وان على الاكثرية ان تتكيّف وتتلاءم مع شواذات الاقلية من المثليين. ولماذا يجرى قمع الاكثرية ارضاءً لأهواء الاقلية النافرة؟
ويبدو منذ الوهلة الاولى ان عدداً من الدول الغربية بدأت تفقد الحيز الكبير من روحها الحضارية المبنية اساساً على الاخلاقيات. فالولايات المتحدة الاميركية وكندا واستراليا واوروبا بشكل عام لم تعد منطلقاً للمثل ومربعاً للايمان بعد ان شهدت انحداراً اوصل مؤخراً للمطالبة بتزويج الرجل من رجل آخر او امرأة من اخرى.
تؤمن مدرسة فرانكفورت بوجود نوعين من الثورات:
1- الثورة السياسية
2 – والثورة الثقافية
فالثورة الثقافية بنظرهم هي قادرة ان تحدث تدميراً من الداخل. ويعتقد مفكرو هذه المدرسة ان هذا النوع من الثورات هو مشروع طويل الأجل، لذا يتوجب ان يركزوا انتباهاتهم وطروحاتهم بوضوح على الاسرة، والتعليم والاعلام والجنس والثقافة الشعبية.
< العائلة
النظرية النقدية لهذه المدرسة تبشر ان «الشخصية السلطوية» هي نتاج «الاسرة الابوية». وهذه الفكرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنظرية «انجلز» حول اصول العائلة، والملكية الخاصة والدولة. وتدعو الى دعم النظام الامومي (Matriarchal) . وكان كارل ماركس قد كتب في «البيان الشيوعي» Communist Manifesto حول مفهوم راديكالي دعاه «مجتمع المرأة». وكون العائلة هي الوحدة الاساسية للمجتمع، فتقضي «النظرية النقدية» الخاصة بهم فرض العائلة وتدميرها من اساسها. ويقر مفكرو مدرسة فرانكفورت ان ضرب وحدة العائلة واضعاف السلطة الابوية فيها يساعد على مضاعفة الاستعداد لتكوين جيل جديد يقبل التغيرات الاجتماعية.
ويعتبر علماء هذه المدرسة ان الافكار التي طرحها كل من ماركس وانجلز حول العائلة مهدت الطريق لشن حرب ضد جنس الذكر (السلطوي) كما روج الكاتب ماركوس Marcus تحت ستار «تحرير المرأة» وظهور حركة اليسار الجديد في مطلع 1960.
ويسعى هؤلاء منذ ذلك الحين الى احداث تغيير في الثقافة العامة لكي تتحول الى ثقافة تسيطر عليها المرأة ومفاهيم الانوثة والتحرر.
في سنة 1933 كتب ويليام رايخ، وهو عضو فاعل في مدرسة فرانكفورت في كتابه «علم النفس الجماعي للفاشية» ان النظام الامومي Matriarchal هو المثال الحقيقي للاسرة في مجتمع طبيعي. كذلك روّج المفكر اريك فروم E. Fromm للفكرة ذاتها ودعم اقامة نظام امومي. «فالذكورة والانوثة» حسب رأيه ليستا انعكاساً جوهرياً للفروقات الجنسية كما يعتقد الرومانسيون، انما هي نتاج وظيفي يحدده المجتمع. واصبحت هذه العقيدة هي السائدة اليوم وتظهر في معظم البرامج التلفزيونية والصحف الرئيسية تقريباً.
لقد ادرك هؤلاء الثوار ما يجب القيام به وكيفية تنفيذه، ونجحوا في ذلك.
< التعليم:
لورد برتراند راسيل B Russell انضم الى مدرسة فرانكفورت وساهم معهم من خلال كتاباته التي تهدف الى اعادة فبركة المجتمع. وكتب في مؤلفه «اثر العلوم على المجتمع» : «ان اهمية علم النفس الجماعي تحول الى ظاهرة لافتة مع نمو الاساليب الحديثة في الدعاية.. ومن اهم مقوماتها (اي الدعاية) هو ما ندعوه «بالتعليم. ويشدد راسيل ان علماء النفس الاجتماعي في المستقبل سيتمكنون من فرض قناعات جديدة لا تتبدل في ذهن الاطفال. وان هذه النتائج في تغيير القناعات لديهم من خلال تحقيق الامور التالية والتركيز على:
1 – ان يصبح تأثير المنزل معطلاً
2 – لا يمكن تحقيق المطلوب ان لم يجر غسل دماغ الاطفال قبل سن العشر سنوات.
3 – ان تكرار الجمل الموسيقية وترداد الغناء هي من العوامل المؤثرة.
4 – زرع افكار في ذهن الاطفال تعارض الافكار السائدة. على سبيل المثال اقناعهم ان الثلج ليس ابيضاً بل هو رمادي غامق.
وعند تطوير التقنيات الملائمة، وفي حال تمكنت الحكومات المسؤولة عن التربية والتعليم من تلقينها للاجيال الجديدة الناشئة ستتمكن عندئذ من السيطرة الكاملة على المواطنين بشكل آمن دون الحاجة الى قوات الجيش والشرطة.
سنة 1992 كتب مايكل مينيسينو M Minnicino في مجلة Fideleoالتي تنشرها مدرسة فرانكفورت، مشيداً بالنجاحات التي حققها اتباع مؤسسي المدرسة ماركوس وادورنو، وكيف اصبحت هيمنتهم علي الجامعات كاملة، مشيراً ان هذه الجامعات تلقن طلابها اليوم ضرورة استبدال المنطق بمفهوم «الصحيح سياسياً». ويوجد اليوم القليل من الكتب النظرية حول الفنون والآداب واللغات في الولايات المتحدة واوروبا التي لا تتردد بالاقرار بانتمائها وولائها لمدرسة فرانكفورت.
< المخدرات:
«الدوس هكسلي، من جامعة هارفرد، قسم المخدرات، اعلن ما يلي: ان هذه المخدرات التي توثر في الدماغ والتي تنتج في المختبرات سوف تحدث تغيرات اجتماعية كبيرة. وهذا سيحدث دون اي مجهود او فضل مني او منك. كل ما يتوجب علينا ان نقوم به هو نشرها في المجتمع.
اما الدكتور تيموتي ليري T Leary فينهي الفكرة الاولى بالقول: «لقد فات الأوان لكي نلتزم بالديانة اليهودية – المسيحية التي تؤمن بإله واحد، ودين واحد وحقيقة واحدة. هذا الايمان جلب اللعنة على اوروبا لقرون طويلة وأميركا منذ تأسيسها. ان المخدرات تفتح العقل البشري على رؤية حقائق متعددة، وهذا يؤدي بدوره الى قبول تعدّد الآلهة في الكون. لقد حان الوقت لفرض ديانة جديدة «انسانية» مبنية على الذكاء، والطبيعة الطيبة والمتعددة وان الالحاد العلمي قد حان وصوله.
وفي سنة 1965 كتب نافيت سانفورد ان المشروع الذي يجب ان نعمل له الآن هو خلق مجموعات تطالب بتشريع المخدرات غير الضارة مثل الماريجوانا من خلال حملة دعاية تظهر الفوائد الطبية لديها.
وانضم الملياردير الملحد (؟) جورج سوروس G Soros الى هذه الحملة في الولايات المتحدة عندما اعلن صراحة ان الحملة التي تقودها اميركا لمكافحة المخدرات وتكلف سنوياً 37 مليار دولار هي غير مجدية.
ودعم مركز ليند سميس حملة سوروس وقاد الاثنان دعم دعوة الاميركيين المطالبين بعدم تجريم تعاطي المخدرات منعاً لإفراط المدمنين وعدم الحاق الضرر بأنفسهم.
< الموسيقى والتلفزيون والثقافة الشعبية، المفكر ادورنو، احد مؤسسي «مدرسة فرانكفورت» نشر كتاباً بعنوان «نظرية الموسيقى الحديثة» حيث يروج لاطلاق الموسيقى الحديثة والشعبية (غير الكلاسيكية) كسلاح لتدمير المجتمع، واطلاق انواع من الموسيقى لتعزيز الامراض العقلية، وقال انه يمكن تركيع الولايات المتحدة عن طريق استخدام الاذاعة والتلفزيون للترويج لثقافة اليأس والتشاؤم.
سنة 1933 سافر ادورنو الى الولايات المتحدة (الى هوليوود ) برفقة زميله هوركهايمر، وبدأ الاثنان تنفيذ مخططاتهما. واستفاد الثنائي من العاب الفيديو العنيفة دعما يتلاءم مع اهداف المدرسة التي ينتمون اليها.
< الجنس:
في كتابه «اقفال العقل الاميركي، لاحظ آلان بلوم A Bloom كيف ان ماركوس Marcuse استحوذ على اعجاب الطلاب الجامعيين في الستينات عندما جمع بين كارل ماركس وسيغموند فرويد. في كتابه «ايروس (الجنس) والحضارة والانسان ذو البعد الواحد» يبشر ماركوس ان التغلب على الرأسمالية والعقل الواعي المزيف فيها سوف ينتج مجتمعاً حيث يكون هدف ورضى الناس من خلال الاشباع الجنسي. وموسيقى الروك تلامس هذا الوتر لدى الشباب. فالتعبير عن السلوك الجنسي الحر وغير المشروط، وتعميم السلوك الفوضوي غير الملتزم بقوانين واخلاقيات واطلاق العنان للتصرفات اللاوعية وغير المنطقية… انها قواسم مشتركة تمنح لعامة الشعب عن طريق الموسيقى والحرية الجنسية والمخدرات .
والحرية الجنسية لا تعني فقط الانخراط في علاقة بين رجل وامرأة بل تشمل كل انواع الممارسات الشاذة بين الناس واحياناً مع الحيوانات.
< وسائل الاعلام:
في كتابه «الغطرسة» (1993) يصف الكاتب برنارد كولبيرغ، وهو مراسل سابق لمحطة CBS الاميركية، المدير العام لنيويورك تايمز آرثر سولزبيرغ انه ادار هذه الوسيلة الاعلامية بذهنية وفلسفة مدرسة فرانكفورت، معتمداً بالتحديد على دراسة اصدرتها هذه المدرسة تحمل عنوان «الشخصية الاستبدادية» .
وكتب كولبيرغ عن المدير انه لا يزال يعتقد في تلك المفاهيم القديمة للستينات حول التحرر وتغيير شخصية الرجل العالمي.
ويلفت الكاتب ان وسائل الاعلام، خاصة في غرف الاخبار تركز على معظم الاخبار المنوعة دون التوجه الى ما هو عقلاني ويثير الذكاء فالمطلوب إغفال العقل.
على الصعيد العملي جرى تشديد المراقبة على وسائل الاعلام ومنعت من نشر وبث ما يتعارض مع اهدافها العليا ما عدا الاخبار والتعليقات التي تتلاءم مع الظروف الآنية للمرحلة وتخدم غايات مدرسة فرانكفورت واهدافها السياسية.
< الشبكة
سنة 1994 نشرت ماليري ريتشز كتاباً حول «الجنس» وصناعة المجتمع». ولاحظت الكاتبة انه في اواخر الستينات ومطلع السبعينات جرت في الولايات المتحدة حملة برلمانية بالتنسيق مع عدد من التنظيمات والمؤسسات التي تعنى بالحد من النسل (منع الحمل، الاجهاض ، التعقيم…) وتبين من تحليل تقاريرهم السنوية ان مجموعة صغيرة كانت تعمل بالخفاء وتنسيقاً مع بعضها البعض على ممارسة الضغوطات على النواب واعضاء مجلس الشيوخ. هذه المجموعة لم تكن مرتبطة فقط بالعلاقات الشخصية فيما بينها، لكن ايضاً بمصادر تمويلها وعقيدها واحياناً عناوينها. وكانت مدعومة احياناً من بعض المؤسسات الحكومية وتتلقى منحاً ومساعدات مالية منها ومن مؤسسات خاصة.
وفي قلب هذه الشبكة، كانت جمعية تنظيم الاسرة FPA هي التنظيم الاقوى والاكثر تأثيراً على القرارات الحكومية.
كما كشفت التحقيقات ان الشبكة كانت بالواقع تشمل امتدادات اوسع وتشمل مؤسسات تعالج قضايا تحديد السكان وتحديد النسل والاصلاحات القانونية الملائمة، وقضايا الجنس واصلاح قوانين العائلة، وشؤون التربية الجنسية والصحة. وضمت تحت جناحها دور نشر ومؤسسات ابحاث طبية وتربوية وتنظيمات نسائية ومؤسسات لارشاد الازواج وكانت هذه الشبكة تمارس ضغوطاً على وسائل الاعلام وتستفيد منها لنشر آرائهم وبرامجها. كما مارست ضغوطاً على برلمانيين وقادة سياسيين بمستويات مختلفة من التأثير.
وكانت الفكرة السائدة التي عملت المؤسسات تحت مظلتها: اذا لم نتدخل في تربية الاطفال الجنسية، فهذا يعني انهم سيتبعون ببساطة المفاهيم التي يفرضها اباؤهم عليهم، لأن التربية الجنسية هي حسب مخططاتهم الوسيلة الفضلى لادخال الفكر العلماني الى المجتمع. والتربية الجنسية حسب مفهومهم يجب ان تؤدي الى دمج الجنسين او عكسهما واستبدال ادوارهما ( وهذا ما يحدث عملياً في العلاقات المثلية…)، وتحرير الاطفال من اسرهم ، والغاء مفهوم الاسرة كما نعرفها (اعادة تحديد الزواج).
لذا يرى مفكرو هذه المدرسة الاجتماعية انه يجب التحكم بالعقول الضعيفة لدى الاطفال والمراهقين والحد من تأثير المعلمين عليهم ومنعهم من تعزيز الفضائل مثل الصدق والعدل والعفة وغيرها من الاخلاقيات التي تخالف «الحرية الاخلاقية الفردية. ويجب حث الاطفال على ان يكونوا احراراً في اختيار القيم التي يجدونها ملائمة لميولهم، ويتحول دور المعلم الى مجرد شخص يُسهل هذه الخيارات، ويتجنب كل المواعظ الاخلاقية والانتقادات العقلانية.
في البرنامج التعليمي في استراليا على سبيل المثال توجهات مثيرة للقلق. فالموضوع الاساسي للقيم هو من جراء تعميم الفكرة المثيرة انه لا يوجد قيم صحيحة او خاطئة. لذا لا تسعى البرامج التربوية الى تحديد ونقل القيم الصحيحة، بل يفسح المجال للاطفال للاختيار الشخصي دون ممارسة اية ضغوطات، لأن المطلوب هو التحرر من مصدر هذه القيم اي العزة الالهية، والتوقف عند حرية الاختيار.
لذا من السهل ان نلاحظ الطابع العلماني الالحادي السائد في اجواء استراليا بشكل عام: في السياسة والادارة والتعليم. ان اعتماد مبدأ التعددية الثقافية يدخل هنا ضمن اطار التعددية في الحقيقة والمفاهيم وفي نسبية الوعي والادراك للمثل العليا.. فأين تكمن الحقيقة؟
< زواج المثليين
هل يتساءل المواطنون في استراليا لماذا تعارض بلدية مدينة سدني نصب شجرة الميلاد بحجة ان هذه المبادرة قد تخدش مشاعر غير المسيحيين في حين تسارع نفس البلدية الى تزيين شوارع المدينة بمناسبة مهرجان الماردي غرا Mardi Gras وتتسابق وسائل الاعلام والتلفزة الى نقل مسيرة كرنفال «المثليين» فيما تتردد بنقل اية مناسبة دينية؟ وان فعلت فمرور الكرام!؟؟
وهل اصبح القارئ يدرك الدوافع الكامنة وراء مطالبة بعض الاحزاب ورجال السياسة بتشريع زواج المثليين واعادة تحديد مفهوم العائلة؟؟ ان القضية الجوهرية هي بعيدة كل البعد عن احترام مشاعر وحرية الاقليات وتعود الى اسباب اشد خطورة تتعلق بجوهر التربية واباحة الجنس بكل تشعباته واشكاله، حتى غير الطبيعية.
ان المجتمع يسير رويداً ضمن ثورة اجتماعية صامتة تسعى الى تدمير شخصية الفرد والعائلة والايمان بالله والمثل الاخلاقية واحداث تبدل في شخصية الرجل ودوره في العاذلة والمجتمع وحتى في السرير اثناء ممارسة الجنسي.
نعم استبدال دور الجنس. فكيف نفهم تكريس وتطبيع العلاقات الشاذة؟ الا يوجد في زواج المثليين رجل يقوم بدور الرجل وآخر يتقمّص دور المرأة؟ والشيء نفسه في العلاقات السحاقية.
يبقى علينا ان نفكر بمستقبل الاطفال في اجواء عائلية ناقصة في حال اقرار زواج المثليين والاعتراف بزواجهم انه نمط جديد للعائلة. فما مصير الاطفال في هذه الاجواء وكم سيكون حجم الانعكاسات النفسية والامراض العقلية. ان قمة المغالطات وضرب كل المثل والاخلاقيات سيجد المناخ الملائم مع هؤلاء الاطفال.
لقد حاولت ان اطرح هذا الموضوع بابعاده السياسية والاجتماعية لعلنا نعمل معاً مسلمين ومسيحيين لوقف هذا التوجه نحو «الخراب الكبير» الذي لن يستثني احداً.
ان الانغلاق على الذات لن ينفع، لأن من يقوم به سيتهم بالتعصب والعزلة وعدم الاندماج في المجتمع الكبير . علينا ممارسة الضغوطات على رجال السياسة لكي يصوتوا ضد تشريع زواج المثليين والا نفرح بسياسة خدماتية او مساعدة مادية او حضور سياسي حفلة اجتماعية خاصة بالجالية او مشاركتنا بإفطار رمضاني.
ولنتذكر ان لا حياء في الايمان والدين، و»من يستحي بي امام الناس استحي به امام ابي الذي في السموات».