أن الخوف هو الخطر الذي يحسّه عقلك , من عبور جسر صعب قبل الوصول اليه , وأدراك هذه الحقيقة كفيل بهزيمة الخوف . الفزع هو الذي يُسبب الخوف , هو المسؤول عن نسبة كبيرة من الحوادث التي تقع في المجتمع الأنساني . ولعَّل واحداً من كل الف شخص , ضلوا طريقهم في الغابات مات فعلاً من التعرض للعوامل الجوية والجوع . اما الباقون فماتوا من الخوف . وللخوف من الحيوانات المتوحشة ضحاياه , ولكن الشيئ الذي يُسَّبب المتاعب احياناً هو رائحة الخوف . فعندما يستبّد الرعب بحيوان او انسان , تنبعث من جسمه رائحة قوية . وكل ام في البرية , عندما تسمع وتشم رائحة خطر يقترب , تسرع بأخفاء صغارها , وتطلق سيقانها للريح , مدركة ان رائحة الخوف , سوف تكشف عن مخبئها . لكن صغارها أقل من ان تدرك الخوف . ورائحة الخوف هي التي تجعل الكلاب تهاجم الأشخاص .
لا شك ان عقدة “أوديب ” هي المسؤولة عن كثير من النكبات النفسية التي تحّل بالأنسان . فالعقدة تلعب دورها عن طريق غير مباشر وبأسلوب مُلتَوِ وتدفعه الى عديد من ألأنفعالات النفسية , وقد تؤدي الى الجريمة او الجنون او الأنتحار . يَحدثُ كل هذا والمريض لا يدرك أن ما به من شقاء , أنما من تلقاء هذه
العقدة . على ان ليس علاج هذه العقدة في الوصول الى معرفتها . فقد ينتهي الأمر , لأن يعرف المريض انه يعاني عقدة “اوديب ” فعلاً وأنه شديد التعلق بأمه او اخته او خالته او عمته , وان نكبته التي ادَّت الى انحرافه . فكأنك والحال قد شخَّصت الداء لمريض الأنفلونزا , ولكنك لم تشَّخص الدواء . ان كل منا يربطه بعائلته رباط مقدس , ولا يمكنه التحرر من هذا الرباط , وأن تمزيق الرباط العائلي عمل شاذ . فالعائلة هي المدرسة الأولى التي تعلمنا الحب . والأنسان النافع في المجتمع هو الذي تعلم أصول الحب في بيئته الأولى التي نشأ وشّب فيها . وانه لو زاد هذا الحب عن الحد الطبيعي عندئذِ يمسى معرضاً . واحياناً قد يبدو المريض انه تخلَّص من انحرافه , ولكن هذا قد يكون وقتي فسرعان ما يعود الى حالته الأولى . لأن شفاءه بمثابة السراب . فما زالت مشاعره عطشى تحن الى المرض .فمريض الشذوذ الجنسي الذي تخلَّص من دائه قد يعيش سنين وهو في صحة جيدة , ولكنه قد يحِّن الى المرض بعد ذلك , فلما تمكَّن المريض من أن يواجه عقدته , ويعرف علة الداء سرعان ما تخلَّص من حالات الصرع التي كانت تنتابه . وهناك قصة رجل يحِّس دائماً في حاجة الى ان يفتح ادراج مكتبه , ويبحث بين اوراقها عن اشياء قد تكون غائبة عنه , فاذا أقتنع بأن ادراجه سليمة وأغلق مكتبه , سرعان ما يعاوده الوسواس مرة اخرى , ويفتح الأدراج ليعاود البحث والتنقيب . وهكذا يقضي يومه في البحث عن مسائل تافهة , مما أدّى الى عرقلة اعماله جميعاً وكان في طفولته يكره المدرسة , لأن مُدَّرسيها كانوا قساة , كان يخشى ألأمتحانات لأن الحظ قد يسوقه لأن يضع النقط سهواً فوق بعض الحروف ممّا قد يُغَّير المعنى وتاريخه . وهذا يعطينا فكرة عن نبت الوسوسة التي يعانيها في سن مبكر في عهد الطفولة .كما أن هذا المريض التحق بأحد الأعمال التجارية , وشاءت الظروف ان يكون اول يوم يتسلَّم فيها عمله , ان يشاهد رئيسه يؤَّنب زميلاً له تأنيباً شديداً من اجل اهماله . فرسخَ في ذهنه الخوف من الأهمال , وراح يحترس في
عمله ويدَّقق في كل صغيرة وكبيرة ليتحاشى التأنيب . ومن هنا نشأت بوادر الشك والتردد والخوف وعدم الثقة في نفسه .وأيضاً كما كان يفرض بأن زوجته ستصاب بنكبة , اذا لم يذهب في يوم معين الى مكان مخصوص , وأّلا فأن ابنه سينتابه شر جسيم . وقد شاءت الظروف أن قطع عهداً بينه وبين نفسه مرة , فلم يتمكَّن من تنفيذه فتوفي ابنه , فأعتقدَ ان وفاة الأبن لأنه لم يُنَفِّذ هذا الوعد , وبذلك ازدادت حالته سوءاً , وقد انتابه اثر ذلك ميل قوي لأن يلقي بنفسه , تحت عجلات الباص اوالترام , فكان اذا وقف منتظراً الترام , أحَّس بذلك الشعور يدفعه الى الموت , ولكنه كان يناضل في سبيل التخلص من هذا الشعور الشرير , وكان يحِّس ايضاً بأنه يوَّد ان يلقي بأواني المائدة التي امامه الى وجه زوجته . وكان يشعر بأحساس عميق يدفعه للأنتحار , وبأن يلقي بنفسه من اعلى المنزل , وأيضاً فرغباته بأن يلقي يلقي بنفسه تحت عجلات القطار , وما يجيش في نفسه من ميل للأنتحار من اثم وشر . واذا كان في مطعم عام وتناول غذاءه وهمَّ بالخروج , احسَّ بشيئ في نفسه , يأمره لأن يظل بالمطعم , فلا يغادره قبل ربع ساعة , واِلا حدثَ شيئ مزعج يحطُّم حياته , وهكذا تظل الأوامر تتساقط عليه , ويظل سجين المكان لساعات . ولقد كان لحالته هذه اثر كبير على حياته العملية , فقد كان يعتقد انه لو أهمل تنفيذ تلك الأوامر الصادرة من اعماقه , فقد يتعَّرض العمل كله الى الدمار , وأقل اهمال لتلك الأوامر النفسية , كان يسَبِّب له انزعاج عنيف فتنتابه حالات القلق والأضطراب والخوف , وكان اكثر ما يخشاه الخوف من أن تصدر اليه الأوامر ليسير في الطريق بشكل معين مما يعَّرض حياته وسلامته للخطر . واذا بلغه أن احداً مات . أعتقد أنه هو نفسه السبب في وفاة هذا الميِّت , لأنه يحمل بين طياته عوامل الخير والشر , ويخشى أن يكون قد ألقى عليه بعض ذرَّات الشر فسبّبت له الوفاة . فأذا حدث وزار المقابر مرة , يحتجب عن الناس اياماً لأنه يخشى ان يكون قد علقت به من المقابر ذرات الموت , فَتُسَّبب خراباً كبيراً في نفسه .
اما حياة المريض الجنسية فكانت متعثرة , فقد تعود العادة السرية , فلما مات ابوه وهو في العشرين أقلع عن هذه العادة , فقد اعتقد ان الأستمرار فيها , يقلق راحة الرجل الميت في قبره . وآثَر ان يصلي من اجل الراقد في التراب , عن ان يعمل ما يُكَّدره . فتَصَّوفَ وتعَّبد ثم تشعوذ , وعاش عاماً وهو قابع في صومعته بحبه العذري . وله ميل شديد لأن يؤَّخر عمل اليوم الى الغد . وكان يشعر انه ان لم يفعل ذلك , فستحِّل به لعنة يموت بسببها