اشبه ما يكون بارتطام صخرة ثقيلة بمياه ضحلة نزل المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بوقع صادم على القوى السياسية اللبنانية واقله على غالبيتها ولا سيما منها تلك التي سدد اليها اقسى الاتهامات بتعطيل المبادرة الفرنسية والتسبب باعتذار الرئيس المكلف مصطفى اديب عن استكمال عملية تشكيل الحكومة الجديدة . ولم يكن ادل على الصدمة التي اثارتها نبرة الإدانة والتقريع الاستثنائية وغير المألوفة اطلاقا التي طبعت كلام الرئيس ماكرون عن القوى السياسية والمسؤولين والزعماء اللبنانيين من الصمت غير المعهود اطلاقا الذي ساد مختلف القوى والأوساط المعنية بما عكس على الأقل تريثا وتمهلا واجراء حسابات غير منفعلة قبل الرد او التعليق على المواقف الساخنة التي اطلقها ماكرون غداة اعتذار الرئيس المكلف مصطفى اديب . وإذ ساد اجماع لدى المراقبين والاوساط الراصدة للمجريات اللبنانية في ظل المبادرة الفرنسية بان نقطة الارتكاز الأساسية التي ميزت مواقف ماكرون تمثلت في انتقاداته اللاذعة والقاسية للثنائي الشيعي ولا سيما منه»حزب الله « الذي وضعه الرئيس الفرنسي للمرة الأولى بهذه الطريقة على طاولة التشريح السلبي فان الأوساط نفسها ترصد بدقة الكلمة التي اعلن فجأة امس ان الأمين العام ل»حزب الله « السيد حسن نصرالله سيلقيها في الثامنة والنصف مساء اليوم والتي تأكد انه سيركز فيها على تفنيد ردود الحزب على المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي وما تناول به الحزب كما على موقف الحزب من المبادرة الفرنسية التي قيل ان نصرالله لن يقطع في النهاية شعرة معاوية معها .
وفي اي حال واذا كان من البديهي ان تتركز الاهتمامات على بلورة ردود الفعل على الانتكاسة الكبيرة التي أصيبت بها المبادرة الفرنسية في جولتها الأولى فان الأهم في الوقت الراهن بلورة الأفق الغامض والقاتم الذي بات يطبق على واقع البلاد في ظل انعدام أي افق واضح للاتجاهات التي يمكن ان تعتمد للخروج من ازمة باتت تتجاوز الاستحقاق الحكومي الى ازمة سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية بالغة الخطرة تتهدد لبنان بانهيارات غير مسبوقة . ولعل ما يفاقم المخاوف من مرحلة محفوفة بمزيد من الانهيارات المختلفة ان معظم المعطيات الجادة والعميقة الناشئة عن إصابة المبادرة الفرنسية إصابة جسيمة وتعذر رسم أي خط بياني ثابت وواضح للخطوات الدستورية والسياسية التي ستتخذ بعد اعتذار الرئيس المكلف مصطفى اديب تشير الى مرحلة طويلة ومضنية من تفعيل حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسن دياب اذا استمرت المعطيات السياسية الداخلية والخارجية على حالها في المرحلة الطالعة . حتى ان هذه المعطيات تذهب الى التخوف من ان جمود يطبع الاستحقاق الحكومي العالق واستبعاد أي حلحلة للازمة اقله قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من تشرين الثاني المقبل وربما ابعد الى نهاية السنة . ولم تكن مصادفة ان يذكر الرئيس الفرنسي في مؤتمره الصحافي ربط القوى التي عرقلت المبادرة الفرنسية بالانتخابات الأميركية بما يسبغ واقعيا مزيدا من الجدية على المخاوف من تداعيات مكلفة للغاية لتطويل مدة تصريف الاعمال في لبنان . وليس ادل على هذا الواقع من ان الأوساط القريبة من رئاسة الجمهورية اكدت امس ان ليس هناك دعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية بتشكيل حكومة جديدة في الأيام القليلة المقبلة . ولا يبدو ان تحديد موعد للاستشارات سيكون في وقت منظور . ولكن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اكد خلال تقليده وساما للسفير الفرنسي برونو فوشيه لمناسبة مغادرته لبنان تمسكه بالمبادرة الفرنسية منوها بالاهتمام الذي يبديه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حيال لبنان واللبنانيين وأسف لعدم تمكن الرئيس المكلف مصطفى اديب من تشكيل الحكومة وفق مندرجات مبادرة الرئيس الفرنسي .
ولم يصدر أي رد عن عين التينة على كلام الرئيس الفرنسي ولكن نقل عن أوساطها انزعاجها من تحميل ماكرون للثنائي الشيعي اكثر مما يجب . اما بالنسبة الى بيت الوسط فنقل عن أوساط قريبة منه تعليقها على قول ماكرون ان الرئيس سعد الحريري ورؤساء الحكومات السابقين وضعوا معايير طائفية على عملية تشكيل الحكومة بالقول ان الحريري بالاتفاق مع رؤساء الحكومات السابقين قرروا السير في القواعد التي حددها الرئيس المكلف والتي تتماشى مع مبدأ المداورة في الوزارات التي وافق عليها رئيس الجمهورية والبطريركية المارونية ومعظم الكتل النيابية وتاليا معظم الافرقاء الداخليين . ولكن عندما اصطدم ذلك بإصرار الثنائي الشيعي على تسمية وزرائهم والمطالبة بحقيبة المال اعلن الحريري التنازل لمصلحة البلد واعترف ماكرون في مؤتمره بإيجابية هذا الامر كما ان الخارجية الفرنسية كانت أشادت بخطوة الحريري ووصفتها بانها شجاعة .