خصائص حَسَنيّة
أوصافه، عبادته، أخلاقه عليه السلام
لعل أبرز ما كُتب حول الإمام الحسن عليه السلام، هو كتاب العالم الجليل الراحل الشيخ راضي آل ياسين، ولفرادته قدّمَ له الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين قدّس سرّهما.
من هذا الكتاب المميّز
(صلح الحسن عليه السلام)
أوصاف الإمام الحسن
عليه السلام
لم يكن أحداً أشبه برسول الله صلى الله عليه وعلى آله من الحسن بن علي عليهما السلام» خَلْقاً وخُلُقاً وهيئةً وهدياً وسؤدداً»
بهذا وصفه واصفوه وقالوا:
«كان ابيض اللون مُشرباً بحُمرةٍ، أدعج العينين، سهل الخدّين، كثّ اللحية، جَعْدَ الشَّعر، ذا وفرة، كأن عنقه إبريق فضة، حسن البدن، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الكراديس، دقيق المسربة، ربعةٌ ليس بالطويل ولا بالقصير، مليحاً من أحسن الناس وجهاً».
أو كما قال الشاعر:
ما دبَّ في فِطَنِ الأوهامِ من حَسَنٍ .. إلا وكان له الحظّ الخصوصيُّ
كأن جبهته من تحت طرّته .. بدرٌ يتوّجه الليل البهيميُّ
قد جلّ عن طيب أهل الأرض عنبره .. ومسكه فهو الطيبُ السماويُّ
وقال بن سعد: «كان الحسن والحسين يخضبان بالسواد».
وقال واصل بن عطاء: «كان الحسن بن علي عليهما السلام، عليه سيماءُ الأنبياءِ وبهاءُ الملوكِ».
عبادته عليه السلام
حجّ خمساً وعشرين حجة ماشياً، والنجائب لتُقاد معه، وإذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبرَ بكى، وإذا ذكر البعثَ بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصّراطِ بكى، وإذا ذكر العرضَ على الله تعالى ذِكرُه شهقَ شهقةً يُغشى عليه منها، وإذا ذكر الجنّة و النار اضطرب اضطرابَ السليم، وسأل الله الجنة، وتعوّذ بالله من النار.
وكان إذا توضأ، أو إذا صلّى ارتعدتْ فرائصُه واصفرّ لونه.
وقاسمَ اللهُ تعالى ماله ثلاث مرّاتٍ، وخرج من مالهِ مرّتَين، ثم هو لا يمرّ في شيءٍ من أحواله إلا ذكر الله عزَّ وجلَّ.
قالوا: «وكان أعبدَ الناس في زمانهِ، وأزهدَهم بالدنيا».
أخلاقه
كان في شمائله آيةَ الإنسانيّة الفُضلى، ما رآهُ أحدٌ إلا هابه، ولا خالطه إنسانٌ إلا أحبّه، ولا سمعه صديقٌ أو عدوٌّ وهو يتحدّث أو يخطب فهان عليه أن يُنهي حديثَه أو يسكتُ.
وقال محمد بن إسحاق: «ما بلغ أحدٌ من الشّرف بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى أهله وسلم، ما بلغ الحسن بن عليّ. كان يُبسط له على بابِ دارهِ، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما يمرّ أحدٌ من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته، فيمرّ الناس».
ونزل عن راحلته في طريق مكّة فمشى، فما من خلق الله أحدٌ إلا نزل ومشى، حتى سعد بن أبي وقّاص، فقد نزل ومشى إلى جنبه.
وقال مدرك بن زياد لابن عباس، وقد أمسك للحسن والحسين بالركاب وسوّى عليهما ثيابهما: «أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب؟».
فقال: «يا لُكَع! وما تدري مَن هذان؟ هذان ابنا رسول الله، أوليس مما أنعم الله عليّ به أن أمسك لهما وأسوّي عليهما؟!».
وكان من تواضعه على عظيم مكانته أنه مرّ بفقراء وضعوا كسيراتٍ على الأرضِ، وهم قعودٌ يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: «هلمّ يا بن رسول الله إلى الغذاء» فنزل وقال: «إن الله لا يحبُ المتكبرين». وجعل يأكل معهم. ثم دعاهم إلى ضيافته فأطعمهم وكساهم.
وكان من كرمه أنه أتاه رجلٌ في حاجة، فقال له: «اكتب حاجتك في رقعة وارفعها إلينا».
قال: فرفعها إليه فأضعفها له، فقال له بعض جلسائه: «ما كان أعظم بركة الرقعة عليه يا بن رسول الله!».
فقال: «بركتها علينا أعظم، حين جُعلنا للمعروف أهلاً. أما علمت أن المعروفَ ما كان ابتداءً من غير مسألة، فأمَا من أعطيته بعد مسألة، فإنما أعطيته بما بذل لك من وجهه.
وعسى أن يكون بات ليلته متململاً أرِقاً، يميل بين اليأس والرجاء، لا يعلم بما يرجعُ من حاجته: أبكآبة الردّ، أم بسرور النُّجح، فيأتيك وفرائصه ترعد، وقلبه خائف يخفق، فإن قضيت له حاجته فيما بذل من وجهه، فإن ذلك أعظم مما نال من معروفك».
وجاءه بعض الأعراب فقال: «أعطوه ما في الخزانة» فوجد فيها عشرون ألف درهم، فدُفعت إليه، فقال الأعرابي: «يا مولاي، ألا تركتني أبوح بحاجتي، وأنشر مدحتي؟».
فأنشأ الحسن يقول:
نحن أناسٌ نوالنا خُضْل
يرتع فينا الرجاءُ والأملْ
تجود قبل السؤال أنفسُنا
خوفاً على ماء الوجه من يَسَلْ
وروى المدائني، قال: «خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر حجاجاً ففاتتهم أثقالهم، فجاعوا وعطشوا، فرأوا عجوزاً في خباء فاستسقوها، فقالت: هذه الشويهة احلبوها وامتذقوا لبنها، ففعلوا واستطعموها، فقالت: ليس إلا هذه الشاة، فليذبحها أحدكم. فذبحها أحدهم، وكشطها. ثم شوت لهم من لحمها فأكلوا، وقالوا (من نوم القيلولة) عندها، فلما نهضوا، قالوا: نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه، فإذا عدنا فألمّي بنا، فإنّا صانعون بك خيراً. ثم رحلوا.
فلما جاء زوجها اخبرته، فقال: «ويحك! تذبحين شاتي لقومٍ لا تعرفينهم، ثم تقولين: (نفرٌ من قريش). ثم مضت الأيام، فأضرّت بها الحال، فرحلت حتى اجتازت بالمدينة، فرآها الحسن عليه السلام، فعرفها، فقال لها: أتعرفيني؟، قالت: لا قال: انا ضيفك يوم كذا وكذا، فأمر لها بألف شاةً وألف دينار، وبعث بها إلى الحسين عليه السلام، فأعطاها مثل ذلك، ثم بعثها إلى عبد الله بن جعفر، فأعطاها مثل ذلك».
من مناقبه عليه السلام
أنه سيد شباب أهل الجنة، وأحد الإثنين اللذين انحصرت ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله فيهما، وأحد الأربعة الذين باهل بهم النبي نصارى نجران، وأحد الخمسة (أصحاب الكساء) وأحد الإثنى عشر الذين فرض الله طاعتهم على العباد، وهو أحد المطهّرين من الرجس في الكتاب، وأحد الذين جعل الله مودتهم أجراً للرسالة، وجعلهم رسول الله أحد الثقلين اللذين لا يضل مَنْ تمسّك بهما.
وهو ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله، وحبيبه الذي يحبه ويدعو الله أن يحب من أحبه، وله من المناقب ما يطول بيانه، ثم لا يحيط به البيان، وإن طال.
يا بنيّ، أنت ولي الأمر، وولي الدم
وأمره أبوه أمير المؤمنين ? منذ اعتل ? أن يصلي بالناس، وأوصى إليه عند وفاته قائلاً: «يا بني، أنت ولي الأمر وولي الدم»، وأشهد على وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ودفع إليه الكتاب والسلاح، ثم قال له: «يا بني، أمرني رسول الله أن أوصي إليك، وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إليَّ رسول الله ودفع إليّ كتبَه وسلاحه، وأمرني أن آمرك، إذا حضرك الموت ان تدفعها إلى أخيك الحسين». ثم أقبل على الحسين، فقال: «وأرمك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا». ثم أخذ بيد علي بن الحسين، وقال: «وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد، فأقرئه من رسول الله ومني السلام».
البيعة
وبويع بالخلافة بعد وفاة أبيه عليهما السلام، فقام بالأمر -على قصر عهده- أحسن قيام، وصالح معاوية في الخامس عشر من شهر جمادي الأولى سنة 41، على أصح الروايات ? فحفظ الدين، وحقن دماء المؤمنين، وجرى في ذلك وفق التعاليم الخاصة التي رواها عن أبيه، عن جده صلى الله عليهما. فكانت خلافته «الظاهرة» سبعة أشهر وأربعة وعشرين يوماً.
ورجع بعد توقيع الصلح إلى المدينة، فأقام فيها، وبيته حَرَمُها الثاني لأهلها ولزائريها.
والحسن من هذين الحرمين، مشرق الهداية ومعقل العلم وموئل المسلمين. ومن حوله الطوائف التي نفرت من كل فرقة لتتفقه في الدين، ولتنذر قومها إذا رجعت إليهم .
.فكانوا تلامذته وحملة العلم والرواية عنه، وكان بما اتاح الله له من العلم، وبما مكّن له في قلوب المسلمين من المقام الرفيع، أقدر إنسانٍ على توجيه الأمة وقيادتها الروحية، وتصحيح العقيدة، وتوحيد أهل التوحيد.
وكان إذا صلى الغداة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله جلس في مجلسه، يذكر الله حتى ترتفع الشمس، ويجلي إليه من
يجلس من سادات الناي يحدثه. قال بن الصبّاغ (الفصول المهمة ص 159): «ويجمع الناس حوله، فيتكلم بما يشفي غليل السائلين، ويقطع حجج المجادلين».
ادفنوني عند أبي
روى سبط بن الجوزي بسنده إلى ابن سعد، عن الواقدي: «أنه لما احتضر الحسن قال: ادفنوني عند أبي -يعني رسول الله صلى الله عليه وآله- فقامت بنو أمية، ومروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، وكان والياً على المدينة فمنعوه!! قال بن سعد: ومنهم عائشة، وقالت: لا يدفن مع رسول الله أحد.
واجتمع مع الحسين بن علي خلقٌ من الناس فقالوا له: «دعنا وآل مروان، فوالله ما هم عندنا إلا كأكلة رأس» فقال: «إن أخي أوصى أن لا أريق فيه محجمة دم.. ولولا عهد الحسن هذا، لعلمتم كيف تؤخذ سيوف الله منهم مأخذها. وقد نقضوا العهد بيننا وبينهم وأبطلوا ما اشترطنا عليهم لأنفسنا». -يشير بهذا إلى شروط الصلح.
ومضوا بالحسن فدفنوه في البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
قال في الإصابة: «قال الواقدي: حدثنا داود بن سنان، حدثنا ثعلبة بن أبي مالك: شهدْتُ الحسن يوم مات ودفن بالبقيع، فلقد رأيت البقيع، ولو طُرحتْ فيه إبرةٌ ما وقعت إلا على رأس إنسان.
كريم أهل البيت عليهم السلام
اشتهر الإمام الحسن المجتبي عليه السلام بهذا اللقب (كريم أهل البيت عليهم السلام) من دون سائر الرجال، ولهذا اللقب دلالة بعيدة الغور، لأن أهل البيت عليهم السلام قد جمعوا غرّ الفضائل والمناقب وجميل الصفات، ومن أبرز تلك الخصال الكرم، وقد عرفوه: «بأنه إيثار الغير بالخير»، ولا تستعمله العرب إلا في المحاسن الكثيرة، ولا يقال كريم حتى يظهر منه ذلك.
والكريم هو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل، ومن ذلك يُعلم أن للكرم معنى واسعاً لا ينحصر، في بذل المال أو إقراء الضيف أو حسن الضيافة، فإنها من مصاديق الكرم لا تمام معناه، وعلى ضوء هذا المعنى الشامل للكرم تجلى لنا المراد من وصف أهل البيت عليهم السلام بأنهم أكرم الناس على الإطلاق، لما اشتملوا عليه من أنواع الخير والشرف والفضائل، وقد حفظ لنا التاريخ شيئاً وحدث به الرواة، كما يتجلى لنا أيضاً من خلاله اتصاف الإمام الحسن عليه السلام بهذه الخصلة واشتهاره بها، فإنه كان كثير الإنفاق على الفقراء وقد خرج لله عن ماله مرات عديدة، وكان يُؤْثِرُ بالمال كل طالب له منه، ولم يؤثَر عنه أنه ردَّ سائلاً يوماً ما.
وخلاصة ما يمكن أن يقال في هذا المجال هو: إن اختصاص بعض الأئمة عليهم السلام بألقاب معينة واشتهارها فيهم، يُحتمل فيه وجهان:
الأول: أن تلك الألقاب توقيفية، أطلقت عليهم من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله، ويؤيده بعض الأخبار كحديث اللوح وغيره.
الثاني: أن تلك الألقاب اشتهروا بها نتيجة لظروف موضوعية اتفقت لكل منهم في الأزمنة التي عاشوا فيها.
وهو لا يدل بأي حال من الأحوال على أن يكون مفاد الشهرة (وهو الخصلة المشتهر بها لكل منهم) غير موجودة لدى سائرهم، بل كل إمام كريم، وكاظم، وعالم، وصادق، وجواد، ورضا، لأن مداليل هذه الألقاب من مكارم الأخلاق، وقد كمُلت لديهم جميعاً. فتأمل.
مسجد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.