أنطوان القزي

 

في 28 آب أغسطس سنة 1979، كنت متوّجهاً إلى فرنسا لمتابعة الدراسة في اللغة والحضارة الفرنسية.

وأنا في طريقي، عرّجتُ على روما وأمضيت ليلتي فيها. وشاءت الصدفة أن التقي في ذات النزل بشاب ليبي عرفني من لهجتي أنني لبناني. إقترب منّي وحيًاني  وراح يسألني عن بيروت بأسماء شوارعها وزواريبها، وراح يسمّي الستاركو وبرج المر ووادي أبو جميل وفندق “الهوليداي إن” وساحة البرج واللعازارية وشارع فوش، وقبل أن يسترسل في الأسماء قاطعتهُ سائلاُ:” ومن أين تعرف هذه الأسماء وكأنك ابن بيروت”؟. .هزّ برأسه وقال مبتسماً:”أنا شاركتُ بحرب الأسواق في بيروت لعدّة اشهر بين سنتي 1975 و1976 وتعرّفت الى كل تلك المناطق”؟.

نظرتُ مليّاً في عينيه وسرعان ما استعدتُ أخبار الحرب ومشاهدها والحديث عن مرتزقة ليبيين وسودانيين وصوماليين وسواهم شاركوا في حرب الأسواق.

لم أسأله عن الجهة التي كان يقاتل الى جانبها، ولم أقل له أننا اعتقلنا مرتزقة من كل حدب وصوب أضاعت الطريق في هجوم فاشل على بلدتنا ووجدت نفسَها داخل الأحياء السكنية.

لكنني توجّهت إليه بسؤال واحد:” ماذا استفدت من قتالك في لبنان كمواطن ليبي”؟.

هزّ رأسه وقال:” أنظر، ها أنا أجول في المدن الأوروبية أفتّش عن عمل وبلادي تعوم على آبار من النفط، أوهمونا أننا نقاتل في بيروت لمصلحة الوحدة القومية العربية، واكتشفنا بعد حين أنهم كانوا يبعدوننا لتخلو ساحة السرقة والفساد لهم”.

 

 

دار هذا الحديث بعد ثلاث سنوات على الحرب اللبنانية التي أصابت لعنتها كل بلد مدّ يده الى الوطن الصغير.

افترقنا أنا وماجد زروق على أمل التواصل، أنا أكملتُ طريقي الى فرنسا بالطائرة، وهو استقل القطار الى النمسا فألمانيا بحثاً عن رزقه،  وبقينا على تواصل لفترة أربع سنوات حين أخبرني أن حظوظ العمل سُدّت في وجهه وهو سيغادر  أوروبا عائداً إلى مدينته مصراته وهي العاصمة الإقتصادية والتجارية للبلاد نظراً لنشاط حركة الموانئ وازدهار الصناعة والتجارة فيها.

 

مناسبة كلامي هذا اليوم هي لأنني قرأت يوم الإثنين الماضي في أخبار ال”بي بي سي” إسم  ماجد الزروق ضمن ضحايا معركة قبلية بين عشائر مصراتة.

سنة 1975 كان ماجد بعمر 17 عاماً ،غرّروا به وأرسلوه “ليقوّم مقتاية العروبة في بيروت” .. وبعد 45 عاماً يسقط ماجد وهو في الثانية والستين لأن “المقتاية” العروبية ازدادت اعوجاجاً باتجاه العشائرية.

كثيرون في بلاد العرب كانوا ضحايا التغرير مثل ماجد الزروق، وكثيرون ما زالت أصابعهم على الزناد، ولكن ضدّ مَن؟!.