يبدو أنّ ما ينطبق على الاقتصاد وتهالكه، والسياسة واهترائها، بات اليوم ينطبق على الجسم «الديبلوماسي» أيضاً، بعد قبول الدولة اللبنانية وموافقة رئاسة الجمهورية بتعيين قنصل فخري مقترح من قبل دولة أخرى في حقه سلسلة من الاحكام المتنوعة. فهل نبارك للقنصل الفخري علي خليل مرعي المعيّن حديثاً من قبل دولة جنوب السودان أو نتأسف على الدرك الذي وصلنا اليه في دولتنا اللبنانية «القوية»؟!
منذ نحو 3 اسابيع، خرج ملف تعيين علي مرعي من وزارة الخارجية الى القصر الجمهوري، بانتظار الموافقة على تعيينه قنصلاً فخرياً، بعدما طالبت به دولة جنوب السودان. ومنذ يومين تسلم علي مرعي شهادة التمثيل القنصلي من مديرة المراسم في وزارة الخارجية والمغتربين عبير العلي، بعد أن كان ملفه مرفوضاً وأصداء سيرته غير ايجابية من قبل وزارة الخارجية والامن العام اللبناني على حد سواء، بحسب معلومات خاصة لـ»نداء الوطن». فمن هو علي مرعي؟

من هو القنصل الجديد؟

علي خليل مرعي مواليد 27/8/1968، من بلدة «مشغرة» في البقاع الغربي، اعتقلته سلطات الباراغواي في شباط من العام 2000 لبيعه برامج مُقرصنة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات وتحويل الأموال إلى «حزب الله»، وبشبهة الترويج للتطرف الأصولي بين جالية لبنانية يزيد عددها عن 23 ألف مغترب ومتحدرٍ من أصل لبناني، وتأسيس شبكة لقرصنة البرامج والاسطوانات المدمجة على مستوى دولي، وفقاً لبيان وزارة العدل الباراغوانية. من ثمّ، أطلق سراحه بكفالة قيمتها 500 مليون غواراني، أي نحو 185 ألف دولار شرط أن يلتزم مرعي البقاء في البلاد وعدم مغادرتها أو مزاولة أي نشاط تجاري فيها، حتى نهاية المداولات القضائية، الّا أنه تمكن من الهرب الى بيروت حينها بعد أن تسلل براً من مدينة «سيودادي دل لستي» الباراغوانية الى مدينة «فوز دي ايغواسّو» المجاورة في البرازيل، وتوجه الى ساو باولو، ليركب منها طائرة تابعة لشركة «فاريغ» البرازيلية متجهة الى باريس، حيث نام ليلة وغادر بعدها على متن طائرة تابعة لشركة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية الى بيروت. وتظهر موجبات مذكرة الملاحقة الدولية لاعتقاله، الصادرة عن القاضي روبن داريو فروتوس، رئيس المحكمة العليا في مدينة «سيودادي دل لستي» الواقعة على «حدود الرعب المثلثة» بين الباراغواي والبرازيل والأرجنتين،(مكان اقامة مرعي لسنوات عدّة)، أن مرعي حاصل على جنسية الباراغواي، وفار من عدالتها الى بيروت بعد أن كان ممنوعاً عليه مغادرة البلاد بموجب قرار قضائي، وفقاً لما ورد في مذكرة الملاحقة الدولية. كذلك، في حقه تهم تهريب وتزوير اموال ووثائق الى جانب التجارة بالمخدرات والاسلحلة.

ملفات بالجملة

من بيروت انتقل الى السودان واستقر في «جوبا» جنوب السودان. وعُرفت السودان في هذه الفترة بالذات (سنة 2000)، بالمأوى لكل فار من العدالة. وبعد استقلال جنوب السودان عن السودان في العام 2011، تمكن من فتح فندق «Crown hotel»، حيث شبك الكثير من العلاقات مع الفاعليات هناك. وفيما كانت دولة جنوب السودان تسعى إلى تعيين قنصل لها في لبنان، حاول مرعي الوصول الى هذا المنصب، محققاً هدفه منذ أيام. مع الاشارة، الى أنّ اسمه ارتبط ايضاً في جنوب السودان، بتبييض الاموال الناتجة عن جرائم الحرب، بحسب تقارير للجنة الامم المتحدة، وللمفارقة تبين أنّ من بين من يدعمه في هذا الموضوع هو وزير الدفاع في جنوب السودان كول مانيانغ جوك (بحسب ما تظهره سيرته الذاتية في الصورة المرفقة) المعروف بارتباطه الوثيق باسرائيل، بحسب ما تظهره منظمة «OCCRP» الدولية المتخصصة في التحقيق في الجرائم الدولية، والتي كانت قد كشفت معلومات حول تورط الجنرال الاسرائيلي المتقاعد (زيف يسرائيل) في تسليح الحرب الاهلية في دولة جنوب السودان في العام 2015، وذكر تقرير المنظمة أنّ حكومة جنوب السودان انفقت نحو 10 ملايين دولار على الزراعة معظمها مرتّبات للموظفين، بينما منحت شركة «غلوبال» الدولية التي يملكها الجنرال الاسرائيلي المذكور مبلغ 35 مليون دولارعلى الرغم من ان المحاصيل الزراعية التي تمتلكها وتصدرها للخارج بقيمة 500 الف دولار من خضروات وغيرها.
كذلك، افاد تقرير المنظمة الدولية بأن وزير الاعلام الاتحادي مايكل مكوي لويث نفى في تصريح ان تكون له معرفة بالقضية، وقال مسؤولون في وزارة الزراعة الاتحادية انهم لا يعلمون كيف انفقت تلك الاموال التى حصلت عليها الشركة الاسرائيلية من حكومة جنوب السودان. وبحسب شهادات موظفي الشركة فإنهم غير راضين عن عمل الشركة، بينما افادت معلومات بأن حكومة جوبا وضعت في ميزانية العام الجديد مبلغ 89.75 مليون دولار لدفعه الى الشركة الاسرائيلية، موضحةً أنّ وزير الدفاع كول مانيانغ يزور مشاريع الشركة بشكل روتيني، في وقت قال فيه نائب وزير الزراعة بجنوب السودان الاتحادي كورنيليو كون نغو انه لا يعرف حتى الآن سبب تدخل وزارة الدفاع في المشروع. وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد فرضت عقوبات مالية محددة على وزيرين في جنوب السودان متهمين بـ»عرقلة» عودة السلام الى هذا البلد. واستهدفت العقوبات وزير الدفاع كول مانيانغ جوك ووزير الشؤون الحكومية مارتن ايليا لومورو، وفق ما اعلنت وزارة الخزانة معتبرةً أنّ الوزيرين ساهما في تمديد النزاع من اجل ثرائهما الشخصي، وتم في ضوء ذلك تجميد اصولهما المحتملة في الولايات المتحدة ومنعهما من دخول الاراضي الاميركية.

قنصل… غير مطابق للمعايير

في هذا السياق، يعلق مصدر مطلع على هذا الملف أنّ «وزارة الخارجية، تدرك جيداً كل التهم المتعلقة بالقنصل المعين حديثاً، وكانت قد رفضت مراراً وتكراراً ملف تعيينه، ولا سيما انه مطلوب من الانتربول، وفي حقه تقارير عدّة تدينه من قبل الامم المتحدة. ولكن بسحر ساحر وبعد ضغوطات عدّة على وزارة الخارجية، قُبِل تعيينه، وارسل ملفه الى القصر الجمهوري وتمت الموافقة عليه وتعيينه «. ويتساءل المصدر «كيف يمكن السير بهذه المعادلة من قِبَل من يرفع باستمرار المذكرات لوزير الخارجية للمطالبة بتطبيق اتفاقية «فيينّا»، التي تنص على منع تدخل سفيرة الولايات المتحدة بالشأن اللبناني؟ وفي الوقت نفسه، تنص اتفاقية «فيينا» على اتباع بعض المعايير لتعيين المناصب، أبرزها ان يتمتع القنصل بسيرة حسنة، تمكنه اقله من السفر بين الدول». مضيفاً «ليس شأننا اذا كانت دولة جنوب السودان تطالب بتعيينه، فالدولة اللبنانية تملك حقاً سيادياً بقبول تعيين اي شخص أو رفضه». خاتماً «الفساد موجود في كل دول العالم، الاّ انّ بعض المسؤولين اللبنانيين «وقحون» بشكل فظيع، وأثمرت وقاحتهم تعيين مجرم مدان من قبل عدّة دول قنصلاً فخرياً. كذلك ان كل الاحكام والتهم الصادرة بحقه لا تخفى على أحد وليست حتّى سرية، ويمكن لأي شخص البحث عن علي خليل مرعي على محرك غوغل، ليرى ارتباطه بجرائم متنوعة»، معتبراً أنّ «تبييض الاموال الموجود في دولة جنوب السودان، قد يستفيد منه طرف سياسي عسكري في لبنان، وفي الوقت نفسه ستمنح الدولة اللبنانية مرعي جواز سفر خاصاً، يمنحه صلاحية وحصانة ديبلوماسية (بحسب اتفاقية «فيينّا») تساعدانه بالسير في مهامه».