تزامن حبر خطبة المفتي الجعفريّ الشيخ أحمد قبلان بمناسبة عيد الفطر السعيد، في توقيت صياغته، مع تطوّر لافت في المواقف الصادرة عن قياديين بارزين في “التيار الوطنيّ الحرّ”، ما استوقف انتباه أوساط سياسية مسيحيّة، شبكت خلال تفكيكها حروف كلمة قبلان المرمّزة، مع حراك المستجدات السياسيّة الداخليّة، مستبعدةً توجيه أيّ رسائل خارجيّة الطابع على شاكلة تقديم عرض للمجتمع الدولي تحت عنوان “الصيغة مقابل السلاح”، باعتبار أنّ موقع قبلان لا يخوّله توجيه رسائل خارجيّة، هي من اختصاص منبر “حزب الله” حصراً.
أعاد موقف قبلان في استحضاره ثنائيّة الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح، ما كان صدر عن التيار البرتقاليّ في مرحلة ولادة التسوية الرئاسية لناحية الرغبة في إعادة زمن ثنائيّة الخوري – الصلح بشخصيّ الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، وهذا ما كان أثار حفيظة في فلك “الحزب” حينذاك. وتؤشّر هذه الصورة في توصيف الأوساط نفسها، إلى أنّ البرقيّة موجّهة إلى المسيحيين بغية الكفّ عن الرسائل السياسية المستجدّة والضاغطة على “حزب الله”، مع خشية واضحة من الانسحاب من تفاهم مار مخايل، ما يدفع إلى صرف ما قاله قبلان في إطار الموقف المنسّق مع المرجعيّة السياسية والمعبّر عن نظريّة قديمة – مستجدّة، الهدف منها تحقيق مكاسب دستورية من خلال تشريع مسألة “المقاومة” التي لطالما شكّلت محلّ سجال في البيانات الوزاريّة، كما تحقيق وضعية سياسية متقدّمة في السلطة التنفيذية أو عبر استحداث موقع نائب رئيس الجمهوريّة.
غاية الطرح ووسيلته لم يكن لها أن أثارت قلقاً في صفوف المجالس السياسية التي تلقّفتها، باعتبارها تأتي في ظروف دقيقة تتلاشى فيها نقاط القوّة من بين يدي “حزب الله” مع تعاظم الضغوط الدوليّة، وفي زمن التنازلات الإيرانية، بدءاً من الساحة العراقية، ما يعني أنّها أقرب إلى أن تكون رسالة عابرة خصوصاً أن الاستحقاقين اللذين يواجهان “حزب الله” اليوم غير مرتبطين بهذه المسألة، بل بإخراج البلاد من الأزمة المالية ? الاقتصادية وتجنّب الفوضى، في وقت حقّقت فيه الصيغة اللبنانية منذ الاستقلال عوامل الاستقرار والبحبوحة التي اختُصرت بشعار “سويسرا الشرق” الذي عُرف فيه لبنان طوال عقود، في حين أنّه ينزلق اليوم في زمن حكم “الحزب” إلى دولة فاشلة.
على مقلب “تيار المستقبل” الوضع هادئ، وهذا ما تعزوه المجالس “المستقبلية” إلى تفاهم وتواصل قائم بين ثلاثيّة الرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاستراكي وليد جنبلاط، إذ يحكم هذا التفاهمُ الأمورَ ويحوَّل إلى ضبط الأوضاع مع “حزب الله”. لكن لا يخفي ذلك أن خطبة قبلان كان لها وقعها لدى قياديين في “المستقبل”، منهم اعتبروا أن مشروع قبلان مرتبط بمشروع “حزب الله”، وأن ما تحدّث به المفتي يعبّر عن أزمة حقيقية لدى “الحزب”، ما استدعى إلى طرح تساؤلات في الفلك “المستقبلي” عمّا إذا كان هذا الطرح بداية فتح باب أمام تسوية أو أنه هروب إلى الأمام، في وقت تذهب فيه المنطقة إلى متغيّرات كبيرة؟ وهل يلمّح هذا العرض إلى مقايضة السلاح بصيغة جديدة؟ لا أجوبة واضحة حتى اللحظة على هذه التساؤلات في الوسط “المستقبليّ”، باعتبار أن حلول القضايا الكبيرة في المنطقة غير واضحة أو ناضجة حتى اللحظة.
ما يدور في فلك مقرّبين من “حزب الله” لا يشير إلى تباعد بين خطبة قبلان وموقف “الحزب”، إذ تشير المعلومات إلى أن ما أثار دهشة بيئة “الحزب” السياسية هو هذه الضجة المثارة وهذا الاستغراب الواسع النطاق لكلام قبلان، باعتبار أن كثراً كانوا رددوا في الأشهر الأخيرة أنّ الصيغة لم تعد قابلة للحياة. وتفيد المعلومات أنّ ما صدر عن المفتي قبلان لا يشكّل موقفاً شخصياً، بل إنه ينطق باسم حالة، انطلاقاً من موقعه الديني كنجل رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، في وقت يشكَّل فيه المجلس توافقيّاً بين “حزب الله” و”حركة أمل”. وما يستغربه المقرّبون أيضاً أن كلمة قبلان أثارت علامات تعجّب في وقت تُطرح فيها نظريات تنظر إليها بيئة “الحزب” على أنّها خطيرة وتقسيميّة وتمسّ بوحدة لبنان كطروح الفيديرالية أو اللامركزية الأقرب إلى الفيديرالية المقنّعة، وهي نظريات يستحيل المضيّ فيها لأنّها تنتج عن حروب. ويرى المقرّبون من فلك الثنائية الشيعية أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدّي إما إلى “المبادرة لإصلاح النظام وإقامة دولة العدالة، وإما إلى الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي يُبحث خلاله في نظام جديد، وإما إلى الفوضى، فيما أيّ تقسيم مبنيّ على أساس طائفيّ مرفوض وسط التجربة اللبنانية المميّزة”، مع إشارة المقرّبين أنفسهم إلى أنّ “حزب الله يرفض المثالثة التي تعتبر مقتلاً له، باعتبار أنّها مسألة تنقل المشكلة إلى ثلاثية وتؤدي إلى تشويه صورة الحزب وتؤجج حروب الإلغاء. ويكمن الحلّ في دولة مدنية مع تحييد الأحوال الشخصية وحفظ حقوق الطوائف من خلال إنشاء مجلس شيوخ، وعندها يُنتخب النواب على أساس غير طائفي”.
أمّا عن العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ” وسط المواقف المتطورة من عدد من نواب الأخير، فتشير المعلومات إلى أنّ “الحزب” يتعامل مع “التيار” على أساس الاتصالات المكوكية القائمة والدائمة بين رئيس “التيار” النائب جبران باسيل وقيادة “الحزب”، والتي تؤكّد اطمئنان “الحزب” إلى مواقف رئاسة “التيار”، وليس انطلاقاً ممّا يصدر عن بعض النواب من مواقف هي أقرب إلى آراء شخصية، وهذا ما يُلمس في أكثر من ملف يتبيّن فيه أنّ كلاًّ من النواب يصوّت كما يريد خصوصاً في مشاريع قوانين مجلس النواب.