فاطمة عبدالله
أرجأ كورونا عرض مسلسل “عشيق أمي”، من بطولة ورد الخال وخالد القيش. تغيب عن رمضان هذه السنة؛ ومكانها لها، يفرغ من دونها. أكانت ورد الخال لترضى بمسلسل مبتور من أجل الحضور؟ أهاجسها كسب المعركة الرمضانية؟ “الحجر بات ثقيلاً”، تقول، وتصف الموسم بـ”المضروب”، فالوباء “كركب” العالم وإنسانه الهشّ.
“كورونا، سبب غيابي المباشر”. أزمة، فعُلِّق التصوير، بانتظار الفرج. تتحدّث ورد الخال عن “حسرة أكبر من مسلسل”.
إنّها “حسرة على البلد، ومأساة الكون ووصولنا إلى هكذا أزمان”. لربما اختلف الجواب لو كانت الأيام عادية، لا توالياً للكفوف والصدمات. لربما قالت، نعم أتحسّر على غيابي الرمضاني، لكنّ الأوجاع الكبرى لا تُبقي مكاناً للحسرات الصغيرة. “كورونا، كالشحمة على الفطيرة”، تقول، فـ”وضعنا صعب جداً. لا يمكن تحمُّل مأساة إضافية. يتفرّغ العالم باقتصاده وحكوماته لكفّ شرّ الوباء، فيما لبنان غارق في أزماته الأزلية. لا يكفينا مأزق الاقتصاد والانهيار والنفايات والذلّ الإنساني، فأتى كورونا ليقضي علينا بالطول والعرض. نعم، أشعر بحسرة فنية، فأنا فنانة. يؤلمني أنّ المتوافر أمامي أقل بكثير من قدراتي وطموحاتي. حسرتي هنا كبيرة، لكنّ الحسرة على واقعنا القاسي أشدّ لوعة”.
أخبرها زوجها الموسيقي باسم رزق، أنّها وأمثالها لو وُلدوا في أوروبا أو أميركا لمُنِحوا فرصاً عظيمة، إذ لا تنقصهم إمكانات ولا قدرات. أما هنا، فالممثل “الكويس” وحده لا يكفي، وسط ظروف تصوير غير مكتملة. إنّها الأقدار. فلنعد إلى “عشيق أمي” (“مروى غروب”)، أي أصداء كان لينال، وهل كان ليداعب الأمزجة؟ “مزاج الناس وليد اللحظة، لا نضمنه في الجيب. نقدّم عملاً بمستوى لائق، وننتظر. لا أبني آمالاً مُستعجَلة على النتائج قبل حدوثها. لا أقول “واو”، سينجح حتماً! أقدّم ما في وسعي وأترقّب. مهنتنا لا تُؤخذ تحصيلاً حاصلاً. مشكلة العاملين في هذا المجال أنّهم يضمنون الأمور: “مسلسلي رح يكسّر الدني!”. لا، هذا غير صحيح! أنا ممن لا يضمنون شيئاً. أعمل على تقديم الشخصية المختلفة قدر الإمكان. علماً أنّ لا جديد كلياً. أقدّم الإشكاليات الاجتماعية عينها في “عشيق أمي”: المرأة المطلّقة والمعنّفة، إلخ. لكن بشخصية جديدة. ممثلون كثر يكرّرون الكاراكتير، لا الوضع. أغلبنا مثّل المغرومة والمرأة المطلّقة، لكن ينبغي لهذه المطلّقة ألا تتشابه مع تلك. أخرجتُ من داخلي امرأة أخرى”.
في الصوت حماسة وطاقة، تصلنا شراراتهما عبر الهاتف. ينتظر المُشاهد أعمال ورد الخال، ثقته بها، وصدقيتها حياله، يُحمّلانها مسؤولية. ماذا عن ثنائيتها مع النجم السوري خالد القيش؟ تصفه بأرقى الأوصاف: “رصين، محترم، إجريه عالأرض”، وتتحدّث عن كيمياء بينهما ضمن أجواء رومانسية تشويقية، تجعل التجربة ممتعة، “أغلب الظنّ أنّها ستترك أثراً، فقصص الحبّ تستهوي الناس، خصوصاً إن كان الثنائي جديداً”. ليت الظرف لم يكن بهذه القسوة، لحضرَتْ في رمضان، وعلى الأرجح، تألّقتْ. “رمضان ليس واجباً. لا أفكّر وفق مبدأ الواجب، أو على أي محطة يُعرض مسلسلي وبأي توقيت. المهم أن يقدّم الفنان عملاً جيداً. لا أرفض عملاً أراه مميزاً، فقط لأنّه سيُعرض على محطة أقل شعبية. كثر يفكّرون وفق هذه المعادلة. المهم أن يكون لائقاً، ويقدّمه الفنان بحُب”.
حلاوة المنافسة لا تقتصر، إذاً، على رمضان، الذي “قد يظلم مسلسلات”: “ليس لدي هَمّ العرض الرمضاني. المهم أن ينال المسلسل حقّه. أنا جاهزة للمنافسة، لكنّها ليست هاجسي”. وأنتِ في الحجر، ماذا تشاهدين؟ “شوي من كل شي”، وأشاهد أيضاً “نتفليكس”. الأعمال متفاوتة الجودة، وبالنسبة إليّ، الموسم مضروب بكورونا. “يعطي العافية للجميع”. الكل “عطا من قلبه وشاغل حلو”. التهنئة على العطاء واجبة في هكذا ظرف”.
متى العودة إلى الشاشة؟ “لا أعرف”. تنتظر تخفيف إجراءات التعبئة لاستكمال التصوير، فالوضع الآن، لا يسمح. كان يُفترض استكماله في الصيف لإنجاز المسلسل مع شبكة الخريف، وكورونا “كركب” الأحوال. والحجر، ورد، كيف يمرّ؟ “بثقل”. تحبّ وزوجها باسم البيت، ولديهما دائماً ما يفعلانه: “متعتنا البقاء في المنزل. لكنّ الأمور حين تتخطّى حدّها تخنُق. قمنا بكل شيء، طبخنا، شاهدنا مسلسلات، قرأنا، مارسنا الرياضة. “وبعدين؟”. الإنسان يجب أن يكون منتجاً. ماذا ننتج في ظرف قاسٍ؟ هل أغيّر المهنة؟ أفكّر بالعودة إلى الرسم، لكنّه يحتاج جهداً هائلاً. المرحلة خطيرة، والفنان يتأثر أكثر من سواه على المستوى النفسي. يشعر بأنّه من دون جدوى. الحجر عم يمرق علينا. قولاً وفعلاً”.
ويتطرق الكتاب لما تعرض له الشاعر باسترناك وحبيبته، فعند منحه جائزة نوبل ، منعوه من الذهاب لاستلامها! وقد دون سولجنستين في رواياته الكبيرة ومقالاته الكثيرة صنوفاً من الاضطهاد الستاليني للكتاب والمثقفين!
يشير الكتاب إلى ما آل إليه الأدب بعد زوال النظام السوفياتي، حيث أضحى أدباً استهلاكياً يلهث وراء متطلبات السوق، ما جعل الكثيرين يعودون إلى رموز الأدب الروسي كتولستوي ودستويفسكي وبوشكين وتشيخوف وغيرهم يحملونهم نزعاتهم واتجاهاتهم الراهنة! الرئيس بوتين صار يتحدث كثيراً عن إعجابه بروايات دستويفسكي، مفسراً رواياته على أنها دعوة للرجوع إلى الدين. ثمة مراقبون يقولون إنه يريد من وراء ذلك دعم توجهاته في الاعتماد على الكنيسة الأرثوذوكسية، لتثبيت أركان حكمه ومنازلة خصومه!
يؤكد الكتاب أن الروس يجلون كتابهم، ويرفعونهم إلى مرتبة الأنبياء والقديسين، ويرونهم أهم من القادة السياسيين والأولى بالطاعة والأخذ بآرائهم ومواقفهم! لذلك هم مولعون بالقراءة يلازمهم الكتاب حيثما يكونون. وهم لا يتحدثون عن آلامهم ومعاناتهم، ويعتبرون جراحات الماضي جزءاً من تضحياتهم في سبيل وطنهم. وحكامهم اليوم استغلوا خصالهم هذه ليمضوا في سياسات تقتضي الكثير من التضحيات بالأرواح كتدخلاتهم في أوكرانيا وسوريا وغيرهما! ويمكن تلمس هذا في كلام أغلب المعلقين على شاشات التلفزيون أو الصحافيين الروس، فهم يعكسون وجهة نظر قادتهم متجاهلين معاناة الناس، وكأنهم ما زالوا في الحقبة السوفياتية!
الكتاب يرد، ودون صخب، على ادعاءات أحزاب سارت في ركب السوفيات، وادعت أنها ساهمت في تطور ثقافة بلدانها، بينما لم يكن دورها يختلف عن دور الشيوعيين السوفيات، سواء في حبس كتابهم في أقفاص آيديولوجية، أو استهلاك طاقتهم في أنشطة حزبية عقيمة، أو تدمير حياتهم في طرق النضال الخاطئة!