فاطمة مارديني

لم تكن كاترينا تعرف  فلسطين إلا من الاخبار , من الاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين العزل , من العمليات الاستشهادية للفدائيين او» الانتحارية «كما يسميها الاعلام الاسترالي ,حتى  حكى لها  طارق قصة النكبة  ,عن فلسطين الذي لم يرها ويعرفها من خلال  قصص جدته ,عن  شعب رحل عن أرضه وقصد بقاع العالم بحثا عن الامان على امل الرجوع يوما , عن اجداد استشهدوا دفاعا عن الارض ,عن جدة كانت حامل وقت النكبة وولدت امه اثناء التهجير الى لبنان, عن حلم بجنسية أجنبية  تعطيه حق العبور الى وطن رسمه في خياله .

التقت كاترينا طارق في دبي , حيث يعمل مديراً للمركز الرياضي في الفندق الذي شغلته في  طريقها  الى الاردن ,عرفت انه فلسطيني من مواليد لبنان, روى لها معاناة الفلسطينيين هناك ,حيث لا يسمح لهم بالعمل الا في عدد قليل من المهن,  عن العنصرية اللبنانية  البشعة التي دفعته الى الهجرة, وجدته مختلفا عن الصورة التي تعرفها عن الشباب العرب , قضيته زادته رجولة وحزنه اعطاه عمقا ووسامة , تعاطفت مع قضيته ,أحبته وأحبت القضية واختلطت عليها العاطفتان.

تزوجته رغم رفض والديها ,و تحذيرهما من أن الشباب العرب لا يوثق جانبهم , انهم ارهابيون وعنيفون , يتزوجون أكثر من واحدة , يأخذون الاجنبيات كعشيقات واذا تزوجوهن فبغرض استغلالهن  والحصول على الجنسية , ليتزوجوا بعدها من نساء من أوطانهم, ويخطفون أبناءهم من الاجنبيات الى بلدانهم .

تبكي بحرقة عندما تتذكر كيف  أغضبت والدها منها في حفل زفافها حيث لم تسمح بشرب الكحول احتراما لطارق ,لتكتشف بعدها أنه يشرب بالخفية عنها في سهراته وعربداته مع اصدقائه في سيدني , وكيف استجابت لطلبه بتعلم اللغة العربية وقراءة القرآن وصوم رمضان , لتكتشف أن زوجها لا يصوم ولا يصلي , رغم آيات القرآن الكثيرة المعلقة على الجدران , والعين الزرقاء المعلقة على الباب الامامي دفعا للحسد.

تسترسل كاترينا  بالحديث عن ذكريات سنوات زواجها الاربع التي انتهت بالطلاق , بالقول « انني تعلمت طبخ الاطباق  اللبنانية والفلسطينية لتناسب ذوق طارق من التبولة الى الكبة الى الملوخية   , حتى انني  توقفت عن تناول لحم الخنزير واتباع حمية غذائية تقوم على اللحم الحلال, لأجد انه  كان يأكل  الاخضر واليابس لا تفرق معه  حلال أو حرام». تقول « لم أعد استطيع أن اشاهد التلفزيون الاسترالي في بيتي , فطارق يشاهد الاخبار والمسلسلات العربية على مدار الساعة , متنقلاً من محطة الجزيرة الى العربية لينهي سهرته بمشاهدة مسلسله المفضل باب الحارة  «.

وكانت الطامة الكبرى عندما اكتشفت  جولاته الغرامية على الانترنت , كان يتحدث مع فتيات  عربيات على الفيس بوك ويضع على بروفايله انه عازب ورجل اعمال مغترب  لإغوائهن واعداً اياهن بالزواج , وعندما واجتهه بالامر  استنكر وقال انه يتسلى .

في الوقت الذي كان طارق  يدعي المثالية والتدين , كنت اكتشف يوميا تحايله على القوانين , تهرّبه من دفع الضرائب على ارباحه, تجاوزه  حدود السرعة في القيادة باستمرار, ويقول لشرطة السير كل مرة انني انا من كنت اقود السيارة  حتى خسرت رخصة القيادة , وصل به الأمر إلى أن يحرق سيارته ويخفى عني الموضوع , وعندما ا ستوضحته قال « انه زوّجها « لأعرف بعدها ان هذه الجملة تعني باللبناني انه حرقها ليقبض تعويض شركة التأمين كاملا .

لم يبال بتضحياتي معه , بخسارتي اهلي , بانفاق مالي على المشروع التجاري الذي أسسناه سوية , طلقني بمجرد أنه حصل على الجنسية الاسترالية ,  متذرعا بأتفه الاسباب ,من تذمّري الدائم من مصاريفه المالية على شراء الثياب ذات الماركات الاجنبية , الى سهره خارج البيت لساعات الصباح الاولى , ولانني أطلب منه أن يساعدني في الاعمال المنزلية حينما نعود  مساء من العمل , قائلا» نحن الرجال الشرقيين لا نساعد زوجاتنا في البيت , يجب أن تعتادي على هذه الامور , ماذا سيقول عني اصدقائي اذا رأوني امسح واغسل وانشر الغسيل «؟! .                     

لقد ضاعت  أربع سنوات من عمري , أهلي قطعوا علاقتهم بي ,خسرت أموالي لأن طارق رفض ارجاعها الي , التقيت به مؤخرا وكان مع وزوجته الجديدة , كانت ترتدي الحجاب , ويبدو فارق السن بينهما شاسعا , ومعهما طفل صغير , مرّ من أمامي كأنه لا يعرفني ,  حزنت على نفسي لأنني أحببته ووثقت به  , ولم اتقبل نصائح  والدي بعدم الوثوق بالرجال العرب .!