بقلم رئيس التحرير / انطوان القزي

منذ أن حصلنا على شهادة “السرتفيكا” في مطلع السبعينات، رحنا نفتش عن رغيف خبز معرفي نضيفه إلى الكتب التي نتعلّم فيها. فكانت جريدة “النهار” البيروتية هذا الرغيف وهذه المعرفة.

نشأنا على حب هذه الصحيفة بتنوّع أخبارها وصدقها أولاُ وبمواقفها الوطنية ثانياً.

ولمّا أدركنا المرحلة الثانوية، كنا نتسابق كل يوم سبت  لنحجز نسخة من عددها الذي كان يتضمّن الملحق الأسبوعي الذي أصبح بذاته مدرسة وعلامة فارقة في الإعلام اللبناني، وبعده كان “نهار الشباب” و”النهار العربي والدولي” الذي كنت أكتب فيه بين سنتي 1986 و1988 قبيل سفري الى أستراليا.

علّمتنا النهار الصدق والأمانة والحرفية ، وعلمّتنا أن نكون لبنانيين أوًلاً قبل اطلاق هذا الشعار، وعلّمتنا أيضاً أن نكون ثورة وانتفاضة وحراكاً قبل سنوات مما نشاهده اليوم.

كانت النهارحالة وطنية ومدرسة جامعة وصوتاً لا يهادن.

أمّا مناسبة هذا الكلام ، فهو صدور النهار أمس الأول الثلاثاء وصفحتها الأولى بيضاء إلّا من عنوان ” أنتم حبرنا” وهو عنوان صغير قاتل تقف فيه “النهار” هذا الموقف لأول مرّة..

“النهار” التي أعطت اللبنانيين خيرة الأقلام وخيرة المواقف وقمّة المعرفة تطلب اليوم وتسأل عمّن يعطيها.. وإذا غابت النهار غاب لبنان

 

أنتم حبرُنا

 

فيوم أمس الأول الثلاثاء  كانت صرخة صحيفة النهار فجر مدوية، حيث طلبت التبرع بالحبر على الصفحة الاولى من الجريدة العريقة التي صدرت بنصف صفحتها الاولى بيضاء مع شعار «الصحيفة التي قدمت الدماء اليوم تطلب التبرع بالحبر».

وقالت النهار في افتتاحيتها ان الاعلام الحرّ يصارع من أجل البقاء في عالم تكثرُ فيه التحوّلات التكنولوجية والاقتصادية، وتتعقد فيه الأزمات السياسية والأمنية.

واضافت ان «النهار» واحدة من المؤسسات التي عانت منذ تأسيسها مخاض هذه التحوّلات، وتمكنتْ بفضل وفاء قرائها من الصمود. واضافت انه «بين غسان وجبران تويني كتابٌ وصحافيون خطّوا بالحبر معاني الحرية والحرفية الصحافية، فتمكنوا من تحويل الصحيفة ديواناً سياسياً وثقافياً وأدبياً..».

واردفت الصحيفة: «نشهدُ اليوم لحظة مأزومة غير مسبوقة تضربُ المؤسسات وتهدّد وجودَها، فتعجزُ عن تسديد رواتب موظفيها..». وأطلقت «النهار» حملة #donateink او تبرع بالحبر، لمن يرغب من القراء والمتابعين في دعم وجودها، وتمكين صحافييها من أداء مهماتهم على أكمل وجه.

وختمت الصحيفة قائلة ان: «لا شيء يساوي الدماء التي سالت من أجل الحرية.. تكاتفنا من أجل الاستمرار والتحدّي هو دليل على أن تلك الدماء لم تذهب هدراً. الحبر سيدافع عن الدم».

فهل يبادر أهل الشهامة لإنقاذ “النهار” حتى لا تُقفلَ مدرستُنا؟!.