بقلم رئيس التحرير/ انطوان القزي

ولدتُ في الجية أطول بلدة على الشاطىء اللبناني سنة 1958 وسط أتون الثورة «الناصرية» وكان الهواء الناصري يلاحق رياح حلف بغداد، والنسيم اللبناني مخنوق بين الهواءَين.
وأنا في العاشرة، صعد نجم منظمة التحرير غداة حرب الأيام الستة سنة 1967وتسلّم هواء فتح الراية من هواء الناصرية حتى تغلغل  في نفوس اللبنانيين ، وبين سنة 1969  و1976 ما مررتُ على أي حاجز للجيش اللبناني، فكنت إذا توجّهت الى بيروت امرّ على أربعة حواجز، وإذا توجّهت جنوباً الى صيدا أمرّ على حاجزين وكلها غير لبنانية! ..
تهجّرت مع ابناء بلدتي سنة 1976 وعانيت معهم ما عانيناه من صنوف التهجير في المدارس والمهنيات وأحياناً كنا نلتحف العراء.
عدنا في سنة 1979 لنتعايش مجدّداً مع حواجز الأمر الواقع ..
وبعد حواجز المنظمات الفلسطينية وحواجز السوريين غزتنا الحواجز الإسرائيلية مع اجتياح سنة 1982 حيث كانوا «يصلبوننا» في السيارات ودرجة الحرارة فوق الأربعين ، لكن الله سلّم وانسحب الاسرائيليون سنة 1983 . وكان السبيل الوحيد لبلدتي للتواصل مع العالم  هو عن طريق البحر،  وبقينا طوال سنتين محاصرين لا نستطيع الذهاب براً لا الى بيروت ولا الى صيدا وكنا ننتظر الظلام لنستقلّ مركباً أو نتسلّق باخرة للتوجه  الى بيروت لنجلب الخبز والحليب ..
وسنة 1985 سقطت بلدتي مجدّداً مع سقوط الإقليم ومن جديد اقتلعتنا رياح غير لبنانية من ارضنا.
وبين هذه المراحل، كانت موجة الثورة الخمينية بعد سنة 1980 تزامناً مع الهوى السعودي والسوري والليبي ثم القطري والأميركي والمصري، واليوم الأردوغاني والروسي.
هاجرت الى استراليا في كانون الأول سنة 1988 وأقولها بصراحة لم أشعر طيلة ثلاثين عاماً عشتها في لبنان بما يُسمّى «إستقلال»؟!.
ما عرضته في هذه العجالة ليس فيه رأي سياسي بقدر ما هو توصيف للواقع الحقيقي الذي عانيته شخصياً مع ما فيه من تفاصيل قاسية يضيق المكان عن ذكرها هنا.
لذلك آمل ألّا يعتبر أحد هذا العرض موقفاً ، فأنا على يقين أن كثيرين غيري لديهم تجارب مشابهة وربّما أكثر  سوءاً.

وفي الختام، صدّقوني ، شعرت باستقلال لبنان أثناء إقامتي في استراليا عبر حرية الرأي والقول و التفكير  وعبر المغتربين الطيّبين الذين يثبتون كلّ يوم أنهم يحبون لبنانهم أكثر من المقيمين.. وتصبحون على وطن مستقل!.