يعتبر رئيس الوزراء سكوت موريسون نفسه مسيحياً محافظاً، وهو لا يتردد بالاعلان عن التزامه بمعتقداته الدينية والمشاركة العملية بواجباته الدينية.
نشأ موريسون في الكنيسة المشيخية (Presbyterian) التي اندمجت جزئياً في الكنيسة الموحدة (United Church) عندما كان طفلاً.
ثم تحوّل الى الكنيسة الخمسينية Pentecostal, وهو يواظب الآن على حضور المناسبات الدينية في كنيسة الأفق Horizon، وهي جزء من الكنائس المسيحية الاسترالية وجمعيات الله (Assemblies of God).
– الزعيم الذي يحبه الشعب
خلال تسعة اشهر من توليه زعامة حزب الاحرار، بعد الإطاحة بمالكولم تيرنبل، تمكّن سكوت موريسون من توحيد صفوف الإئتلاف وحكومته المتصدعة، وفاز في الانتخابات التي كان يفترض ان يخسرها، حسب التوقعات ونتائج استطلاعات الرأي. كما خرج موريسون المنتصر ليكرّس نفسه بطلاً في نظر العديد من الناخبين وداخل حزب الاحرار، وليؤكد على تراجع حزب العمال وعدم فوزه في مقاعد كانت تحتسب لصالحه.
ويؤكد العمالي المخضرم غراهام ريتشاردسون ان موريسون سيترشح دون شك لفترتين كاملتين، وان الانتخابات المقبلة ستكون صعبة على حزب العمال، وان عدم فوز حزب العمال في انتخابات 2019 لا يعني ان الحزب سيفوز في الانتخابات المقبلة (2022)، لأن الشعب الاسترالي اظهر انه يحب هذا الزعيم الذي سيجدد له الناخبون، في حال احسن موريسون التعامل بأيجابية مع مطالبه ومع احتياجات البلد.
وللمرة الاولى لن يرغم موريسون على الخوف من مصيره كزعيم لحزب الاحرار، بعد التعديلات التي اجريت على القانون الداخلي للحزب، فأي نوع من الرئيس والقائد سيكون سكوت موريسون؟
– شخصية سكوت موريسون
يقول مقربون من دائرة سكوت موريسون ان رئيس الوزراء «لديه افكار حازمة» بشأن ما يسعى الى تحقيقه خلال السنوات الثلاث المقبلة. لكنهم يؤكدون انه لن يتفرد في قراراته، بل يميل للعمل مع اعضاء حكومته كفريق عمل متجانس، خاصة بعد ان احاط نفسه بمجموعة من الوزراء الرئيسيين، بالاضافة الى حلفاء سياسيين، من ضمنهم وزير الخزانة جوش فرايدنبرغ ووزيرة الشؤون الخارجية ماريس پاين، ووزيرة الدفاع ليندا رينولدز، ونائب رئيس الوزراء مايكل ماكورماك ووزير المالية ماتياس كورمان.
وللمرة الاولى منذ حوالي 15 عاماً لن يكون موريسون ضحية المنافسة المستمرة داخل الحزب، كما جرى بين طوني آبوت ومالكولم تيرنبل وستوفر له القوانين الجديدة الحماية الداخلية من اية تحديات محتملة لزعامته، عملاً بمبدأ «احترام صوت الشعب» وخيارات الناخبين.
بالمقابل، سيتمتع موريسون بالولاء الشخصي له من حوالي 26 وجهاً جديداً داخل التحالف، تمكنوا من انتزاع مقاعدهم في البرلمان او استبدلوا نواباً متقاعدين، بفضل الآداء الناجح لحملة موريسون الانتخابية.
وسينعم موريسون بالاستقرار الهادئ كما حدث في عهد ولاية جون هاورد. فكل الدلائل تشير الى ان رئيس الوزراء سيبدو مرتاحاً وواثقاً ومطمئناً داخل تكتل التحالف، مما قد ينعكس ايجابياً على عمل وانجازات حكومته.
العامل الآخر لإطمئنان موريس هو ناتج عن حزب العمال، الخاسر الأكبر الذي يعاني من خيبة الأمل، ولديه الآن قيادة جديدة تجد نفسها مرغمة على اجراء تقييم عام، ليس فقط لنتائج الانتخابات، بل للسياسة التي اعتمدها الحزب، والتي اوصلته الى الخسارة، رغم كل الاجواء الملائمة التي لم تستفد منها المعارضة السابقة للوصول الى الحكم.
ويعاني حزب العمال من النزاعات الداخلية التي تمكّن بيل شورتن من ضبطها، لكنه فشل في الاستفادة منها وترجمتها الى نتائج ايجابية في الانتخابات. ولليس مستبعداً ان تتفجّر الخلافات، رغم محاولة انطوني أليانيزي ، اليساري من الظهور كزعيم عمالي معتدل ومنفتح ومتعاون مع الحكومة، اذ يري العديد من المحافظين في حزب العمال ان التطرف نحو اليسار ساهم في خسارة حزب العمال للانتخابات الاخيرة. لذا يلزم قيادة حزب العمال الجديدة لاجراء تقييم واعادة رسم رؤية سياسية تتوافق مع تطلعات الفصائل الداخلية، ويرضى عنها الناخبون التقليديون وانصار حزب العمال.
– موريسون والطبقة الوسطى.
يحث سكوت موريسون على تفعيل حكومته، مذكراً الوزراء ان عليهم القيام بأدوارهم على افضل وجه ممكن، لكي لا يتكرر ما جرى خلال انتخابات عام 1993، عندما فاز بول كيتينغ في معركة انتخابية خاسرة.ويمكن لأي محلل سياسي ان يستشف من الخطوط العريضة لبرنامج موريسون السياسي، انه يسعى الى استقطاب الطبقة الوسطى، وهي الأغلبية داخل المجتمع، دون استعداء الطبقة الرأسمالية العليا او اهمال الطبقة الفقيرة التي تؤيد تقليدياً حزب العمال.
لذا تعهد بخفض الضرائب على العمال ورجال الاعمال من الطبقات المتوسطة الدخل او ذات الدخل المتدني، وتمكّن من اقرار التعديلات الضريبية التي سيستفيد منها ما يزيد على ثلاث ملايين عامل وموظف ورجل اعمال.
وسيعمل مع الإئتلاف على وضع خطة وطنية للتأمين ضد العجز وعلى مكافحة ظاهرة الانتحار، خاصة بين فئات الشباب والسكان الاصليين. ويسعى الى جعل تكاليف السكن مقبولة، والاستمثار في البنى التحتية، للسير باستراليا خطوات متقدمة نحو المستقبل، وتحريك العجلة الاقتصادية في اجواء لا تخلو من الجمود والنزاعات التجارية الحادة بين الصين والولايات المتحدة. كما يرغب موريسون ان يتحول القطاع الزراعي الى صناعة تنتج مئة مليار دولار سنوياً وتصبح قادرة على تلبية جزء كبير من حاجات السوق الغذائية لدى الصين والهند.
– بين العمال والإئتلاف وتعارض الرؤية السياسية
يوافق كثيرون انه لو فاز تحالف العمال والخضر لتحولت استراليا الى بلد مماثل لفنزويلا. فمع وجود حكومة اشتراكية يسارية، كان العمال يخططون لانفاق ما يزيد على 500 مليون دولار للأمم المتحدة ولرفع عدد اللاجئين الى استراليا. وأمل بعض اليساريين بفتح الحدود امامهم واستقبالهم دون قيد او شرط، حسبما تمنت الأمم المتحدة، عندما اوصت «بالحدود المفتوحة» لجميع البلدان امامهم (أي اللاجئين). وتحوف عامة الاستراليين ان تتحول استراليا الى بلد اوروبي آخر يشهد تغييرات في تركيبته الاجتماعية – الديمغرافية.
كما تخوّف المجتمع الاسترالي من تفكيك البنية الاقتصادية في البلاد، وارتفاع معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، وبسرقة مدخرات المواطنين من قبل حكومة يسارية وبأساليب مختلفة، من اجل تنفيذ مشاريع غير ضرورية لانقاذ البيئة ومعالجة التبدلات المناخية المبنية على اوهام اكثر من الحقائق العلمية.
ولم يستبعد البعض ان تتحول استراليا في ظل حكومة يسارية وبرنامج سياسي اقتصادي يدعي نقل البلاد الى حالة متقدمة من الحداثة، ان تتحوّل بلاد الكانغورو الى فنزويلا اخرى. وهذا لم يكن مستبعداً.
فينزويلا كانت بلداً ثرياً يمتلك الكثير من الثروات الأولية، لكن سياسة هوغو شافيز ساهمت في افقارها وتحويلها الى بلد يعجز النظام فيه من توفير المواد والخدمات الاساسية، من طعام ورعاية صحية.
بعد سنوات من اعتماد نظام اشتراكي، يعيش سكان فنزويلا في حالة من الفقر والعوز والموت البطيء، دون الدخول في تفاصيل وخلفيات ما يجرى في تلك البلاد.
ومن المضحك والمؤسف والمثير للدهشة ان الصحفي الاشتراكي في الـ ABC, فيليب آدامز، اتخذ هوغو شافيز مثالاً اعلى لاجراء اصلاحات سياسية في استراليا، واقترح آدامز ان تستعين استراليا بنصائح وتوجيهات شافيز، رغم ان عائلة شافيز تمتلك الآن مليارات الدولارات، بينما يتضوّر الشعب في فنزويلا جوعاً.
لقد خسر العمال الانتخابات بعد ان حلت الطروحات السياسية العقائدية في مرتبة اهم وافضل من مصلحة ومعيشة الناس.. لذا فضل الناخبون في استراليا حكومة ائتلاف ، خوفاً من زعزعة النظام الضامن والمستقر الذي ألفوه على مدى عقود.
فحكومة الإئتلاف هي دون شك الأفضل، مما دفع البعض الى دعوة كوري برناردي الى العودة الى حزب الاحرار الذي انشق عنه، لأن الحزب عاد الى جذوره التقليدية، بعد ان ابتعد عنها تحت قيادة مالكولم تيرنبل. لكن مع سكوت موريسون يدعي هؤلاء ان الأمور قد تبدلت نحو الافضل.
– ما لم يحققه بعد سكوت موريسون
يأخذ بعض المراقبين على سكوت موريسون انه لا يختلف بالجوهر عن سلفه مالكولم تيرنبل الذي يعتبره، حتى اشعار آخر، مثله الأعلى، كما يعتبر تيرنبل ان موريسون هو بمثابة ظل له يقود الحكومة.
فالعداء الذي وجهه تيرنبول الى حزب الاحرار، خلال الانتخابات استهدف بالتحديد رموزاً محافظة مثل طوني آبوت وبيتر داتون وماتياس كورمان وبرنابي جويس وغيرهم.
وحكومة موريسون اليوم تضم اهم الوزراء السابقين في حكومة تيرنبل الاخيرة وتكاد تخلو من المحافظين. اذكر على سبيل المثال جوش فرايدنبرغ وماريس پاين وسيمون برمينغهام وميكائيلا كاش، وماتياس كورمان وغيرهم من ذوي الميول اليسارية.
على الصعيد السياسي، ذكرت سابقاً الأمور التي طرحها موريسون خلال الحملة الانتخابية، وهي بمجملها استمرار لطروحات حكومة تيرنبل السابقة.
لكن سكوت موريسون لم يتطرق حتى اليوم الى امور هامة ولا يزال صامتاً بشأن القضايا التالية:
– اتفاقية باريس للتبدلات المناخية.
– تمويل الطاقة المتجددة
– سعر الطاقة والكهرباء المرتفعان
– البند 18C من قانون التمييز العنصري وضمان حرية الرأي.
– ضمان حرية التعبير دون الملاحقة القانونية.
– ضمان الحريات الدينية
– تحديد «كوتا» واضحة للمهاجرين.
– عدم وضوح الموقف حول الارهاب وتسييس المسلمين، وتطبيق الشريعة.
– الغموض في المواقف حول اضطهاد المسيحيين في الشرق الاوسط وافريقيا.
– الاعتداءات العنصرية على السكان البيض في جنوب افريقيا.
– دور وتأثير الصين على السياسة الاسترالية من جراء التبرع للاحزاب الاسترالية الكبرى (2،7 مليون دولار خلال عام واحد. ومتبرع صيني آخر مرتبط بالحزب الشيوعي يتبرع بـ 4،8 مليون دولار، خلال 10 سنوات.
ولا يزال موريسون صامتاً حول التعديلات التي يجري ادراجها في النظام التعليمي في استراليا واحتمال تدميره بطريقة ممنهجة، وبواسطة تعميم وادراج مادة الجنس في المناهج التعليمية تحت شعار مكافحة البلطجة وخلق اجواء آمنة في المدارس وآجندا المثليين في النظام التعليمي.
ولا يزال موقف موريسون غامضاً حول استخدام اليورانيوم واحتياط الغاز لانتاج الطاقة بكلفة زهيدة.
اللائحة تطول، وتشمل قدامى المحاربين وظاهرة الانتحار لديهم ، وسياسة الـABC اليسارية على حساب دافعي الضرائب وتوجهاتها السياسية المغايرة للمصالح الاسترالية، وهو لا يزال صامتاً حول الأمم المتحدة وسعيها لتحفيذ آجندا عالمية اشتراكية. كما لا يزال غامضاً حول الاجهاض والقتل الرحيم وعودة المقاتلين الاجانب الى استراليا والدين العام وغيرها…
فمن ينظر بعمق الى قناعات ومواقف سكوت موريسون وحكومته الحالية، يجد ان حزب الاحرار يبتعد يوماً بعد يوم عن المواقف التقليدية والأسس التي وضعها منزيس ، وان سكوت موريسون لا يختلف مبدئياً عن مالكولم تيرنبل وعن سياسته البعيدة المدى.
فحزب الاحرار اليوم يميل الى اليسار المعتدل، كما وهو اسير الرأسمالية الدولية، وما تفرضه من طروحات سياسية تتخطى الحدود الاسترالية، لكن لا يعني ذلك ان المجموعات المحافظة داخل حزب الاحرار او خارجه قد فقدوا دورهم وخسروا معركة الحفاظ على المصالح الاسترالية.
فهل تتمكن اية حكومة استرالية، من كلا الحزبين، من مواجهة التبدلات القادمة من الخارج؟ والى اي درجة لا يزال سكوت موريسون ،كما يدعي، سياسياً مسيحياً محافظاً؟!
pierre@eltelegraph.com