وديع شامخ .. رئيس تحرير  مجلة  ‘النجوم’

أسباب تعاسة الإنسان وحزنه ومأساته وافرة لا حصر لها ،والشر قائم وحاضر وأقرب إليه من حبل الوريد .

العائلة  العربية المهد الأول  بتلمذة أفرادها  بجلد   الذات» مازوشية « أو التلذذ  بقهر وتعذيب الآخرين « سادية «.

ومن هذا الكائن المتناقض  سوف ينشأ مجتمع وبيئة  ستكونان  حاضنة مهمة لنشوء الأنظمة الشمولية  الديكتاتورية ، التي هي مصدر جوهري لتعاسة الأنسان  والطبيعة .

…….

التراجيديا هي فن صياغة  المأساة  بشكل فني وتاريخي ، كما هي الملهاة .

ولعل  التاريخ البشري شهد هاتين الظاهرتين واقعا وصناعة ودرسا .

ولكننا حينما  ننقل الوقائع التاريخية بصيغ ملحمية ، غير ما نتعامل مع الحياة كدرس يومي .

لو استحضرنا ملامح بشرية كبرى « جلجامش ، الالياذة ، الانياذة ، دون كيشوت ……»

سنتفاعل معها كواقعة سردية  وجزء من تاريخ البشرية ، يمنحنا متعة  للمعاينة في المصائر المتقاطعة لابطال هذه الملاحم والروايات ، وربما  يصل بنا الأمر الى مرحلة التقمص المسرحي- على طريقة ستنسلافسكي –  والانحياز  لأحد الشخوص  ضحية أم جلاداً،  نقدا وتأويلاً ومعاينة فكرية وفق مبدأ كسر الإيهام  « بريشت المسرحي الألماني» .

وفي كل الأحوال  ُتشكل هذه الملاحم مادة حوارية غير ملزمة ولا قسرية في فرض سطوتها على السلوك  الانساني ، بل  أقصى ما تكون عليه من الوجد والإنغمار بهذه الشخصيات أن تعيد تمثيلها شخصيا بفعل حكائي أو إعادة إنتاجها  بأثر فني يقاربها _ مسرح ، سينما ، رواية ، تشكيل ، موسيقى «

……….

الفرح ظاهرة إنسانية مهمة ترادف الحزن وتشكل النظير أو المعادل له ، وليس بالضرورة  الضد النوعي له .

الفرح  والحزن صنوان  كامنان في الطبيعة البشرية وأيضا الحيوانية والنباتية وربما تصل الى الجمادات .

الحيوان يحزن  ويفرح ويستجيب لهذين المثيرين وفقا لدفق العاطفة وليس نتاجا عقلياً محضاً ، والنبات يحزن أيضاً ، كما جاء في الابحاث العلمية عن تناغم النبات مع الموسيقى مثلا.

الجماد يعكس هذا  الشعور  للإنسان  حين  ينفعل مع زهو المكان وأفوله معاً.

…….

الإنسان  متلقٍ ثمين لجواهر المعطيات- عائلية ، مجتمعية ، سردية –  حين يكون مُعداً  بشكل لائق لأن يكون آنية  حوارية تفاعلية  ، وليس مرايا  ولا صدى .

فعندما ينشأ الكائن البشري في بيئة تحكمها  آليات إنتاج العقد المازوشية ، فلابد أن يصيبه من سهمها  الشرر وتنتج الضحية وخطابها  ، وكذا ان كان الحال مع نقيضها  السادي ،سيكون الفاعل  إنسانا جلادا وخطابه  الزهو والانتصار لشروط الغابة  والغلبة .

……..

الحزن ، الفرح  مظهران مركزيان في الحياة ، لابد أن يتحكم الإنسان  الفاعل بتأثيرهما كيميائياً وفيزيائياً وجمالياً.

لابد من صياغة كوجيتو خاص  للإنسان كفرد وعضو أيضا  في مجتمع  إنساني.

الكوجيتو ، ليس وصفة سحرية أو جملة مستلة من كتاب .

الكوجيتو تجربة وجودية عميقة تصاحبها ولادة اسئلة كبرى، سبابة عملاقة بوجه اليقين ، معادلة عميقة بها طرفان من القوة ، إذ يشكلان المعنى والمبنى لفلسفة الكائن أمام مصيره .

وصاحب الكوجيتو هو صانع وحواري وفاعل ، لأنه يقرن الشيء بمصدره أولاً ثم يتبعه بقوة ومعنى وجوده ، السبب والنتيجة يتعانقان لولادة  اكسير إنساني خالِ من الشوائب العائلية والمجتمعية  القهرية .

أنا أفكر إذن انا موجود،أنا أقرأ  إذن انا موجود،أنا أفرح  إذن أنا  موجود

أنا أقتل إذن أنا موجود ،أنا أسبي أذن أنا موجود ،أنا أهذي أنا موجود

تضخم الأنا  هنا يقود الى صناعة وهمٍ  بمثابة ذيلٍ تابع .

المعادلة غير متوازنة  لأن التفكير لابد أن يقترن بوجودية كبرى فاعلة وليس رغبة ناتجة من بهتان الأنا وقصور التفكير المتولد أصلا من حاضنة قاصرة على إنتاج إنسان فاعل ومجتمع حواري وخلاصات حياة تكاملية وليس سيادات ، وعلامات إستفهام و تعجب لا تنتهي .

……..

أنا أحب إذن أنا موجود

الحب  طاقة إيجابية  تزود الكائن ببصيرة حادة وروح ناعمة للتعايش الحر .

الحب لا يلغي الحزن بل يحتويه ويتجاوزه ، ولا يدعي الفرح مجاناً ،  و يقدم  اقتراحا لحياة غير  مقرونة بإقرار فكري ملزم .

الحب حوارية وعرس إنساني، لا يبني أسواراً ولا حكماً قيمياً قاراً .

الحب سعادات تتواصل من أجل خلق فرصة لإعادة  صياغة الحياة  بطريقة غير مشروطة ، بها من الأسباب الكثير ولها نتائج  واقعية ، ولكنها ليست مقدسات نتوارثها .

الكوجيتو الجمعي سيكون قادراً على  إحتواء «التفكير والتدبير ، القراءة والتأويل ، النبذ والكراهية ، الغلو والزهد ، الصحو والهذيان ..»

كوجيتو الحب  ليس معادلة لطرفين ، إنه حوارية كونية يقودها الأنسان الذي تفاعل مع كل عناصر الحياة ليخلص الى إكسيرها  الأثير .

أنا  أحب  إذن  أنا إنسان

أنا  أحب إذن الكون الإنساني موجود

  كوجيتو عالمي يحتمل  التناقض الحواري ، بلا ملائكية  ولا شيطنة  ، وجود نخلقه من ذواتنا المُعتقة بدنان الوجود الإنساني  الشامل .