حينما تسمعها بدون أن تراها ينتابك يقين أنك أمام صوت أوبرالي لم تحرمه الحياة من التميز والإقتدار، فهي تتنقل بين المقامات الموسيقية كراقص باليه، فإذا ما شاهدتها في شريط فيديو مصور سينتابك الذهول على الفور، فتلك المطربة التي تصدح بالترانيم طبيبة محجبة لم تخل مسيرتها الفنية القصيرة، والتي بدأت وما زالت على طريق الهواة من نقد وهجوم، وصل الى حد التوبيخ وتوعد بسوء الخاتمة.

من أحد قاعات كنيسة، سان جورج، ذات التصميم المعماري الموغل في التاريخ انطلقت الدكتورة داليا، بأول ترنيمة لها في مكان لا يتردد عليه سوى شعب المسيح، قبل هذه الخطوة، التي اعتبرها البعض ثورية كانت تسجل مقطوعات تاريخية مشهورة وتبثها بين صديقاتها تارة، وعبر فيديوهات على صفحتها الخاصة، حتى انتهى بها المآل لقرار ثوري تمثل في تقديم نوع جديد من الفن، هو الفن الكنسي القائم على الترانيم والصلوات المسيحية، على الرغم من معتقدها الروحي، الذي لا يتزعزع بثوابتها الإسلامية. وعلى الرغم من حبها للموسيقى الكلاسيكية، إلا أن هذا النوع من الترانيم مثل بالنسبة لها منعطفاً فارقاً، خاصة بعد التشجيع الواسع الذي نالته في أوساط الكنائس.

إدمان فيروز

كانت داليا، التي درست الطب في جامعة »عين شمس» تعتقد يوماً أن حبها للغناء سيتغلب على أي هدف آخر فقد عرفت أذنيها الطريق مبكراً لإدمان صوت فيروز بكل ما تقدمه من أعمال وحفظت معظم أغنياتها عن ظهر قلب، حتى لفتت الإنتباه لحنجرتها وحسن الآداء، الذي اتسمت به وكان للثناء الذي قوبلت به أينما ارتحلت مفعول السحر نحو المضي قدماً في المجال، الذي جر عليها الكثير من الهجوم. غاية ما قد يؤلمها أحياناً عندما تتعرض للهجوم ممن يطلبون منها الكف عن الغناء في الكنائس، وتميل بشكل خاص للموسيقى الروحية كالتي تقدم في الكنائس، أو ما يقدمه المنشدون من المتصوفين. غير أن الهجوم، الذي تعرضت له وما زالت تواجهه داليا، ليس فقط بخصوص الغناء في الكنائس، بل بسبب محاولتها بناء جسور مشتركة بين عقائد مختلفة، وعلى العكس تماما تعتقد أن احترافها لتقديم ترانيم مسيحية في أعياد الميلاد، يجمع المصريين على مساحة مشتركة، لذا فهي تدعو المطربين المسلمين والأقباط على حد سواء لتقديم أغان دينية إسلامية ومسيحية على أيضا.

أول خطوة

لكن كيف كانت بدايتها مع الغناء في الكنائس تقول داليا أنها ، نشرت عدة مقطوعات غنائية لها على الفيسبوك، وكانت مقطوعات متنوعة من الأغاني، وبمجرد أن استمعت إحدى صديقاتها لأعمالها عرضت الأمر على الأب بطرس، خادم كنيسة، سان جورج، والذي رحب بها لتغني في كنيسته، وتسجل ترنيمتها الخاصة. فهي حاصلة على بكالوريوس الطب من »عين شمس» وماجستير من فرنسا. الى جانب دراستها الطب حصلت على ماجستير في إدارة الأعمال من إحدى الجامعات الفرنسية، في مجال التسويق الدولي.

وتصر داليا دوماً على التأكيد أن مؤهلاتها العلمية لا تتعارض، بأي حال، مع ما تقدمه من غناء.

أما اللافت في الأمر فيتمثل في رفضها الحصول على مقابل مادي عن نشاطها الفني »يكفيني الشعور بالمتعة»، وفي سياق تلك الحرية فهي تغني أحياناً بدون موعد سابق وعادة ما يفاجأ بها أهلها أو الأصدقاء، وقد انطلقت حنجرتها دون توقف، غير أنها في الوقت نفسه تعقد ما يشبه تدريبات جماعية تنظمها لتشجيع غير المحترفين على الغناء والتعبير عما يجيش في صدورهم.

أغنيات داليا يونس لا تتوقف عند الترانيم أو الأغاني التراثية، بل هي متنوعة في مجالات عدة، فهي تشارك ضمن فريق كورال الفيحاء، بوصفها مغنية سوبرانو، من طراز رفيع.

وعلى الرغم من عدم دراستها الموسيقى في مرحلة الصبا، لكنها اكتسبت خبرة يفتقدها كثير من المحترفين.

إضافة لابتكارها أغنيات ارتجالية، تعرب خلالها عن ألمها لافتقاد القيم المفقودة، أو تدعو للحرية المسؤولة من خلال مشروع »قعدة غنا»، الذي يعد أبرز مشروعاتها على الإطلاق، إذ ظلت تحلم بنشره في ربوع المدن والقرى وكذلك التعريف بفن »الأكابيلا»، وهو لون يستعيض عن الآلات الموسيقية بالصوت البشري من كل الطبقات من السوبرانو إلى الباص، وهو لون يشكل تحدياً لألوان الغناء المألوف، كما تخطط لتقديم بعض الأغنيات الشعبية بالطريقة الكلاسيكية.

أحلام داليا تعانق السماء ولأجلها تركت الطب والعمل به من أجل مشروعها، واللافت أن أسرتها لم تقف في وجه طموحاتها، فقد اختارت أن تنزل للبحر، مهما كانت أعماقه وأن تواجه بحلمها قسوة الواقع، لذا عملت في مجال صناعة المحتوى، من خلال تقديم قصص إنسانية، ومقاطع مصورة بهدف التوعية بالقيم الإنسانية النبيلة، التي كادت أن تندثر وتموت.

من تجاربها في هذا المضمار كتابة أغان لذوي الإحتياجات الخاصة من الصم والبكم، تحت عنوان »مش كل الكلام له صوت»، وتعتمد الأغنية على الإشارات أولا ثم يقدمها أفراد المجموعة مع بعضهم البعض في تجربة غير مسبوقة في المجال الفني تقريباً.

لم تعارض أسرة داليا تخليها عن ممارسة مهنة الطب، أو حتى عن إدارة الأعمال للعمل في صناعة المحتوى الفني والأدبي، وشجعوها على أن تمارس ما تحبه من عمل. وعلى الرغم من ترحيب البعض بنشاطها، خاصة بين أوساط التيارات الفنية المستقلة التي ينتصر أصحابها للتجارب المختلفة التي تنتصر للثقافة المغايرة، وتتخذ من الفن أداة للخدمة المجتمعية، إلا أن داليا يونس تتعرض لهجوم واسع كذلك من قبل الأصوليين، وعلى الرغم من ترحيب بعض القساوسة وبعض الأقباط بما تقوم به، إلا أن فريقا متشددا في كلا الجانبين الإسلامي والمسيحي يرفض ما تقوم به.

في البداية يشير الداعية الأزهري الشيخ أحمد طه الى أنه لا يحل لمسلم ولا مسلمة التفوه بعبارات تخالف صلب عقيدة أهل التوحيد، ونصح طه داليا أن تكف عما تقوم به، اتقاء لنفسها من عذاب الآخرة، فضلاً عن الوقوع في المحظور، مؤكداً أنها تقف في منعطف خطير، مشيراً لـ»القدس العربي» بأنها على شفا فتنة عظيمة مآلها، حال ما أصرت عليه، الخسران.

وفي السياق ذاته طالبت الداعية ذكريات حسين منها أن تتوب إلى الله، وأن تترك الترانيم لأهلها وأن تكتفي بالأناشد الإسلامية، غير أنها تدافع عن نفسها مؤكدة أن جزءا من قرار الغناء في الكنائس مرده أن قاعات الكنيسة المجوفة تضفي رنينا مميزا للأغنيات، كما أن صدى الصوت يزيد الكلمات رسوخاً لهذا فكرت طويلاً في تسجيل فيديو وهي تغني في الكنيسة.