بقلم بيار سمعان

شهدت جلسات مناقشة البيان الوزاري محطات وتعليقات لافتة، ذات دلالات سياسية خطيرة، اهمها:

1- اعلان حزب الله عبر احد ممثليه، ان الحزب فرض انتخاب العماد عون رئيساً بقوة السلاح.

2 – اتهام الرئيس الشهيد بشير الجميل، انه وصل الى الحكم على دبابة اسرائيلية. وهو بالنسبة للعديد من اللبنانيين، رمزاً للمقاومة اللبنانية المسيحية، وشهيداً لحلم قيام الدولة العصرية المبنية على مفاهيم القرار المستقل، ومبدأ المحاسبة وابطال فكرة «الدولة المزرعة» .

3 – ايحاء حزب الله ان ايران قادرة ومستعدة لتزويد لبنان بالطاقة الكهربائية والدواء، والسلاح والمساعدات المختلفة. الأمر الذي فسره مراقبون، انه المحاولة الاخيرة لتكريس الهيمنة الايرانية على النظام، واستبدال الثقافة السائدة (عربية – غربية) بالثقافة الفارسية، ووضع حد لأي نفوذ آخر، بعد ان فرضت ايران وجودها العسكري في لبنان،  وتحكمت بالقرار السياسي، تعطيلاً او  بواسطة قانون انتخابات نسبي، يسهل عملية السيطرة على البرلمان، بعد ان تم تقسيم المسيحيين، وجرى تقسيم الدروز، وفرض حزب الله سنة 8 آذار كمجموعة مواجهة للسنة السياسية لإضعاف نفوذها وتقليص هيمنتها على القرار والمواقف والتوجهات لدى هذا الفريق اللبناني الذي يتحكم، وفقاً لاتفاقية الطائف، بالسلطة التنفيذية في البلاد.

ويشكك البعض بنوايا حزب الله، عندما دعا بواسطة زعيمه ونوابه الى ضرورة مكافحة الفساد، ووضع حد له، وهذا مطلب شعبي يريده كل اللبنانيين. لكن يتساءل مراقبون: لماذا صمت حزب الله طوال عقود على الممارسات الرديئة من قبل المجموعة الحاكمة، ولماذا غض النظر عن الفساد الشامل في جميع الوزارات والدوائر، دون ان يشير الى عدم رضاه عما يجري، بشكل مبرمج؟

فهل اراد حزب الله، وهو القوة الوحيدة المسلحة في لبنان، السماح لوصول البلاد الى هذه الحالة الرديئة، لكي يفسر تدخله على انه المنقذ الوحيد القادر على اصلاح الاوضاع، ويستحق بالتالي شكر اللبنانيين ودعمهم له؟

وهل سيستفيد حزب الله من »الحالة الاصلاحية» التي قد يشهدها لبنان، للانقضاض على اخصامه السياسيين والقضاء عليهم سياسياً، على خلفية الفساد والإساءة الى المال العام، وسرقة خيرات البلد؟ ويكون بذلك قد حقق ضربة اخيرة في استبعاد خصومه واستبدالهم بطبقة جديدة تؤيد توجهاتها السياسية، وتعمل معه على تطبيع الاوضاع في لبنان والحاق الحلقة الاخيرة، اي لبنان، بمشروع الهلال الشيعي، الممتد من طهران الى بيروت؟

تساؤلات عديدة وجوهرية بدأت تطرح اليوم حول حقيقة ما يجرى على الساحة اللبنانية وهذا ما يفسر ردود الفعل، وبعضها مباشر ونافر، حيال التعليقات والتحاليل المشككة في نوايا حزب الله، اذ لا يجب النظر الى هذه التعليقات بمعزل عن المنحى السياسي العام، وبالمواقف السابقة لدى حزب الله، حيال النظام وارتباط الحزب بولاية الفقيه  وعدم معارضة قيام جمهورية اسلامية «يرضى بها الجميع»…

< ردود فعل…؟

ارتفعت اصوات عديدة تستهجن ما صدر عن بعض نواب حزب الله في البرلمان اللبناني. وجاءت ردود الفعل شعبية ورسمية. فعبر كثيرون عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن امتعاضهم من هذه التعليقات، في ظاهرة عفوية تعكس الى حد ما الاجواء المتوترة داخلياً كما عمل نواب مسيحيون على معالجة ذيول هذه التعليقات، فجاء اعتذار حزب الله عن الإساءة الى الرئيس بشير الجميل وطرح فكرة السلاح كعامل اساسي لإيصال الرئيس عون الى سدة الرئاسة، لينزع فتيل  التوتر في البلاد.

وعلّق عضو الأمانة لقوى 14 آذار نوفل ضو ان «السيد حسن نصرالله رسم في خطابه الأخير خارطة الأطباق على الدولة».

ولفت الى انه «بعدما صادر سلاح حزب الله القرارات السيادية والسياستين الخارجية والدفاعية، ربعدما فرض رئيساً للجمهورية وقانون انتخاب وحكومة بشروطه، بدأ الآن الامساك بالاقتصاد والادارة، بحجة مكافحة الفساد، مع انه مصدر للفساد».

ويرى نوفل ضو ان السيد حسن نصرالله يطرح على اللبنانيين نموذج «الحرس الثوري الايراني» بحيث يتولى حزب الله في لبنان، دور الحرس الثوري في ايران ، فيختار شاغلي المناصب السياسية والادارية، يمسك بسياسة الدولة الخارجية والداخلية والعسكرية والامنية، ويتحكم بمفاصل الاقتصاد والثروات الوطنية.

واتهم ضو حزب الله انه يسعى الى تغيير ممنهج في الهوية اللبنانية وفي ثقافة اللبنانيين فبعدما كان اللبنانيون يتماهون بعلاقاتهم المتوازية مع العرب والغرب، يطرح نصرالله استبدال هذه العلاقات بالعلاقة مع ايران. فالاقتصاد، يريده ايرانياً، والسلاح والكهرباء والدواء ونمط الحياة والسياسة والحكم. هكذا يجري تكريس الاحتلال لنفسه.

وقال ضو: «ان موارنة لبنان حافظوا على اللغة العربية في زمن «التتريك»، وكانوا رأس حربة النضال في وجه احتلال السلطنة العثمانية ، على الرغم من تواطؤ بعض السياسيين مع الاتراك. واكد ضو ان الموارنة سيواجهون «الفرسنة» وسيقاومون احتلال ايران العسكري والثقافي، على الرغم من تواطؤ بعض السياسيين».

وفي هذا السياق كان لحزب الكتائب مواقف متشددة، كما ذكر رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ان اعتماد اللبنانيين هو على الجيش والقوى الأمنية، لكن القوات لن ترفع الرايات البيضاء عند الضرورة، لأن لديها خيارات اخرى.

واكد جعجع بالمقابل، ان الحكومة ليست لحزب الله وان العروض الايرانية هي عروض دعائية. فالحكومة هي حكومة «وحدة وطنية» تضم مختلف المكونات اللبنانية، بعد ان صمموا على العمل بجدية لانقاذ لبنان من ازمته الاقتصادية.

< مؤتمر وارسو وانعكاساته

رغم سياسة «النأي بالنفس» التي اتخذتها الحكومة السابقة، غير ان الموقف الرسمي المعلن جاء متأخراً بعد ان انخرط معظم اللبنانيين في الحرب السورية، بشكل او آخر. وفيما حاول بعض السنة دعم «الثورة» ضد النظام، سارع حزب الله الى دعم النظام السوري، واصبح لديه امتداد ووجود عسكري في اكثر من بلد يشهد نزاعات مذهبية، مثل العراق واليمن وغيرهما، بحجة مكافحة الارهاب.

ولا يختلف اثنان ان مصير لبنان اصبح مرتبطاً بالتطورات الاقليمية وبالتبدلات السياسية والعسكرية فيها، ولطالما تأثر بالقرارات الدولية.

كذلك لا يختلف اثنان حول تعهد الولايات المتحدة والدول الاوروبية وروسيا بضمان امن واستقرار وسلامة اسرائيل، كما بدأت دول عربية باعادة النظر في علاقاتها مع الدولة العبرية وخطت خطوات متقدمة نحو التطبيع معها.

ويرى حكام اسرائيل في الرئيس الاميركي دونالد ترامب القائد القادر على توفير هذه الضمانات، بعد ان قدم تعهدات بنقل سفارة بلاده الى القدس، والاعتراف بها عاصمة للدولة العبرية. كما تعهد مؤخراً بمواجهة ايران جنباً الى جنب مع اسرائيل والدول الخليجية التي تخشى تمدّد الوجود الايراني في بلاد العرب.

فاسرائيل التي دعمت ايران خلال حربها مع العراق، تعتبر ان تصاعد القوة الايرانية وتواجدها على حدودها الشمالية، واحتمال امتلاكها قنبلة نووية، اصبحت تشكل خطراً حقيقياً على مستقبلها. فالفكر الصهيوني يتعامل مع غير اليهود انهم يشكلون خطراً عليه بفعل القوة  (Potentiel) ولا مانع من القضاء عليهم في مرحلة الفتوة، قبل ان يتحولوا  الى قوة ناضجة وقادرة على إلحاق الضرر بهم.

لذا انسحبت الادارة الاميركية من الاتفاقية النووية وفرضت حظراً تجارياً ومالياً على ايران، ودعت الى عقد مؤتمر وارسو لمواجهة ايران «عسكرياً»، لأنها «تزعزع الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط»، كما اعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية في السعودية، عادل الجبير. فايران تلعب دوراً مدمراً في المنطقة، وهي تدعم حركة حماس والجهاد الاسلامي اللذين يضران السلطة الفلسطينية، كما تنشر الفوضى في سوريا، وتقوم بتهريب السلاح الكيميائي الى الكويت والبحرين، وتهرب السلاح الى الجماعات الارهابية، وتبنى مصانع اسلحة في السودان، وتنشر الفوضى في افريقيا واندونيسيا وتايلندا.. وحيثما تنظر الى اي مكان في المنطقة سنجد ان لإيران دوراً ما فيها، على حد قوله.

ورغم ادعاء ايران ان رعاية واشنطن للمؤتمر ضد ايران قد فشل، لكن الدعوة بحد ذاتها تحمل مؤشراً على جدية النوايا الاميركية. كما تشير ادعاءات عادل الجبير الى ان الارادة الدولية تسعى الى خلق ارضية مشتركة لمواجهة المدّ الايراني في المنطقة والى تصاعد قدراتها العسكرية.

ويتوقع مراقبون ان تفرض الولايات المتحدة المزيد من العقوبات الأكثر صرامة على النظام الحاكم في ايران وعلى كل المجموعات المقاتلة تحت لوائه في المنطقة، ومن ضمنها حزب الله في لبنان.

حيال هذا الواقع، صرح مؤخراً وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لسكاي نيوز العربية ان اسرائيل تسعى للحرب، وان الطريقة التي تتصرف بها اسرائيل والولايات المتحدة، تجعل احتمال نشوب حرب كبيراً جداً، مع انتهاك فاضح للقانون الدولي، كما قال.

< مواجهة ايران

عملاً بمقررات مؤتمر وارسو الذي اوصى ان ايران تواجه اتهامات دولية، وفي مقدمتها اتهامات اميركية واوروبية واقليمية بدعم الارهاب ونشر الفوضى في المنطقة،  وتطوير برنامج صواريخ بالستية، فضلاً عن دعم الميليشيات والجماعات المسلحة في الشرق الاوسط، لذا تعتبر ايران هدفاً عسكرياً اساسياً، كونها تزعزع الاستقرار في المنطقة.

وتركز الاستراتيجية الاميركية بشكل كبير على مواجهة ايران، بعد ان قوضت الاتفاق النووي، واعادت فرض العقوبات، ودفعت الدول الاوروبية ليس فقط للالتزام بهذه التدابير، بل بالعمل ايضاً على دعم الاستقرار في الشرق الاوسط.

ولا يستبعد مراقبون ان تندلع حرب جديدة في الشرق الاوسط تستهدف القوات الايرانية في سوريا.

وفيما يتعلق بحزب الله وبنقل المعركة القادمة مع اسرائيل داخل الجليل، لا يستبعد مراقبون عسكريون ان تعمد اسرائيل الى تطويق حزب الله من ناحية الشمال والبقاع، وتنقل المعركة الى الداخل اللبناني. لذا من المتوقع ان يشهد الجنوب، امتداداً الى بعلبك الهرمل والداخل السوري معارك طاحنة تشارك فيها الولايات المتحدة بشكل مكثف.

فهل سيلجأ حزب الله الى لبننة توجهاته وسياسته قبل فوات الأوان ام انه سيجر البلاد الى حرب طاحنة، قد تعيد تدمير ما جرى بناؤه حتى الآن؟

وهل حقاً «حزب الله» هو قادر على اتخاذ قرار العودة الى احضان الوطن، ام ان الانتماء الى ولاية الفقيه قد حوIله الى جندي مطيع لأوامر الأئمة في ايران؟؟

أملنا ان تُبعد هذه الكأس عن الجميع، لأن ما سيحدث سيكون خدمة كبيرة اخرى تقدّم لاسرائيل.

اختم بما صرح به نواف الموسوي امين عام حزب الله، عام 1983 عندما قال:

«سوق نظل نحارب في هذه الارض وتلك الارض لنجعل كل الارض اسلاماً، تحت ولاية الفقيه.

فرد عليه الرئيس سليمان فرنجيه في مؤتمر صحفي:

«ليست هذه الارض ولا تلك الارض اسلامية او مسيحية. هذه الارض لبنانية، وسوف تبقى لبنانية.

pierre@eltelegraph.com