بقلم بيار سمعان

 

نعود بعد عطلة الصيفية التي امتدت لثلاث اسابيع، لنبدأ عاماً جديداً يأمل الناس ان يكون افضل من العام المنصرم، ويحمل حلولاً جذرية للكثير من القضايا الشائكة والازمات التي عانى منها المجتمع الدولي بشكل عام والشرق الاوسط بنوع خاص.

ولا بد، في مطلع هذا العام، ان نسلّط الأضواء على اهم الازمات التي نواجهها، والتي سوف تحدّد مسار الاحداث خلال العام الجديد.

< لبنان:

لبنان الذي ضربته موجة من العواصف والفيضانات وتساقط الثلوج، جاءت لتكشف رداءة البنى التحتية في البلاد وعمق الفساد في تلزيم المشاريع الحيوية. فغرقت المدن اللبنانية بالمياه، وانهارت الاتربة والصخور، وقطعت الطرقات وشلّت حركة السير وعمليات نقل المواد الاولية والاسعافات لمن يحتاجونها في المناطق النائية والمعزولة، ضمن اجواء من اللامبالاة من قبل الطبقة الحاكمة.

امل اللبنانيون ان يشهد نهاية العام تأليف الحكومة العتيدة التي طال انتظارها حتى الآن ثمانية اشهر، لكن يتبين يوماً بعد يوم ان جميع الأفق لا تزال  موصدة وان امكانية تأليف حكومة العهد الاولى، اصبحت من سابع المستحيلات.

ويبدو ان التفاهم الاميركي – الايراني تم على حساب لبنان، لذا يستفيد الثنائي الشيعي لتحسين مواقع حزب الله  والشيعة على الساحة اللبنانية، لذا يقود رئيس حركة امل نبيه بري عملية مواجهة العهد، مدعوماً من حزب الله.

وفي ظل الانقسامات الدرزية والسنية والمسيحية وتعميق هذه الخلافات، يُحكم حزب الله سيطرته على الساحة اللبنانية. لذا حذر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من مغبة الانقلاب على الدستور، رغم عدم رضاه العميق على اتفاقية الطائف التي الغت العديد من الصلاحيات التي كان يمتلكها رئيس الجمهورية.

ويبدو ان قيام وزير الداخلية المشنوق بنشر احصاء تقريبي لعدد السكان في لبنان، جاء ليمنح حزب الله حجة اخرى للمطالبة بالمثالثة، والتخلي عن مبدأ المناصفة في الحصص والحقائب. ويرى البعض ان تعطيل الحكم هو ليس ناتج عن الخلافات حول الحصص ،  بل يهدف الى خلق حالة اجتماعية من القلق والاشمئزاز العام تُرغم مختلف الاطراف على الرضوخ لاقتراحات حلول مستقبلية، قد تؤدي الى تعديل الدستور وخلق واقع  سياسي جديد. وهذا ما يفسر بروز الخلافات السنية – السنية والدرزية – الدرزية والفرز السياسي داخل المسيحيين. فيما يسعى حزب الله وامل للحفاظ على وحدة الشيعة.

يضاف الى حالة القلق وعدم الاستقرار السياسي، تفاقم البطالة والركود الاقتصادي والجمود في الحركة التجارية التي طالت معظم القطاعات وانعكست سلباً على القطاع الصناعي.

وكشفت الفيضانات حجم التلوّث البيئي والكميات الهائلة من النفايات التي جرفتها المياه من منطقة الى اخرى، ونقلتها الأنهر الى الشواطئ التي ازدادت تلوّثاً. ورغم ان الثلوج تحدّ من حجم التلوّث وانتشار الأوبئة، لكن النفايات المنتشرة في معظم المناطق اللبنانية لا تزال دون معالجة، وسيضاف اليها كميات اخرى ضخمة مع حلول فصل الصيف.

وتنقسم الطبقة الحاكمة في لبنان حول قمة التنمية الاقتصادية العربية، ودعوة سوريا للمشاركة فيها، ورفض دعوة ليبيا، بعد ان انبرت حركة امل مهددة باعتراض دخول الوفد الليبي الى لبنان. فالحكم في لبنان هو مشلول ومنقسم على ذاته، والخلافات هي حادة وبارزة حول كل الملفات المطروحة على الساحة اللبنانية.

وحده المواطن اللبناني يتألم ويجوع ويقلق، يحاول النزول الى الشارع ليعبر عن احتجاجاته لعله يفرض واقعاً جديداً. لكن الانتفاضة الشعبية لا تزال خجولة في وجه الانقسامات الطائفية والمذهبية والأوامر التي يصدرها قادة الاحزاب والتيارات لاتباعهم ومناصريهم وتحد من حرية تحركاتهم.على صعيد آخر تتابع  اسرائيل عمليات البحث عن انفاق حزب الله وبناء الجدار الاسمنتي على الحدود الشمالية. وكأن اسرائيل تقول للبنانيين: تناحروا فيما بينكم ما تشاؤون، لكن ابقوا  وراء الجدار.

ولا يستبعد مراقبون ان تلجأ اسرائيل الى افتعال حرب مع حزب الله وايران قبل نيسان، موعد الانتخابات في اسرائيل، اذ يسعى نتنياهو للاستفادة من وجود الرئيس ترامب في سدة الرئاسة لضمان امن ومستقبل اسرائيل، عن طريق اضعاف اعداء اليوم وحلفاء الماضي. لذا دعت الولايات المتحدة لعقد قمة في بولندا لمواجهة ايران في لبنان والشرق الاوسط.

وفي هذه الاجواء الملبدة اعلنت كندا انها ستفتح ابوابها لمليون مهاجر جديد من الشرق الاوسط بين 2019 و2021. فكم من اللبنانيين سوف تقبل كندا ضمن خطتها الجديدة؟

دون شك سوف يخسر لبنان المزيد من الطبقة المثقفة والمتخصصة والعديد من العمال المهرة.

عدم الاستقرار  والبطالة والانقسامات السياسية وغياب الأمل سوف تدفع المزيد من اللبنانيين الى الهجرة خاصة ان آخر احصاءات لمعدلات الهجرة خلال السنوات العشر الماضية قاربت 700 الف مواطن، بالمقارنة مع حوالي مليون غادروا لبنان خلال السنوات الممتدة بين 1975 و1994. بينما بلغ عدد المقيمين من غير اللبنانيين في بداية 2018 ما يقارب 1،398 مليون نسمة، دون احصاء اللاجئين السوريين والفلسطينيين ضمن هذه المجموعة.


< سوريا والشرق الاوسط

اعاد قرار الرئيس الاميركي ترامب النزاع الى جذوره الاساسية بعد ان اتخذ قراراً بسحب القوات الاميركية من سوريا.

اليوم تجد ايران وسوريا وتركيا وروسيا والاكراد، بالاضافة الى التنظيمات الارهابية انها في وضعية المواجهة المباشر، طالما لم يتوصل مختلف الاطراف الى التوافق على حل سياسي للأزمة السورية.

وهدّد ترامب تركيا انه سيدمرها اقتصادياً في حال قامت بالاعتداء على الاكراد في سوريا و العراق.

وفيما تستعد بعض الدول للانطلاق في عملية اعادة اعمار سوريا، لا تزال الرؤيا غير واضحة وكل احتمالات الحرب والسلم قائمة، خاصة ان اسرائيل تتابع ضرب مواقع داخل سوريا، مستخدمة الاجواء اللبنانية دون اي رادع او رقيب او اية ردود فعل روسية.

اضف الى ذلك عدم معالجة الاوضاع الداخلية في اليمن واحتمال اعتماد نظام الكونفدرالية بين الحوثيين والسنّة.

ويري مراقبون ان تراجع الوجود الاميركي في المنطقة قد يكون مؤشراً على دخولها (اي المنطقة) في حال من الفوضى تعيد خلط الاوراق بكاملها، كما علّق وزير الخارجية الاميركي نفسه حين قال: «عندما تتراجع الولايات المتحدة الاميركية تأتي الفوضى».

وتولى روسيا دفع الاكراد الى احضان الحكم السوري، لكن انسحاب القوات الاميركية التي كانت تراقب خطوط الامداد العسكرية الايرانية لحزب الله من العراق الى لبنان تثير قلق اسرائيل ودول الخليج. لكن اميركا تعمل على اقامة نقاط مراقبة وضبط داخل الاراضي العراقية تقوم بادارتها القوات الخاصة.

وسيسمح الانسحاب الاميركي بالمقابل لفلول داعش بالتمتع بالمزيد من حرية الحركة واعادة تنظيم وتفعيل قواتها والاستفادة من الخلايا النائمة في اوروبا والخارج، بالرغم من انها اصبحت محصورة جغرافياً في مواقع محددة يمكن محاصرتها والقضاء عليها عند الضرورة.

لا شك ان منطقة الشرق الاوسط دخلت مرحلة جديدة لا تزال غامضة من حيث الاهداف المرسومة لها. انها مرحلة التحولات الكبرى تشهد اندفاع تركيا للعب دور اساسي فيها.

ولا يستبعد ان اسرائيل ستمنح دوراً جديداً في المنطقة وتترأس محوراً عربياً في مواجهة النفوذ الايراني.

ويشاع ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تلقى دعوة من الولايات المتحدة للمشاركة في القمة الدولية حول ايران والشرق الاوسط، تعقد في 13 شباط. وتعمل واشنطن على عقد لقاءات ثنائية بين اسرائيل والدول العربية المشاركة، وهي السعودية والامارات ومصر والاردن والبحرين والمغرب. وستمنح هذه اللقاءات رئيس الوزراء نتنياهو دفعاً هائلاً قبل شهرين من الانتخابات  في اسرائيل. كما يسعى المؤتمر للاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان. ولا يستبعد ان يناقش الحاضرون احتمال اقامة جبهة مشتركة عربية اسرائيلية ضد اسرائيل.

< اوروبا

وفي حين لم تتبلور بعض الاوضاع في الشرق الاوسط، يبدو ان القارة العجوز، اوروبا، هي بدورها متجهة نحو تبدلات جذرية في تركبيتها الاجتماعية واوضاعها السياسية والامنية.

اوروبا العالقة في جوهر النزاع الاميركي الروسي ومحورها الذي يضم الصين وايران تجد نفسها عاجزة عن اتخاذ مواقف  مستقلة تتلاءم مع مصالحها الاقتصادية.

وقد تكون ظاهرة «السترات الصفر» التي عمت فرنسا منذ اسابيع وبدأت بالتوسع نحو دول اوروبية اخرى، هي مجرد تدبير لجأت اليها الولايات المتحدة، بعد ان هددت فرنسا والمانيا بانشاء قوات اوروبية مستقلة عن الحلف الاطلسي،

اوروبا في عام 2019 تواجه تحديات عديدة خطيرة. فالنقمة الشعبية العارمة ضد الطبقة الحاكمة من جهة، وتدفق امواج اللاجئين من جهة اخرى، وصعوبة الحفاظ على الوحدة الاوروبية وتماسكها وتهديدات تركيا بفتح حدودها امام المزيد من اللاجئين. وما ينتج عن هذه التبدلات من اعباء اقتصادية، وعودة بعض الدول الاوروبية الى قرارات تتعارض مع سياسة الاتحاد الاوروبي الشمولية لمواجهة التمدّد الاسلامي، وظهور تيارات يمينية اصولية ضد الاصولية الاسلامية تعتبر جميعها عوامل صالحة توفر مناخاً للمزيد من النزاعات الدينية والقومية داخل اوروبا، وادخال اوروبا في نزاعات داخلية.

< الولايات المتحدة

لا يختلف اثنان ان الولايات المتحدة تعاني من الانقسامات السياسية الحادة مند وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى سدة الرئاسة. كما تعاني الولايات المتحدة من ازمات اقتصادية والانقسام العرقي والديني والتخوّف من امواج اللاجئين من اميركا الجنوبية. وتواجه الادارة الاميركية احتمال اقصاء الرئيس ترامت من الحكم بالاضافة الى الارتفاع في حدة الخلافات مع الصين وروسيا وايران.

ويتخوّف المراقبون ان تقوم الرأسمالية العالمية بأحداث ازمة مالية جديدة تدمر الاوضاع الاقتصادية في الولايات المنتحدة بالدرجة الاولى وتنعكس على الاقتصاد العالمي بشكل عام، بغية احكام السيطرة اكثر فأكثر على هذا الاقتصاد وعلى السياسة العالمية.

ولا شك ان سياسة الرئيس الاميركية اليمينية المحافظة قد ساهمت بخلق نهج سياسي يحتذى به. واصبحنا نرى دولاً اوروبية (هنغاريا، بولندا، وبلغاريا) تميل نحو اليمين المسيحي الملتزم، كما حدث في بعض دول جنوب اميركا، مثل البرازيل وغيرها، واستراليا حيث انقلب حزب الاحرار الحاكم على رئيس الوزراء الليبرالي اليساري مالكولم تيرنبل ليستبدله برئيس وزراء يعمل بوحي ايمانه المسيحي.

فهل يقود ترامب موجة جديدة من الدول المحافظة في مواجهة الالحاد العالمي والتمدّد الاسلامي، اذا كتب له الفوز مجدداً بدوره ثانية؟

< استراليا

استراليا التي تشهد هذا العام انتخابات  فيدرالية وانتخابات اخرى في ولاية نيو ساوث ويلز تمر بسنة حاسمة، بعد ان بلغ المجتمع الاسترالي حالة من الاشمئزاز بسبب رداءة الأداء السياسي لدى الاحزاب الكبرى.

ويتخوّف العديد من الناخبين من عودة حزب العمال الى الحكم بسبب سياسته المتساهلة حيال اللاجئين واعادة فتح الحدود امامهم، وبسبب انخراط استراليا بشكل اعمق في برامج الطاقة النظيفة والتخلي كلياً عن انتاج الطاقة بواسطة الفحم الحجري، مما سيتسبّب برفع اسعار فاتورة الكهرباء لبضعة سنوات.

كما يتخوّف العديد من الاستراليين من عدم التزام حزب العمال بضمان الحريات الدينية دستوريا واقرار برامج «المدارس الآمنة» وتطبيق قوانين تلغي الفروقات بين الجنسين، بعد ان عمل الحزب جاهداً لاقرار  وتشريع زواج المثليين كخطوة اولى.

ويلتزم حزب العمال بتوصيات الأمم المتحدة المتعلقة بفتح الحدود امام اللاجئين وبسياسة حماية التبدلات المناخية والموافقة على المساهمة مادياً ودفع المليارات عملاً بتوصيات معاهدة باريس.

واستراليا تجد نفسها عاجزة عن اتخاذ مواقف مستقلة بشأن القضايا التي تهم منطقة آسيا والنزاع الاميركي الصيني والخلاف على ملكية بحر جنوب الصين. فمصلحة استراليا الاقتصادية هي بالدرجة الاولى مع محيطها المجاور ومع الصين بنوع خاص، لكن المعاهدات التي ابرمتها مع الولايات المتحدة تقيد تحركاتها السياسية، وتلزمها على التماهي مع الولايات المتحدة لمواجهة التمدّد الصيني في المنطقة.

< خاتمة:

الاضطرابات السياسية التي يعاني منها لبنان والشرق الاوسط بشكل عام، واحتمال نشوب حرب بين اسرائيل وايران وحزب الله، بالاضافة الى الغموض الذي يلف القضية الفلسطينية التي تتحول يوماً بعد يوم الى قضية ثانوية يتخلى عنها اصحابها بسبب ارتفاع وتيرة التطبيع مع اسرائيل، خوفاً من التمدّد الايراني في المنطقة، واحتمال نشوب نزاعات مسلحة بين الاكراد وتركيا، وعدم انهاء ظاهرة التطرف والارهاب رغم مشاركة دول الإئتلاف في «مكافحة» الارهاب» في سوريا والعراق. اضف الى ذلك حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي على المستوى العالمي وارتفاع حدة النزاع الحضاري الذي يغذيه «النورانيون»، ومساعي هؤلاء لخفض عدد السكان عن طريق افتعال الحروب ونشر الأوبئة وخفض الانجاب وارتفاع حدة النزاع الاميركي الصيني من جهة والاميركي والروسي من جهة اخرى.

كل هذه المؤشرات ترفع من منسوب  التشاؤم لدى الناس .

ان عام 2019 لن يكون عام ازدهار وامن واستقرار عالمي. فهل يشهد العالم مفاجآت تلغي التعددية الثقافية وتخلق واقعاً جديداً على الساحة العالمية.

مَن يعش يرى.. !؟

pierre@eltelegraph.com