بقلم بيار سمعان

استضافت الاعلامية سوزان حوراني في راديو “صوت الغد” الزميل هاني الترك الذي سلط الاضواء على اهم الاحداث في استراليا خلال عام 2018. وتوقع هاني ان الائتلاف، في ظل سكوت موريسون يسير نحو خسارة الانتخابات الفيديرالية، وانه ارتكب خطأً في استبدال رئيس الوزراء السابق مالكولم تيرنبل. ودعم زميلنا رأيه باستطلاعات الرأي التي تؤكد خسارة الائتلاف، وكما حصل في ملبورن، قد يحصل في نيو ساوث ويلز واستراليا.

ومع تقديري لرأي الزميل هاني الترك، أنا أرى عكس ذلك ولأسباب ومعطيات عديدة… أستعرض أهمها:

استطلاعات الرأي.

يعتقد كثيرون ان استطلاعات الرأي تعكس حقيقة مواقف الناخبين بموضوعية. حسب معرفتي كاختصاص في العلوم الاجتماعية، انه يمكن التحكم بنتائج اي استطلاع للرأي، وهذا يتوقف على نوع الاسئلة واحتمالات الأجوبة المطروحة ونوع العينة التي يختارها الباحث…

هذه بمقدورها ان تمنحك النتائج التي تريد.

نقطة الضعف الاخرى تتعلق بغياب اي مراقب او مدقق يتأكذ من مصداقية النتائج ومستوى التمثيل الاجتماعي لدى العينة المختارة. باعتقادي هذا كان الخطأ الفاضح عند اجراء الاستفتاء البريدي على زواج المثليين. فطارح السؤال غالباً ما يكون لديه الجواب مسبقاً.

التاريخ افضل شاهد:

عودة الى الماضي، اظهرت استطلاعات الرأي خسارة رئيس الوزراء الاسبق جون هاورد الانتخابات في اكثر من مرة. لكنه جرى اعادة انتخاب هاورد ثلاث دورات على التوالي، بعكس كل التوقعات، لانه يوجد فارق كبير بين الرأي السياسي والالتزام والموقف السياسي. فالرأي يتأثر بالاحداث الآنية ولا يعكس كيفية التصويت يوم الانتخابات، وهذا ما حدث مع مالكولم تيرنبل الذي فشل في 30 استطلاع للرأي، لكنه تمكن من الفوز في الانتخابات ولو بأكثرية ضئيلة.

مثال آخر على عدم مصداقية استطلاعات الرأي هو ما جرى في الولايات المتحدة خلال الانتخابات الرئاسية الاخيرة، اذ اشارت الى فوز هيلاري كلينتون. لكن الشعب قال كلمته واثبت عكس ذلك.

انتخابات فيكتوريا.

ويستشهد هاني الترك ان نتائج الانتخابات في ولاية فيكتوريا تؤكد ان الائتلاف سيخسر الانتخابات العامة.

لابد من الاشارة اولاً ان انتخابات الولاية تختلف عن الانتخابات الفيديرالية، انها الى حد بعيد كانتخابات المجالس البلدية، تتأثر بالسياسة المحلية للحكومة وبالعوامل الحياتية اليومية وبالمكونات الاجتماعية في الولاية، بينما تتحكم الامور الاقتصادية والسياسية الكبرى بالانتخابات الفيديرالية.

وجاءت انتخابات فيكتوريا بعد اسابيع من الاطاحة بمالكولم تيرنبل. وهذا اثر دون شك على مواقف الناخبين، اذ اعتبروا ان الائتلاف هو في حالة ضياع ونزاع داخلي، وان رئيس الوزراء الجديد موريسون لا يزال انساناً مجهولاً، ولا تعرف توجهاته وسياساته، وقدراته الشخصية.

غير ان سكوت موريسون لديه فسحة زمنية لاعادة رسم سياسة واضحة للائتلاف، حاول مالكولم تيرنبل إلغاءها، كما حاول طمس هوية حزب الاحرار وإلغاء الفروقات التي تميزه عن حزب العمال المعارض. فمالكولم تيرنبل، الانسان الوصولي الذي دمَّر الحزب من الداخل، ينتمي الى فريق آل بوش وآل كلينتون والرئيس أوباما، وهو يسعى معهم الى اقامة حكومة عالمية واحدة. وان ما قام به في الداخل يخدم السياسات الخارجية.

لهذا جرى استبعاد طوني آبوت المحافظ الذي رفض تشريع زواج المثليين، وسعى الى ترسيخ ثوابت الحزب واعادة ربطه بالعائلة المالكة وكأنه يوجه رسالة للامميين. وعمل خلال ولايته على حماية الداخل الاسترالي من موجة اللاجئين التي ادخلت أوروبا اليوم في حالة من الغموض والنزاع الحضاري. وهذا واقع قد يدمرها اقتصادياً وحضارياً وديمغرافياً وأمنياً.

للأسف حزب العمال الذي يقارب مالكولم تيرنبل ويسير في هذه السياسة بخطوطها الكبرى، سمح بدخول 50 ألف لاجئ بواسطة القوارب، وقد يسمح للمزيد عند وصوله الى السلطة.

واليوم يتخوف المواطن الاسترالي ان يرتكب حزب العمال الخطأ نفسه، ويعيد فتح الحدود الاسترالية، خاصة ان الامم المتحدة، وهي بنظر كثيرين، تمثل الحكومة العالمية الواحدة، التي تفرض شروطها وسياساتها على الدول، ترغب بفرض اتفاقية حرية اللجوء دون اية ضوابط.

موريسون يعيد رسم سياسة استراليا.

من يراقب عمل سكوت موريسون بموضوعية، يرى انه يعيد الامة الاسترالية الى احضان الوطن.

فهو اساساً انسان مؤمن، ناهض تشريع زواج المثليين لانه يرى خطورته على وحدة العائلة وعلى مستقبل المجتمع الاستراليى، لذا سيعمل جاهداً الى حماية الحريات الدينية لتصبح القوة المناهضة لموجة العلمنة الملحدة التي تجتاح العالم ولحماية العائلة. كما يريد حماية الحريات الدينية، لانها من اهم مقومات التعددية الثقافية، فالدين في حال جرى التضييق عليه، سوف يلغي بالتالي التعددية الثقافية. لان العقائد والممارسات الدينية هي من اهم الاسس التي يقوم عليها المجتمع التعددي، وهي في صلب العدالة والحرية، وحقوق الانسان…

الموقف السياسي الهام الذي اتخذه موريسون، هو عدم موافقة استراليا على برنامج الهجرة واللجوء الذي تسعى الامم المتحدة الى فرضه. فالقبول به، يعني دون ادنى شك، تسليم القرار السياسي لسلطة خارجية، مهما كانت هذه السلطة. وموقف حزب العمال ليس واضحاً بالنسبة لهذه المسألة. لكن العمال يميلون للقبول بتصريحات الامم المتحدة. وهذا امر يرفضه عامة الشعب الاسترالي.

وأقر العمال خلال المؤتمر السنوي منح 500 مليون دولار، لدعم جهود الامم المتحدة. كما وافقت العمال على رفع عدد اللاجئين وإنشاء مفوضية خاصة بهم. لذا باعتقادي، سوف ينعكس ذلك في صناديق الاقتراع لصالح الائتلاف، بعد ان استفاق الشعب الاسترالي من صدمة تشريع زواج المثليين وهو يتخوف مما يجرى في أوروبا اليوم.

مناهضة الإلحاد والنزعة الاممية.

يتجاهل الزميل هاني الترك، كما يتجاهل كثيرون، حقيقة ما يجري اليوم في العالم، خاصة في أوروبا..

لنتوقف عند الأمور التالية:

الشعب قال كلمته في انتخاب الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي لا يمثل الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، ويعارض، ولو بالشكل قيام حكومة عالمية.

والشعب يقول كلمته في أورويا، بعد ان انطلقت ظاهرة «السترات الصفر» في باريس وشملت كل فرنسا، وبدأت تنتقل الى دول اوروبية اخرى.

وأوجز مسؤولون اهداف هذه الحركة على انها ليست ردة فعل على رفع سعر الوقود وغلاء المعيشة، بل لها اسباب اعمق متجذرة بمفهوم الديمقراطية، وبعدم ثقة الشعب بممثلين من نواب  ووزراء ومسؤولين رسميين. يطالب المتظاهرون اليوم باستعادة السلطة من المسؤولين ومن الطبقة الحاكمة بضرورة استطلاع آراء المواطنين بكل القضايا والأمور التي تعنيهم. الشعب في أوروبا يريد استعادة صلاحياته، بعد ان تحول المواطنون الى مجرد قوة انتاجية هي بالواقع عاجزة ان تقول كلمتها في القضايا المصيرية، مما سمح للطبقة الحاكمة ان تستفرد بالسلطة وتتخذ قرارات تراها صالحة للخير العام، لكنها تتعارض مع مصالح وحرية ورغبة المواطنين، فالشعب الفرنسي يريد مساءلة ومحاسبة الطبقة الحاكمة، وان يقول لها: كفى، أنتم مصدر السلطة التي منحكم اياها الشعب. الشعب الفرنسي يريد الآن استعادة هذه السلطة.

ظاهرة الاحتجاج الفرنسية انتقلت عدواها الى دول أوروبية جديدة، ان بدأت تلوح في الافق بداية انطلاق المظاهرات في بلجيكا والسويد وايرلاندا ودول غرب أوروبا.

المقصود من سرد هذه الوقائع هو الاشارة ان الشعوب التي جرى استغلالها والتحكم بقراراتها وفرض الاصلاحات السياسية عليها، بدأت تستيقظ وتطالب بصلاحيتها.

هنا، في استراليا، باعتقادي، فقد الشعب الاسترالي حريته عندما جرى تضليله ان اقرار زواج المثليين هو ضرب من وجوه العدالة الاجتماعية كما يشعر الاستراليون انهم فقدوا حريتهم عندما أقرت مجموعة من الملحدين والمثليين برنامجاً تربوياً تحت تسمية “المدارس الآمنة” يهدف منه اعادة بناء شخصية الطفل في استراليا لكي يتقبل بطاعة عمياء المفاهيم الجديدة للتحولات والميول الجنسية. للأسف حزب العمال والخضر يتبنيان هذه المخططات ويعملان على اقرارها وتنفيذها… ولابد للمجتمع ان ينتقض ويقول كلمته، خاصة ان عملية التضليل التي رافقت حملة تشريع زواج المثليين بدأت تكشف، وظهرت النوايا الحقيقية وراءها. وسكوت موريسون بدأ باقناع المجتمع المجتمع الاسترالي انه منقذ العائلة ومنقذ الوطن من التيارات الاممية.

مسلمو استراليا يعيدون حساباتهم.

من خلال اتصالات أجريتها مع بعض المسؤولين والمواطنين الاستراليين من الطبقة العاملة، تبين لي ان العديد منهم بدأوا يعيدون حساباتهم ويجرون مراجعة هادئة وموضوعية لدعمهم حزب العمال. وعلق احدهم قائلاً: عليّ ان افكر أولاً بمصلحة ومستقبل عائلتي وبحرية الممارسات الدينية والتعبير عن معتقداتي دون ملاحقة او اضطهاد. يكفينا إلصاق تهمة الارهاب بالمسلمين.

النزاع الحالي بين الائتلاف والمعارضة العمالية يكمن في النظرة الى مستقبل استراليا الاجتماعي والسياسي، وبمدى إلتزام الحزبين بالقرارات الخارجية والقوى الخفية الساعية الى اقامة حكومة عالمية.

فان تمكن موريسون، خلال الاشهر الثلاثة المتبقية قبل الانتخابات من دعم القضايا القومية في مواجهة الحركة الاممية الملحدة، وفي حال تمكن من خفض فاتورة الكهرباء وانسحب من اتفاقية باريس ولم يخضع لتوصيات الامم المتحدة الخاصة باللاجئين، فان الشعب الاسترالي سوف يعيد انتخابه لينفذ تعهداته، اذ لا تزال مشاعر الخوف الناتجة عن وصول حزب العمال الى الحكم هي اقوى بكثير من حب المغامرة والتغيير.

مع ابعاد تيرنبل عن الحكم، بدأ حزب الاحرار استعادة قراره السيادي واستعاد تمايزه عن سياسة حزب العمال التي اصبحت تعني بالشؤون الدولية على حساب المصلحة القومية.

ويجب ألا نتناسى دور وسائل الاعلام وموقفها من النزاعات السياسية الداخلية، ذات الامتداء الخارجي. وليس خفياً ان شبكتي الـABC والـSBS وفير فاكس يدعمون موجة الالحاد العالمي، فيما تدعم الاستراليان وسكاي نيوز والدايلي تلغراف و2GB الائتلاف وتطالب باستعادة استراليا قراراتها السيادية.

فان أحسن موريسون تحويل القضايا الكبرى الى برنامج انتخابي  واستفاد من دعم وسائل الاعلام ومن موجة الاحتجاجات التي تشهدها الساحة الاوروبية والتي قد تتحول الى ظاهرة عالمية لاستعادة الشعب السلطة وحق تقرير المصير، فان الائتلاف، في ظل هذه الاجواء سيعود حتماً الى الحكم مع زيادة في عدد النواب المحافظين المستقلين.

أختم بالقول المأثور لجورج أوريل: الشعب الذي ينتخب الفاسدين ليس ضحية بل شريكاً في الجريمة.