بقلم بيار سمعان
بينما تستمر ازمة تشكيل الحكومة اللبنانية، ويتمسك حزب الله بضرورة توزير أحد أعضاء «سنة 8 آذار»، ويطرح اسم فيصل كرامي، بطلب من بشار الأسد، يصر الرئيس سعد الحريري، رئيس الحكومة المكلف على رفضه هذا المطلب، كما يؤكد على عدم اعتذاره عن تأليف الحكومة، معتبراً ما يجري هو مساس بصلاحياته الدستورية، وانقلاب على الطائف.

ويبدو في هذه الأجواء الملبدة أن الأزمة الحكومية هي الآن أكبر من «العهد القوي» ومن التفاهمات الداخلية.

كما اصبح بديهياً أن إيران تريد استرهان لبنان، بواسطة حزب الله للتفاوض مع الولايات المتحدة، بعد أن استرهنت الأوضاع في العراق للغاية ذاتها.

وتمكن حزب الله من دمج المطلبين السوري (توزير فيصل كرامي) والتحكم بالقرار اللبناني (المطلب الإيراني)، لتعطيل تأليف الحكومة وشل الأوضاع في لبنان الذي يعاني أكثر من أزمة اقتصادية، تدفعه إلى شفير الانهيار.

< انفاق حزب الله:

خلال هذه الحالة، برزت فجأة قضية انفاق حزب الله التي تدعي إسرائيل أن الحزب قام بحفرها لتسهيل وصول المقاتلين إلى داخل إسرائيل وتنفيذ عمليات عسكرية في عمق الأراضي الإسرائيلية.

وفيما لاذ حزب الله بالصمت، حاول الإعلام العربي الادعاء انها أنفاق قديمة، ارادت الحكومة الإسرائيلية تسليط الأضواء عليها اليوم للتخفيف من الضغوطات التي يواجهها ناتنياهو بسبب ادعاءات الفساد واحتمال تحويله إلى المحاكمة.

لكن الإعلام الإسرائيلي تحدث عن أنفاق لحزب الله، ليس فقط على الحدود الشمالية، بل في جميع أنحاء لبنان. وادعت الحكومة الإسرائيلية أنها قدمت لائحة وخرائط مفصلة لهذه الأنفاق إلى الأمم المتحدة، حصلت عليها الأجهزة الإسرائيلية بوسطة عملاء مقربين من حزب الله.

ونشرت معلومات حولها في وسائل الإعلام العالمي الذي تمتلكه او تؤثر فيه الصهيونية العالمية، 

وكانت اتهامات سابقة قد وجهت إلى حزب الله وإيران أنهما اقاما مراكز جديدة لتطوير الصواريخ والمعدات العسكرية الحديثة والدقيقة التي تنقل جواً إلى لبنان، بواسطة الطيران الإيراني المدني.

ومهما جرى التشكيك في مصداقية هذه الادعاءات ، فإن الثابت هو أن إسرائيل تعد منذ أشهر مناخاً عالمياً لافتعال حرب مع حزب الله وإيران، وهي لم تتوقف عن قذف قواعد عسكرية وتدمير مستودعات الذخيرة في الداخل السوري. تحت أنظار القوى الكبرى المتواجدة على الساحة السورية، ومن ضمنها روسيا.

ويرى البعض أن افتعال مشاكل مع غزة خلال الشهر الماضي كان يهدف بالدرجة الأولى إلى معرفة نوع الصواريخ لدى حماس والتي يحصل عليها التنظيم من إيران، كما حزب الله، مع التأكيد على الفروقات العديدة في النوعية والخبرات العسكرية لدى حزب الله.

وعودة إلى أنفاق حزب الله، تدعي إسرائيل أنها ستستمر بضعة أشهر حتى يتمكن الخبراء العسكريون من تدميرها بالكامل، والحؤول ان استعادة حزب الله منها عسكرياً من خلال إدخال عدد كبير من أنصاره إلى إسرائيل، ونقل النزاع العسكري إلى داخل فلسطين المحتلة.

< قمة الرياض:

قمة الرياض لمجلس التعاون الخليجي التي عقدت نهار الأحد الماضي، ناقشت جملة من القضايا العربية والإقليمية. وأكد المشاركون مواقف ثابتة حيال عدد من الملفات، مثل تجاوزات إيران في المنطقة، وأزمة اليمن والقضية الفلسطينية.

ودعت القمة إيران إلى الالتزام بالأسس والمبادئ والقوانين الدولية ومبادئ حسن الجوار، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وعدم استخدام القوة او التهديد لها ونبذ الطائفية.

وأعرب المجلس عن رفضه التام وإدانته لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول الخليج والمنطقة.

وأدان الاعمال الإرهابية التي تقوم بها الجمهورية الإسلامية ، وتغذية النزاعات الطائفية والمذهبية، وطالب المجتمعون إيران بوقف دعم وتمويل وتسليح الميليشيات والتنظيمات الإرهابية.

كما طالب القادة المجتمع الدولي لإتخاذ خطوات أكثر جدية لمنع حصول إيران على قدرات نووية، ووضع حد على برنامج إيران للصواريخ البالستية . وهذا هو مطلب إسرائيلي بامتياز.

ورغم اعتبار هذه التوصيات أنها مجرد كلام غير قابل للتطبيق أو الفرض «عربياً»، إلا انه يكرس بالواقع الأرضية الإيجابية المناهضة للجمهورية الإسلامية في إيران، كما انه يؤكد مرة أخرى على النزاع السني – الشيعي الحاد والاعتراف به واقعاً سياسياً اجتماعياً، يمنح إسرائيل وقوات الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الالتزام العربي الكامل بمواجهة إيران في حال إعلان ساعة الصفر.

كما تؤكد القمة الدور الذي تلعبه دول الخليج بقيادة السعودية لمواجهة مساعي التمدد الإيراني في المنطقة وتصميمها على تأليف جبهة أو تحالف الدول السنية لمواجهة الهلال الشيعي وتكريس واقع جيوسياسي جديد في المنطقة.

< الوضع السوري والعقوبات على إيران:

يرى بعض المحللون أن الاضطرابات وأعمال الشغب التي تشهدها فرنسا منذ اسبوعين والمرشحة للانتقال إلى عواصم أوروبية أخرى لا تعود فقط إلى غلاء المعيشة والضرائب الإضافية التي فرضتها الحكومة الفرنسية على الوقود، بل إن الجانب الخفي مرتبط بمعارضة اوروبا وعدم التزامها بفرض العقوبات الأميركية على إيران.

وإن صحت هذه التحاليل فإنها تشير دون شك إلى تصميم الإدارة الأميركية في الذهاب من خلال هذه العقوبات إلى إرغام الدول المؤثرة بالالتزام المطلق للإدارة الأميركية بملاحقة ومعاقبة ايران وسائر التنطيمات التابعة لها.

وقد نرى في الأيام المقبلة تحولات جذرية في الموقف الأوروبي حيال إيران. وقد تكون حادثة اعتقال كارلوس غصن، من الرسائل الموجهة مباشرة إلى فرنسا وتهديداً لتنامي اقتصادها الصناعي.

الساحة الأوروبية المضطربة لا تخفي التأزم الحاصل على الساحة السورية التي يتواجد عليها دول كبرى متنازعة فيما بينها، ليس فقط حول النفوذ بل حول مستقبل سوريا والمنطقة معا.

ويبدو ان محاولات بوتين للتوصل إلى حل يرضي مختلف الأطراف ويحافط على حكم بشار الاسد من خلال التوافق على دستور جديد للبلاد وعلى صيغة تحفظ ماء الوجه للقيادات المتنازعة كما للحكم. يبدو أن هذه المساعي وصلت إلى حائط مسدود .

وأصبحت الإدارة الأميركية تفاوض الروس من منطلق المقايضة على إيران ووجودها في الداخل السوري مقابل السير في الحل الروسي لسوريا.

ومرة اخرى يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي رفض عقد اجتماع مع بوتين خلال قمة الدول العشرين في الأرجنتين، بعد أن كان الاجتماع مقرراً ولمدة ساعتين بالتحديد، يرغب بإيصال رسالة جديدة إلى الجانب الروسي، أن لا تراجع عن تطبيق العقوبات على إيران، ولو الزم ذلك الدخول في مواجهات عسكرية مع الدول الداعمة لايران.

وكانت الإدارة الأميركية قد أرسلت سفناً وحاملات طائرات إلى الخليج العربي وإلى إسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة كتدبير عملي ميداني لكل الاحتمالات الواردة.

ولا يمكن أن نتجاهل الضغوطات التي تعرض لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب داخل الولايات المتحدة انطلاقاً من اتهامه بالتعاون مع روسيا والخضوع إلى املاءات بوتين، ووصولاً إلى عدم كفاءته لقيادة البلاد، ومطالبة اليمين المسيحي الأصولي له ان يلعب دوراً تاريخياً لحماية إسرائيل، أرض الميعاد المقدسة، وهي شرط أساسي لمجيء المسيح المخلص ، حسب المفهوم التوراتي.

< على أبواب حرب جديدة:

رغم استبعاد حصول حرب جديدة في لبنان والمنطقة، اعتقد أن الأجواء المحلية الداخلية في لبنان، والإقليمية والعالمية تشير ان جميع المعطيات تنبئ بحدوث عمل عسكري ما في أي لحظة، يكون مسرحه لبنان وسوريا على أقل تعديل.

في لبنان، المطلوب الآن هو تشكيل حكومة وليس إنشاء برلمان جديد يرضي العشائر على حساب الدولة والدستور. المشكلة الجوهرية في لبنان هو وجود بعض الفئات التي لا تعترف بالدستور وترغب بإلغاء الطائف وتكريس واقع جديد. فالانقلاب على رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء هو بالواقع انقلاب على الدستور وعلى مفهوم الدولة، المطلوب مرة أخرى هو عودة جميع الأطراف إلى كنف الدولة والدستور، لأن لينان هو أهم من حقيبة وزارية بالزائد او بالناقص.

ودعوني أذكّر ماكرون وحزب الله والرؤساء حريري وبري وعون وكل المعنيين بالشأن العام أنه يجب أن تذكر ما حدث مع هنري الرابع البروتستانتي الذي رغب أن يصبح ملكاً على باريس، فطلب اليه أن يختار بين بقائه على دينه أو اعتناق الكثلكة، شرطاً لقبوله ملكاً على باريس. فقال كلمته الشهيرة: «إن باريس تستحق قداساً دون شك: 

(Paris vaut bien une messe) 

اليوم اكرر: ان لبنان يستحق التضحية وعلى الجميع ان يقدموا تضحيات للحفاظ عليه، كما تستحق باريس وجدة وبغداد ودمشق… كما على ماكرون أن يضحي لحماية باريس يتوجب ايضاً على قادة العالم أن يتنازلوا عن كبريائهم وجنونهم ومخططاتهم لإنقاذ العالم من حرب مدمرة قد تنفجر في أي لحظة … وإلا تكون قضية «أنفاق حزب الله» جزء من خطة وضعت مسبقاً لاشعال المنطقة وربما العالم.