بقلم بيار سمعان

مضى سبعة اشهر على محاولة الرئيس المكلف سعد الحريري تأليف «حكومة وحدة وطنية». لكن جميع الجهود التي بذلها بالتعاون مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والمفاوضات التي اجراها مع مختلف المكونات السياسية لم تنتج حكومة حتى اليوم.

ومع تخطي كل عقدة، كانت تظهر عقدة اخرى، كان آخرها عقدة «السنة المستقلين»  او «سنة 8 آذار» او «سنة حزب الله». فلا سعد الحريري يرغب بتوزير احدهم،  ولا الرئيس عون يقبل بالتخلي عن الثلث المعطل، ولا الرئيس بري على استعداد لتوزير احدهم ضمن مجموعته.

< مكامن الخلل؟

يعتقد مراقبون سياسيون ان الخلل يكمن في قانون الانتخابات النسبي الذي جرى اعتماده بتسرّع. لكن يعتقد آخرون ان المعايير التي اعتمدت لتوزيع الحصص والحقائب، والتي التزمت بمفهوم النسبية المعتمد في الانتخابات اوصل الى هذه الحالة من التعطيل.

لكن البعض يطرح القضية من منظار اوسع، فالازمة اللبنانية اصبحت مرتبطة بامتياز بالنزاعات الاقليمية، وبالصراع السعودي – الايراني، بنفس القدر الذي ترتبط فيه بالنزاع الاميركي – السوفياتي والعقوبات التي فرضتها ادارة الرئيس الاميركي ترامب على ايران.

ويبدو ان ايران التي بدأت تشعر بالضغوطات الدولية والعقوبات الاميركية، تريد لعب  ورقة لبنان، بعد ان بدأت تستشعر الخطر القادم، وامكانية خسارة موقعها في الداخل السوري.

< حزب الله وتحسين موقعه لبنانياً.

حيال هذا الواقع، وتحسباً لكل الاحتمالات، يسعى الآن حزب الله الى تحسين موقعه على الساحة اللبنانية، آخذاً بعين الاعتبار المعطيات التالية:

< اصبح الحزب يدرك انه غير قادر على الاحتفاظ بمواقفه في الداخل السوري. وهو عاجز ان يواجه جيوش دول عظمى متواجدة ميدانياً على الساحة السورية، فبوجود الروس والاميركان والايرانيين والاتراك، ومع استمرار الضربات الاسرائيلية، وبوجود تفاهم ضمني بين الاميركيين والروس واسرائيل، يدرك حزب الله ان لا مستقبل له في سوريا، وان التضحيات الغالية التي قدمها خدمة للنظام السوري، هو عاجز ان يحولها الى مكاسب سياسية او اقتطاع بقعة مجاورة للحدود اللبنانية، قد يضمها يوماً ما الى قطاع نفوذه، في حال جرى اعادة ترسيم الحدود في المنطقة وخلق كيانات جديدة.

فشعار دعم النظام ومكافحة الارهاب لم يثمرا ما كان يتوخاه حزب الله، واقله توفير الامتداد الجغرافي الضروري لتحقيق «الهلال الشيعي» الذي يمتد من طهران الى بيروت. الأمر الذي بدأ يثير الشبهات والرفض، ليس من الدول العربية السنية وحدها، بل من قبل الولايات المتحدة، ودول الخليج واسرائيل وروسيا التي تفضل ان تبقى اللاعب الأوحد على الساحة السورية، لتنتقل منه باتجاه سائر الدول العربية. كما تسعى روسيا للاستئثار بالقرار السوري لكي تفاوض الاوروبيين والاميركيين من موقع القوة، في نزاعها معهم حول مستقبل اوكرانيا.

حيال هذا الواقع يرى حزب الله والايرانيون ان التحكّم بسياسة لبنان واملاء شروط الحزب على الحكومة والعهد قد يوفر مخرجاً وحلولاً للعديد من العقوبات التصاعدية القادمة.

فإيران، كما حزب الله يشعران انهما يفقدان تدريجياً نفوذهما على الساحة السورية، وان النظام السوري يفضل الغطاء الروسي «المضمون» على الغطاء الايراني المتزعزع، وان خيارات بشار الأسد وسياساته الكبيرة تلتقي اكثر فأكثر مع الرؤية الروسية، وتمنح بالتالي روسيا بوتين الأولوية على مختلف الاصعدة.

كما يدرك الرئيس السوري، انه من الاسهل التوصل الى حلول للأزمة السورية مع الروس وليس مع ايران، كون المجتمع السوري يتألف بنسبة 20 بالمئة من العلويين والاقليات و80 بالمئة من السنّة، وهم في نزاع عقائدي مع ايران الفارسية الشيعية.

واصبحت اصابع الاتهام توجه الى ايران انها هي من عملت سراً على ضرب الثورة السورية، من خلال خلق تنظيمات اصولية متطرفة، اضفت  طابعاً «همجياً» على هذه الثورة من خلال قطع الرؤوس والسبايا والطروحات المتطرفة دينياً. وهذا ساعد على تغيير نظرة القادة الغربيين مما يجري في سوريا وضرورة الاحتفاظ بحكم الأسد، بعد ان صوّر نفسه المدافع عن الحريات والديمقراطية في وجه تمدّد الارهاب الاصولي الذي سوف يهدّد العالم بأسره.

< حزب الله والحكومة

ظهرت عقدة «سنّة 8 آذار» فجأة بعد ان حلّت العقدة المسيحية مع اعلان القوات اللبنانية قبولهم عرض الرئيس الحريري ومعرفتهم ان استمرار تعطيل العهد يحمل في طياته الكثير من المخاطر، خاصة ان الاوضاع المعيشية ومعدلات البطالة وحالة عدم الاستقرار في المنطقة تحتم تحريك عجلة الحكم، خوفاً من تردي الاوضاع.

كذلك ادرك زعيم الحزب الاشتراكي السيد وليد جنبلاط خطورة الاوضاع، فأجرى صفقة مع الرئيس عون محققاً بعض المكاسب الداخلية،تفادياً للخطر القادم من الخارج. خاصة انه فهم بعمق قضية خطف مواطنين دروز في «السويداء» من قبل من قيل انهم داعشيون في سوريا.

ومع حلحلة العقدتين، امل اللبنانيون خيراً، واعتقدوا ان الحكومة سوف تعلن في اية لحظة. لكن فجأة ظهرت عقدة جديدة، اعلن عنها السيد حسن نصرالله بلغة قاربت التهديد، واثارت ردود فعل سلبية في الاوساط اللبناني.

كما ردت دار الافتاء بطريقة غير مباشرة على نبرة حزب الله العالية، وامتعض المسيحيون من انتقادات السد حسن نصرالله لرجال الدين من كل الطوائف.

ودخلت البلاد مرحلة جديدة من التوتر السياسي والطائفي. وادرك المحللون ان حزب الله يواجه مأزقاً ما يسعى للاستعاضة عنه بتدعيم موقعه على الساحة اللبنانية. كما اعتبر مسؤولون سياسيون، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري ان الخضوع الى املاءات حزب الله يعني، ليس فقط نهاية الدول، بل منح الحزب الضوء الاخضر لفرض سياسته على البلاد، خاصة ان الحزب قد اعلن في اكثر من مناسبة، على لسان مسؤولين انه لا يمانع اقامة جمهورية اسلامية في البلاد، وان ولاية الفقيه تفوق الدستور اللبناني وان تنفييذ اوامر ولي الفقيه امراً واجباً،.

< توتير الاوضاع الامنية في لبنان

يشهد لبنان منذ اسبوع حالة من التوتر الأمني بعد «الرسائل المبطنة» التي وجهها الوزير السابق الى الرئيس المكلف سعد الحريري والى الشهيد رفيق الحريري، وما رافق هذه التعليقات من ردود فعل شعبية على شبكات التواصل الاجتماعي من جهة، ولجوء عدد من المحامين الى القضاء والمطالبة بإحالة وهاب الى القضاء بتهم التشهير وافتعال المشاكل والاخلال بالسلم الاهلي. وتلا ذلك سقوط قتيل من انصار وهاب، بعد اصابته بطلقات، ادعت القوات الامنية التي داهمت منزل وهاب في بلدة «الجاهلية» ان قناصاً مجهولاً اطلقها، بينما يتهم وهاب القوات الامنية.

ويتساءل الناس: مَن يقف وراء ايقاظ مثل هذه الفتنة التي يعتقد اللبنانيون انها اصبحت من الماضي ومجرد ذكريات أليمة تركت آثاراً كارثية على الوطن بأسره؟

واتخذت الاحداث الاخيرة وجهاً مذهبياً بعد ان حاول الوزير السابق وئام وهاب اللعب على مشاعر القومية الدرزية، كما احدثت شرخاً فاضحاً في صفوف الدروز، بعد ان وجه وهاب انتقاداته الى الزعيم وليد جنبلاط.

ويرى محللون ان حزب الله تمكّن  من تكريس الانقسام داخل الطائفة الدرزية، مع ظاهرة وهاب، كما قسّم السنة مع «سنّة 8 آذار» وهو يخشى ضمناً التقارب بين عون والحريري بعد ان نجا تفاهم معراب من الانفراط، ولو معنوياً.

ساعة بعد ساعة ترتفع وتيرة التصعيد في جبل لبنان الذي يشهد استنفاراً مسلحاً من قبل انصار الزعيم وليد جنبلاط ومؤيدي وئام وهاب وسرت اشاعات ان الجيش اللبناني اوقف شاحنة تنقل اسلحة الى بلدة «الجاهلية» معقل وئام وهاب.

وانتشرت تسجيلات صوتية لمسؤولين في الحزب التقدمي الاشتراكي تفيد عن حشد وهاب لأكثر من 200 سيارة تضمنوا مسلحين حاولوا التوجه الى «المختارة» معقل وليد جنبلاط.

واتهم جنبلاط الاطراف التي استهدفت الرئيس الحريري انها تسعى الى افتعال الشغب، وان الاجواء عادت الى لحظة الاغتيالات. ودعا المسؤولين الى وضع حد لحالة وئام وهاب قبل ان تستفحل، مؤكداً على وجود امر عمليات لاستهداف سعد الحريري واشعال فتنة في الجبل.

فهل اتخذ قرار ما بالاطاحة بالزعامات التي لا تزال تراهن على قيام الدولة، ام ان مسلسل تعطيل تأليف الحكومة هو مجرد حلقة صغيرة من مسلسل طويل للسيطرة على الحكم في لبنان واعادته الى حكم الوصاية ذات الطابع والميول الايرانية؟

كلنا امل الا يوقظ اللبنانيون الفتنة والا يعيدوا عقارب الساعة الى الوراء. فالمقصود من التصعيد الأخير هو الضغط على الرئيس عون الداعم لمواقف سعد الحريري. تفاهم الاثنان يفسر انه بداية تمايز عن حزب الله. فهل تحول التصعيد وسيلة لفرض الشروط؟؟