لبنان «فوق صفيح» القلمون الساخن
- انكفأت الملفات السياسية في لبنان على وقع معركة القلمون التي انطلقت من دون «إعلان رسمي» والتي يخوضها «حزب الله» مدعوماً من الجيش النظامي السوري على شكل عمليات قضم تلال الواحدة تلو الأخرى وفق سيناريو يُعتقد انه يرمي الى حماية «الظهير الغربي» لدمشق.
وفيما سجّلت الوقائع العسكرية ، حسب وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» السيطرة على جرود الجبة (بعد جرود عسال الورد) وطرْد مسلحي المعارضة السورية المتوحّدين تحت راية «جيش الفتح» في اتجاه جرود رأس المعرة وفليطا والرهوة، ارتفعت وتيرة التحوّط الأمني في بيروت تحسباً لتداعيات قد تصيب لبنان ردّاً على قتال «حزب الله» في المقلب السوري على حدوده الشرقية، وسط خشية من عودة مسلسل التفجيرات.
وفي هذا السياق، برز الاجتماع الأمني الذي ترأسه رئيس الحكومة تمام سلام امس الاول وشارك فيه وزراء الدفاع سمير مقبل والداخلية نهاد المشنوق والعدل اللواء أشرف ريفي وقائد الجيش العماد جان قهوجي وسائر قادة الأجهزة الأمنية، وذلك غداة انعقاد مجلس الامن المركزي برئاسة المشنوق، في ظل معلومات عن ان هذين الاجتماعين هما في إطار رفْع الجهوزية واتخاذ كل الاجراءات اللازمة لحفظ الاستقرار الداخلي والتحسب لأي اختراقات أمنية محتملة وسط التطورات العسكرية في القلمون. واللافت ان صدى معارك القلمون يتردّد بقوّة في معقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث تحدثت تقارير عن إجراءات مشددة اتخذتها القوى والأمنية اللبنانية عند مداخلها وفي داخلها شملت تفتيش السيارات والدراجات النارية والمارة، فضلاً عن تدابير اتخذت في عمق الضاحية بالتعاون مع شرطة اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية و»حزب الله»، في حين ذكرت تقارير أخرى ان توجيهات كانت أعطيت من الحزب للسكان ليل الجمعة بعدم التجول إلا لقضاء الحاجات الضرورية تخوفاً من حصول اختراقات أمنية.
وتَزامَن القلق الأمني مع خشية من تداعيات سياسية لمعارك القلمون وانخراط «حزب الله» فيها وهو ما فاقمه اعلان قائد الحرس الثوري الايراني اللواء محمّد علي جعفري ان تدخلات بلاده في اليمن وسورية والعراق ولبنان تأتي في إطار توسيع «الهلال الشيعي» في المنطقة الذي وصفه «كالسيف في قلب الكيان الصهيوني»، ليردّ «تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) عبر شاشة «المستقبل» التي اعتبرت في مقدمة نشرتها الاخبارية «ان القلمون تختصر هذه الايام حكايةَ المرشد علي بابا الخامنئي والاربعين تلميذاً»، لافتة الى انه «من لبنان يستعدّ تلامذة الخامنئي وعلى رأسهم العضو في حزب ولاية الفقيه السيد حسن نصرالله للهجوم على اصحاب الارض في جرود القلمون وللاعتداء على اصحاب العِرض نزولا عند أوامر اللواء جعفري».
وفي شقّ آخر من الارتدادات السياسية المحتملة، ان الوقائع الميدانية على الحدود الشرقية قد تساهم في تغليب خيار التمديد للقادة الامنيين ابتداء بالمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص (يحال على التقاعد في 5 يونيو)، الأمر الذي يؤشر الى ان «سبحة» التمديد ستشمل في سبتمبر المقبل قائد الجيش العماد جان قهوجي، وهو التطور الذي قد يدفع زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الذي يخوض معركة وصول صهره العميد شامل روكز الى قيادة الجيش، الى ردّ اعتراضي ترجح دوائر عدة ان يكون على شكل اعتكاف لوزرائه (ما ان يُمدّد لبصبوص)، فيما تبقى الأنظار على الخطوة التي سيقوم بها عندها «حزب الله» الذي كان أبلغ الى عون انه يقف معه في ملفيْ الرئاسة والقادة الأمنيين.
وكانت التطورات العسكرية في القلمون السورية أفضت الى سيطرة «حزب الله» والجيش السوري على جرود الجبة وسط اعلان المرصد السوري لحقوق الانسان عن اشتباكات عنيفة بين الحزب مدعما بقوات النظام، ومقاتلي «جيش الفتح» في ظلّ انباء عن خسائر بشرية في صفوف الطرفين.
وفيما اعترف «حزب الله» حتى الآن بسقوط 3 من عناصره منذ بدء المواجهات في القلمون، تحدثت معلومات عن قتيل رابع هو مروان كاظم البرجي (من بلدة علي النهري البقاعية)، فيما تحدثت «تنسيقات» سورية عن مقتل 9 من الحزب خلال الاشتباكات أول من أمس، وان من بينهم مروان مغنية ابن عمّ القائد العسكري السابق للحزب عماد مغنية (الذي اغتيل في دمشق العام 2008)، علماً ان هذا الامر لم يتم التأكد منه عبر مصادر أخرى.
وكان «جيش الفتح» في القلمون اعلن عبر حسابه الرسمي في «تويتر»، إن حصيلة العلميات وصلت حتى الآن إلى «مقتل أكثر من 60 جنديًا وجرح العشرات من حزب الله ومَن والاه»، متوعدًا بتكرار انتصارات الشمال في إدلب وجسر الشغور.
وفي موازاة ذلك، أمكن رسْم المشهد التالي في القلمون انطلاقاً من الوقائع العسكرية التي حصلت حتى الساعة:
– نجاح «حزب الله» في التقدم في جرود بلدة عسال الورد السورية ووصلها بجرود بريتال اللبنانية، وكلام تقارير في وسائل اعلام قريبة منه عن تشكيل طوق على المسلحين يقطع طريقهم جنوباً في الجبال ومن الجنوب الشرقي باتجاه الزبداني التي تُعتبر «خزان الإمداد» الوحيد للمجموعات المسلحة في القلمون الغربي الذي يمتدّ طوله 70 كيلومتراً من رنكوس في الجنوب نحو البريج في الشمال، أما عرضه فيبلغ 15 كيلومتراً، فيما يفصل أتوستراد دمشق – حمص الدولي بين القلمون الغربي والشرقي، علماً ان «حزب الله» يسيطر على نصف القلمون الغربي، بينما يسيطر المسلحون على النصف الآخر من السلسلة الشرقية لجبال لبنان نحو الداخل السوري.
– المعلومات عن استراتيجية لـ «حزب الله» تقوم على عدم فتح «اكثر من جبهة» في وقت واحد بل الانتهاء من المنطقة تلو الأخرى ودفع المسلحين الى التراجع كما حصل بعدما انسحبوا من الجبة الى رأس المعرة التي يفترض ان تكون «الهدف التالي» للحزب والجيش السوري، وسط تقديرات بان ثمة سيناريو لحصر المسلحين في بقعة قريبة من جرد عرسال او في جردها فيصبحوا بين «فكيْ كماشة» الحزب والجيش اللبناني الذي كان سيطر على تلال استراتيجية في منطقتيْ عرسال ورأس بعلبك.