انطون سابيلا – سدني

جاءت هزيمة اليمين المتطرف الاسترالي بخمسة اصوات فقط وفوز اليمين المعتدل (أو الذي اعتدل بعد فوزه) بمثابة مؤشر إلى أن «الحرب الأهلية» في استراليا في مراحلها الأولى مثلما هو الحال في دول أخرى في امريكا الشمالية واوروبا. هذه الحرب ليست بين طوائف أو أديان وانما بين اليمين المتشدد واليسار المتشدد ايضاً. وكل طرف فيها يدعي أنه مظلوم!

وقد سارع رئيس الوزراء الاسترالي الجديد سكوت موريسون (من طائفة العنصرة الانجيلية) إلى ترطيب الأجواء مع الطوائف المسيحية الأخرى، وخاصة الكاثوليك، حيث نشر انصاره فيديو لخطاب له في نهاية العام الماضي يتحدث فيه عن دعمه وتعاطفه مع المسيحيين الموارنة الكاثوليك في لبنان والروم الاورثوذكس والكاثوليك في سوريا. وهدف هذه الخطوة هو استبعاد المخاوف من أنه «انجيلي متشدد» وللتأكيد على أنه منفتح على جميع الديانات والطوائف .

ولم تكن الديانة أو الطائفة تشكل جزءاً من السياسة الاسترالية إلا بعد أن اخذ رئيس الوزراء السابق مالكولم تيرنبول يعادي الكنيسة الكاثوليكية (مع أنه كاثوليكي بالإسم) لأسباب انتخابية محضة. واستغل الفضائح الجنسية في الكنيسة ليأخذ البريء بجريرة المذنب وليكسب دعم اليسار العلماني المتشدد.

ولتفادي «حرب الطوائف» سارعت كنيسة السيد موريسون (غير بعيدة عن منطقتنا) للإعلان انها لا دخل لها بالسياسة وان موريسون ابن الطائفة مثله مثل اي عضوآخر في الكنيسة وهو لا يمثلها في السياسة او الحكومة.

بدأت «الحرب الاهلية السلمية» بين اليمين المتشدد واليسار المتشدد في استراليا واوروبا وامريكا مع قدوم الرئيس اليميني دوالد ترامب إلى سدة الحكم في امريكا. وقد وجد اليمين المتشدد أن هناك من يمثله في البرلمانات وبين الرؤساء فزادت ثقته. والحقيقة أن هذه الحرب ما تزال في بدايتها وأن اليمين المتشدد الآن في مرحلة الهجوم. وجدير بالذكر ان السيد موريسون وجه اليوم دعوة للرئيس ترامب لزيارة استراليا (أكيد هناك قريبا زفة يسارية).

هناك ادعاء شعور بالضياع في اوساط المجتمع الاسترالي بعد تدفق اللاجئين من بلدان وديانات أخرى تجد صعوبة في التأقلم مع القيم الاسترالية. كانت الضاحية الواحدة فيها 7 كنائس فأصبح عددها الان كنيسة او كنيستين، وكانت اللغة هي الانجليزية فأصبحت الصينية والعربية ولغات أخرى محكية في العديد من الضواحي. هناك ادعاء أن بعض المهاجرين لا يعطون وزناً للقيم الاسترالية ولا يفهمون التواصل مع الاستراليين أو لا يريدون التواصل معهم لاسباب ثقافية أو دينية، لكن الحقيقة أن الدولة مقصرة ايضاً في تثقيف المهاجرين الجدد حول هذه القيم.

وهناك ادعاءات بوجود «مستعمرات» اسلامية وعربية وصينية واسيوية وافريقية في المدن وأن هذا تسبب بتراجع الثقافة الاسترالية وصار الاستراليون يغادرون المدن الكبرى إلى الاقاليم والريف «هربا» من الثقافات الجديدة». وفي الحقيقة ليس هناك مستعمرات ولكن ضواحي فقيرة وغنية!!

لم يراعِ رئيس الوزراء المطرود من الانقلابيين، مالكولم نيرنبول، شكاوي اليمين المتشدد، والتي بعضها لها ما يبررها والبعض الآخر مجرد مواقف واراء عنصرية. قالوا له مثلا إن موظفي وزارة الهجرة اليساريين المتشددين يرفضون طلبات الاقليات، وخاصة من الشرق الاوسط الذين لا يتدخلون بالسياسة لكنه تجاهل هذه الشكاوى فأستشاط اليمين غضباً.

قالوا له إن اعطاء البنوك والشركات الكبيرة 50 بليون دولار بينما المدارس الكاثوليكية تُحرم من بلايين الدولارات لكنه تجاهلهم فقامت المدارس الكاثوليكية بحملة قوية حالت دون فوز حزبه باي مقعد من خمس مقاعد فرعية فدرالية في نهاية الشهر الماضي، وكانت هذه الهزيمة الانتخابية هي الحافز الكبير للانقلاب.

دروس هذا الانقلاب بسيطة: « الحرب الأهلية» لم تنته بعد وهي في مراحلها الأولى، وهي طبعا حرباً سلمية هدفها الحكم وستقرر مستقبل البلاد. العنصرية والطائفية بغيضة من اي طرف كان وتهدم البلد. الوطن للجميع وليس لليمين ولا لليسار وحدهم. الرئيس يستمع لشكاوي الصغير والكبير وحكومته تحقق فيها. كن رئيساً للجميع وليس لفئة دون أخرى، واحترم خصومك السياسيين ولا تحاول تهميشهم لأن لهم قواعدهم ايضاً. وأخيراً وليس أخراً لا تحاول اسلوب فرّق تسد في بلد وُلد من رحم الامبراطورية البريطانية!!