كتب بيار سمعان
في اواخر الستينات، حمل شاب في منتصف العشرينات من عمره حقيبته واحلامه الكبيرة وغادر لبنان على متن سفينة ايطالية متجهة الى سدني.
لم يكن ذلك الشاب الممشوق القامة بحاجة الى وظيفة او مال. فهو انهى دروسه ويحمل ديبلوم في الهندسة الميكانيكية وكان يعمل مدير قسم في شركة قاديشا ولديه كل الفرص للترقي في عمله. غير ان اوضاع البلاد عامة وحوادث تشرين في طرابلس وانخراطه في حركة 24 تشرين وصداقة العائلة مع الشاب السياسي فاروق المقدم، دفعت العائلة الى ابعاد ابنها البكر عن الاجواء القلقة في عاصمة الشمال خاصة ولبنان عامة.
الرحلة الطويلة باتجاه استراليا والتي تدوم حوالي الشهر كانت بالنسبة لجان سمعان فرصة ليس فقط للتعرف على مسافرين من مختلف البلدان والجنسيات، ومن ضمنهم شاب اميركي ورجل اعمال اصبح اليوم رئيساً للولايات المتحدة، وهو دونالد ترامب. لكن تضمنت الرحلة الطويلة ساعات تأمل ومراجعة حسابات وذكريات وتصميم على مواجهة العالم الجديد الذي سيتخذه وطناً ثانياً له.
كان احياناً يقف وحيداً على رصيف السفينة ويتذكر دموع والدته ودعاء والده له بالتوفيق. يتذكر طفولته في بلدة علما الشمالية حيث نشأ في كنف عائلة والدته. وهو يتذكر مواقف جده بطرس السياسية والتزاماته. كما يتذكر كيف ارغمت العائلة ان تغادر علما الى طرابلس بسبب ثورة 1958.
ويستعيد ذكرياته خلال فصل الصيف في عيمار بلدته، فيصعب عليه ان يتناسى بيت جده الخوري حنا سمعان الذي يستقبل جميع ابناء البلدة على مدار النهار، و«بيته مفتوح» للجميع من زوار واغراب، كبار ورجال سياسة ومعوزين. وكان جده الخوري حنا سمعان قد اختير لينوب عن منطقة المزارع ويدلي بصوته نيابة عنهم خلال مرحلة الانتداب الفرنسي لصالح الزعيم قبلان فرنجية. واستمرت العلاقة مع آل فرنجية والعائلة جيدة ومع الرئيس سليمان وسمير حميد فرنجية فعائلتا الجدين كانتا مسيستان ولعبتا دوراً على مستوى المنطقة.
لذا ألف جان سمعان رؤية زعماء زغرتا والضنية يقومون بزيارة منزل الجدين، واعتاد على سماع أدق تفاصيل حياتهم وتعليقاتهم السياسية.
في هذه الاجواء نشأ وترعرع جان. وكان لديه اصدقاء كثر، لكنه يتذكر اكثر ما يتذكر خاله بولس كنعان وابن عمته خليل الخوري، الذين ترعرع واياهما وكلاهما صحافيان مخضرمان. كما يتذكر سمير فرنجية والشاب المثقف وصديق العائلة فاروق المقدم، الذي ظهر على الساحة السياسية في طرابلس والشمال كزعيم، خريج السوربون يحمل افكاراً تقدمية ويجاهر بمكافحة الاقطاع السياسي انطلاقاً من طرابلس. وهو من اطلق شعار «لبنان، مغارة علي بابا والـ 44 حرامي» ليصف التركيبة البرلمانية في لبنان آنذاك.
وتمكن فاروق المقدم من اجتذاب الشباب المثقف في طرابلس والشمال. ومن جميع الطوائف، لأن طروحاته لم تكن طائفية او مذهبية، واصبح يشكل ظاهرة مقلقة للسياسيين التقليديين في الشمال عامة، وطرابلس خاصة.
ويتذكر جان الساعات الطوال التي كان يمضيها فاروق المقدم في منزل العائلة وفي ضيافتها.
لهذه الاسباب قرر جان الابتعاد والسفر بعد ان تحوّل النزاع العقائدي الى نزاع مسلح، عندما قرر الاقطاع السياسي التقليدي القضاء على هذه الظاهرة الشبابية.
ومع وصوله الى سدني، افكار عديدة كانت قد تخمرت في ذهن جان سمعان فهو شاب مثقف وله شخصية محببة، ابن عائلة محافظة ومتأصلة في ايمانها وحسن علاقاتها مع الجميع. استقبله ابناء بلدته عيمار، وجميعهم لديهم اختبارات طيبة مع بيت الخوري حنا سمعان، كما رحب الطرابلسيون الذي تعرف الى العديد منهم في الوطن الأم، كذلك العائلات الزغرتاوية، خاصة من كانت تربطهم علاقات صداقة مع عائلتي الخوري حنا او جده بطرس كنعان. كما رحب به سكان حدشيت وسبعل والقرى التي اقام ابناؤها في منطقة القبة طرابلس خلال فصل الشتاء.
انكب جان عند وصوله على دراسة اللغة الانكليزية لأن الفرنسية التي يتقنها لم تكن ضرورية في هذه البلاد الا في حالات نادرة. وعمل في شركة ارنوتس بسكيت بضعة اشهر.
لاحظ جان عدة امور:
• الحاجة الى وسيلة تواصل بين ابناء الجالية في محيطهم الجديد.
• غياب الاعلام الذي يربطهم بالوطن الأم، في زمن صعب فيه التواصل مع العالم الخارجي والوطن الأم لأسباب جغرافية وتقنية ولافتقارهم الى اللغة الانكليزية.
• مستفيداً من ثقافته وخبرته السياسية ومثمناً اهمية الاعلام ودوره في تنوير وتوعية وخدمة المجتمعات، قرر جان سمعان اصدار صحيفة، يعكس اسمها كل الافكار التي تدور في ذهنه: «صوت المغترب» على امل ان تكون صوت كل مغترب لبناني وعربي في استراليا.
ومع صوت المغترب، باكورة وفاتحة الاعلام العربي في استراليا، كان جان سمعان السباق والمبتكر ومطلق اول حركة اعلامية في استراليا، تحولت لاحقاً الى حالة اعلامية نافرة، خاصة خلال الحرب اللبنانية عندما ظهر عدد كبير من الصحف التي تعكس في ميولها وانتماءاتها التيارات والاحزاب والطوائف المتناحرة في لبنان.
اجرينا حواراً مع جان سمعان حول ظهور اول صحيفة عربية بالمعنى الصحيح، اذ كان السيد شكرالله صقر يصدر «منشورة» تكتب بخط اليد وتطبع على ماكينة «ستانسيل» كالنشرات المدرسية، اطلق عليها تسمية «الوطن». لكنها لم تعش طويلاً. مع «صوت المغترب» بدأت رحلة الاعلام العربي في استراليا بالمعنى الصحيح. فلنتعرف على صاحبها جان سمعان ونطلع على اختباراته مع الجالية والمجتمع الاسترالي بشكل عام.
• حدثنا عن مرحلة وصولك الى استراليا؟
• وصلت الى استراليا في اواخر 1969. هاجرت ليس طلباً للرزق والعمل، لأنني كنت اعمل في لبنان ولدي وظيفة هامة وحاصل على ديبلوم في علوم ميكانيك الكهرباء، ولاسباب سياسية، كوني كنت عضواً فاعلاً في حركة 24 تشرين التي اسسها المرحوم فاروق المقدم. وقعت حوادث مع الحركة ارغمتني على التخلي عن وظيفتي والسفر الى استراليا.
كأي مغترب آخر، درست الانكليزية وعملت في شركة ارنوتس وحصلت على موقع مسؤول. لكن طموحي وافكاري كانت في مكان آخر. فالبيئة السياسية والوعي السياسي لديّ اسساً خلفية تدفعني باتجاهات اخرى. والانطباع الاول عن الجالية اللبنانية والجاليات العربية بشكل عام، ورغم ان حجمها كان محدوداً، الا انها كانت بحاجة الى وسيلة اعلام تربط بينهم، كون الاغلبية منهم لا يتقنون اللغة الانكليزية ويتشوقون لتتبع اخبار الوطن والاحداث الجارية في الشرق الاوسط.
لذا راودتني فكرة اصدار جريدة عربية تكون وسيلة تواصل بين ابناء الجاليات العربية وهمزة وصل مع الحكومات والمؤسسات الاسترالية كما تسعى الى نقل ما امكن من اخبار الوطن الأم.
لهذا اخترت اسم الجريدة «صوت المغترب» لأنني اردتها ان تكون صوت الجمعيات والاحزاب والنوادي ومرآة تعكس ما يدور في الجاليات العربية من نشاطات اجتماعية وادبية ودينية الى جانب الاخبار والتعليقات السياسية.
• كيف كانت ردود فعل الناس عند اصدار جريدة «صوت المغترب» وكيف كان يتم توزيعها؟
• تقبّل الناس الجريدة بشكل ايجابي للغاية. كانت حدثاً هاماً طالما انتظره المغتربون.
لم تكن الجريدة في البداية توزع في محلات بيع الصحف، بل كانت توزع على المحلات التجارية العربية ومحلات الحلويات والكنائس ودور الصلاة والمساجد والنوادي. في تلك المرحلة لم يكن هناك موزعون للصحف الاثنية. وكان الناس ينتظرون بشوق كل عدد تلو الآخر.
واصبحت الجريدة تجتذب الكتّاب والشعراء والمفكرين واخبار الجمعيات والاحزاب. وخلقت «صوت المغترب» مناخاً من التواصل الاجتماعي والادبي وتبادل وجهات النظر السياسية.
ولا بد من الاشارة الى ان ابناء الجالية اللبنانية من مسلمين ومسيحيين كانوا متناغمين ومتقاربين يتعايشون ويتشاركون الافراح والاحزان وبتبادلون الزيارات في المناسبات الاجتماعية والدينية. وغالباً ما كان المسيحيون والمسلمون يلتقون ايام الآحاد امام كنيسة مار مارون التي اصبحت مكان لقاء للجميع.
وباعتقادي ان «صوت المغترب» ساهمت ايضاً في تقارب ابناء الجالية اللبنانية.
• اخبرنا بعض ذكرياتك عن العدد الاول. كيف صدر ومن عاونك على اصدار «صوت المغترب»؟
• العدد الاول كان عدداً اختبارياً وجسّ نبض لردود فعل الناس. ساعدني في تلك المرحلة جورج ابي عراج. وقدم لنا جورج افراميدس غرفة في صالة السينما التي يملكها على طريق كانتربري في منطقة كانتربري. من هناك اصدرنا مجموعة من الاعداد الأولى قبل ان ننتقل الى مكتب خاص بالجريدة.
ولا بد من التنويه انه لم يكن لدينا آنذاك التكنولوجيا المتوفرة الآن. لا آلات كاتبة او كومبيوترز او انترنيت. وانا الشخص الاول الذي استورد آلة كاتبة الى استراليا لغاية تجارية. آخر الانباء اللبنانية والعربية نحصل عليها بالهاتف . وكان خالي بولس كنعان، وهو صحافي معروف يزودنا اسبوعياً بأهم الانباء والتعليقات. كما كنا نستمع الى الاذاعات العالمية التي تبث باللغة العربية . وغالباً ما كان اصدقاء يتبرعون بأوقاتهم لتسجيل الاخبار لنا. واحياناً تصلنا بعض الصحف اللبنانية والعربية مع المسافرين القادمين من لبنان.
فالحاجة الى الاخبار دفعتنا الى الاتكال على انفسنا للكتابة والتعليق على الاحداث. وباعتقادي ان نسبة الانتاج المحلي آنذاك كانت متقدمة للغاية. واخذت التعليقات السياسية والاخبار الاجتماعية حيّزاً هاماً ومتقدماً. وكانت «صوت المغترب» موجودة دائماً في المناسبات الاجتماعية والدينية والسياسية ان بواسطة مراسلين يعملون معنا او مصورين لالتقاط صور لهذه المناسبات.
في المراحل الاولى كنا نواجه صعوبات جمة للحصول على آخر الاخبار، نسهر الليالي وننفق اموالاً طائلة للاتصال بلبنان ومصر ودول عربية اخرى. فالاتصالات الهاتفية كانت المصدر الاول للتزوّد بالأخبار.
ثم اشتركنا مع الوكالة الفرنسية للأنباء وكنا اول جريدة بدأت بالحصول على الاخبار العربية والعالمية بواسطة التيليكس ثم اشتركنا مع الوكالة الاسترالية للأنباء للحصول ايضاً على الاخبار الاسترالية. كما كانوا يزودوننا ايضاً بالصور.
• كيف روجتم للجريدة في البداية؟
• لم يكن هناك اية وسيلة اعلامية او اذاعية عربية. لذا قمت بتوزيع الاعداد الاولى (حوالي 7 اعدادً) مجاناً في المحلات اللبنانية والعربية وعلى ابواب الكنائس والمساجد. هذه كانت الوسيلة الوحيدة للاعلان عن الجريدة والترويج لها.
• كيف كانت ردود فعل الناس؟
• كانت ردود الفعل ايجابية للغاية. ومع الوقت تحولت مكاتب الجريدة الى ملتقى اجتماعي والى مركز خدمات والمعالجة مشاكل الناس ولطباعة الرسائل الرسمية والمساعدة في تخليص المعاملات ومعالجة مختلف انواع المشاكل ان مع المؤسسات الحكومية الاسترالية او داخل المجتمع المحلي. كما تحولت مكاتبنا الى محجة للسياسيين الاستراليين، وهم يقدرون اهمية الاعلام. وتحولنا الى همزة وصل بين المواطنين والمؤسسات الحكومية. وتمكنا من كسب احترام وثقة الجميع لأننا كنا صادقين في تعاملنا مع الجميع ونعتبر انه من واجبنا مساعدة ابناء الجالية وخدمة المجتمع الذي نعيش فيه.
• هل من حقبة هامة في تاريخ «صوت المغترب»؟
• باعتقادي بلغت «صوت المغترب «اوجها مع بداية الحرب اللبنانية. والنجاح الذي حققناه لا يعود فقط الى دور الحرب وانعكاساتها على جميع اللبنانيين الذين اصبحوا يتتبعون اخبار الوطن والمعارك بشكل دائم، بل هناك ايضاً اسباب عملية اخرى. فخلال هذه المرحلة وصل اخي ميشال من لبنان بمهمة اعلامية من قبل مجلة «الاسبوع العربي» وانضم الى اسرة تحرير الجريدة. ويعتبر ميشال هو اول اعلامي محترف درس الصحافة في لبنان. وكان اخي سيمون سبقه في المجيء الى استراليا، وساهم معي في اصدار الجريدة كما اصدر مجلة المهاجر ثم التحق بنا الصحافي المخضرم والمشهور سليم الزبّال الذي كان يعمل مع مجلة العربي الكويتية واصبح يعرف بـ «ابن بطوطة» نظراً للتحقيقات المعمقة والميدانية التي اجراها عن جميع الدول العربية.
فتميزت «صوت المغترب» بوجود طاقم محترف اعلامياً ويمتلك خبرة عميقة في العمل الصحفي. ثم انضم الينا في وقت لاحق بولس كنعان وبيار سمعان. ولا حاجة للتحدث عنهما. لكنني اشير ان «صوت المغترب» تحولت بعدها الى مرجع اعلامي متمايز بين سائر الصحف نظراً للتحقيقات الميدانية وللتحليلات الصحفية التي كنا ننشرها في كل عدد، وكان الناس ينتظرونها على احر من الجمر.
العامل الآخر هو كيفية التوزيع، وعوض توزيع الجريدة بالطريقة التقليدية، اي في الكنائس والمساجد والمحلات التجارية، بدأنا نوزعها على محلات بيع الصحف بواسطة شركة توزيع خاصة، وساعدت هذه التدابير في اتساع رقعة الانتشار ليس فقط في سدني، بل في ملبورن وبرزبن ايضاً.
اما ادلايد، فقام احد الاصدقاء بتوزيعها محلياً، هذا بالاضافة الى المشتركين من افراد واحزاب وجمعيات وسفارات ومؤسسات حكومية.
• كيف تعاملت المؤسسات الحكومية مع «صوت المغترب» عند اطلاقها؟ ،
• كما يعلم الجميع، معظم وسائل الاعلام في استراليا وغيرها هي ممسوكة من قبل مجموعات معينة.موقف المؤسسات الحكومية الاسترالية في البداية تميّز بعدم القبول، لكن مع بداية الحرب اللبنانية (1975) ولاحقاً مع اعتماد التعددية الثقافية تحولت المواقف واصبحت «صوت المغترب» من الصحف الاول التي تتلقى الاعلانات الحكومية، ويقوم بزيارة مكاتبها نواب المناطق التي تشهد وجوداً للاستراليين من اصول عربية. وتمتنت علاقتنا مع الاحزاب، خاصة حزب الاحرار الذي كنت عضواً فيه. وعرض عليّ مراراً ان اترشح عن الحزب، لكنني لم اقبل بذلك.. ربما كنت افكر في قرارة نفسي بالعودة الى لبنان والاقامة فيه. ولم ارغب ان اهمل «صوت المغترب» في حال انخراطي بالعمل السياسي المحلي.
• ماذا عن الاعلانات؟
• في المراحل الاولى كان اصحاب المحلات والحلويات ومكاتب السفريات والمحلات التجارية من لبنانيين وعرب يشكلون معظم المعلنين في الجريدة.
لكن تبدلت الأمور لاحقاً واصبحنا نتلقى اعلانات حكومية. من احزاب ورجال سياسة ومؤسسات تجارية كبرى. وبلغت علاقاتنا مع الاحزاب الاسترالية مستويات رفيعة من التنسيق والتعاون.
• كيف اثرت الجريدة الاولى على معنوياتكم ومركزكم الاجتماعي؟
• لم تكن «صوت المغترب» اول جريدة عربية، فقط بل تحولت مكاتبنا الى مكتب خدمات واصبحت بمثابة سفارة لبنانية. هذا اكسبنا معزّة خاصة وقدر كبير من الاحترام. ولا حاجة لي ان اذكر هنا ردود فعل الناس خلال الحفلات والمناسبات العامة، عند حضورنا لها.
باعتقادي ان هذا التكريم يعود الى عدة اسباب، منها اننا لم نحوّل الجريدة الى وسيلة تجارية بل حافظنا عليها كوسيلة تواصل، وتحولت مكاتبنا الى مركز خدمات، داخلية وخارجية. وساعدت العديد من ابناء المنية وطرابلس وسكان مناطقنا الشمالية على المجيء الى استراليا والحصول على الاقامة الدائمة.
لذا نظر الينا ابناء الجالية ليس فقط كوسيلة اعلامية بل كمجموعة توفر ايضاً المساعدة لهم عند الحاجة.
• بعد «صوت المغترب» صدرت صحف عربية اخرى، مثل «التلغراف» و«النهار» و«صدى لبنان» و «الوطن» وسواها.. كيف تصف الاوضاع آنذاك من الناحية الاعلامية وهل خلقت الصحف الاخرى حالة من المنافسة؟
• نعم، مع ظهور الصحف الاخرى، خاصة خلال الحرب اللبنانية انقسمت الجالية حسب الالتزامات الحزبية والانتماءات السياسية لكن الأوفياء لصوت المغترب بقيوا اوفياء. وصراحة اقول ان الناس كانوا يشترون «صوت المغترب» حتى ولو كانت ورقة بيضاء. باعتقادي ان الناس تعاطفوا اكثر مع «صوت المغترب» بعد ظهور الصحف الاخرى. ربما يعود ذلك الى عدة عوامل نفسية والى قناعة لدى الناس ان الاصيل هو الافضل من المقلّد. خاصة ان «صوت المغترب» في مرحلة ما، كما ذكرت، بلغت مستوى رفيع من الحرفية، مع وجود اسماء بارزة في حقل الاعلام.
اضف الى ذلك ان «صوت المغترب» كانت الصحيفة الوحيدة التي لديها اشتراكات في الخارج، ابتداءً من الجامعة العربية ووصولاً الى الامارات العربية والكويت والعراق وليبيا وغيرهم. كان لديهم اشتراك سنوي نرسل لهم «صوت المغترب» بشكل اسبوعي. وكنا نغطي اخبارهم والمشاريع التي تقوم بها هذه الدول. كانت «صوت المغترب» الجريدة المعتمدة رسمياً لنقل صوت العرب الى الاغتراب.
واذكر هنا اننا اول من وجّه دعوة الى الدول العربية لدعم تعليم اللغة العربية. ولاقت دعوتنا آذاناً صاغية.
خلال الحرب كنا نبيع حوالي 5 آلاف عدد وهذا رقم عالٍ في جالية اغترابية محدودة العدد.
وكان شعارنا: نحن نقول الحقيقة فقط من اجل الذين يؤمنون بالحقيقة. رافق هذا الشعار تحديث آلات الطباعة ورفع مستوى الانتاج المحلي اعلامياً. كما حافظنا على خطنا اللبناني الذي يرفض العنف ويرفض تقسيم لبنان ويدعو الى وحدة اللبنانيين والتوقّف عن دمار الوطن دون جدوى، لأن لا احد قادر على اقتلاع او إلغاء احد ولا احد قادر على ابتلاع لبنان.
• ما هو برأيك تأثير «صوت المغترب» على الحركة الثقافية في الجالية؟
• كما ذكرت سابقاً. فتحت «صوت المغترب» صفحاتها لكتّاب المهجر من شعراء ومفكرين. ومعظم الشعراء المعروفين الآن امثال شربل بعيني وعصام ملكي وغيرهم ، بدأوا بنشر قصائدهم معنا. وكان لدينا صفحة «اراء القراء» تضمنت وجهات نظر مختلف التيارات السياسية. وغالباً ما كنا نشهد حالات من الحوار الفكري او السياسي حول مواضيع الساعة، او نتلقى تعليقات القراء على تحقيقات كنا نعدها في «صوت المغترب».
وساهم هذا الانفتاح في تطوير الجريدة لتصبح ذات مستوى عالٍ ومرجعاً اعلامياً وادبياً.
• صوت المغترب الصحيفة اللبنانية «كيف تصف علاقتها بالجاليات العربية الاخرى؟
• الانفتاح والحوار وعدم التطرّف وموقفنا من الحرب ومناهضته، كون الحروب لا تبنى اوطاناً وتغطية الاخبار العربية الى جانب اللبنانية. كل هذه الامور شجعت الجاليات العربية على قبول «صوت المغترب». فالجمعية السورية كانت مشتركة في صوت المغترب كذلك الاردنية والعراقية والمصرية والجالية القبطية.
صحيح اننا مسيحيون موارنة، لكننا لم نخاصم المسلمين اللبنانيين لاسباب سياسية. فنحن ابناء بلد واحد يجمعنا مصير مشترك. وما يؤلمهم يؤلمنا ومن يسيء اليهم يسيء ايضاً الينا. هذه الحقيقة تناساها البعض خلال الحرب اللبنانية، لكننا نحن لم نتخل عن قناعاتنا. وهذا ما ميّز «صوت المغترب» عن الآخرين، خلال الحرب اللبنانية.
• لنتحدث بعض الشيء عن علاقة الجريدة مع الجمعيات والمؤسسات الدينية داخل الجالية؟
• اقول بكل موضوعية ان 90 بالمئة من الجمعيات اللبنانية، ومعظمها شمالية، كانت تتعامل معنا عن قناعة وباحترام متبادل.
وكانت علاقتنا مع الكنائس الشرق اوسطية ( موارنة، ملكيين وارثوذكس واقباط) جيدة ومتينة وقد فتحنا صفحاتنا لنقل آراء المسؤولين في هذه الكنائس ولنشر نشاطاتهم الاسبوعية.
كما كانت علاقتنا مع الجالية الاسلامية من سنّة وشيعة وعلويين ومع المشايخ في لاكمبا علاقة جيدة جداً وتقوم على المعرفة والاحترام المتبادل ومساندتهم في مشاكلهم ومطالبهم. وحرصوا كما حرصنا نحن على تنمية وتطوير العلاقات فيما بيننا.
وصراحة اقول ان علاقتنا بالجامعة اللبنانية في حقبة ما لم تكن جيدة، ربما لأن البعض حاولوا الاستئثار بقرار ومواقف الجالية اللبنانية. لكنها تحسنت مع تسلّم الشيخ جو دويهي زمام الأمور فيها ودخول المرحوم جو بركات الى الحقل العام.
اوجز لأقول ان الشهرة التي حققناها لم تدفعنا للتخلي عن مسؤولياتنا الوطنية.
• كيف كان موقف «صوت المغترب» خلال الحرب اللبنانية؟
• كان موقفنا معلناً، واضحاً وصريحاً. كنا ضد استمرار القتال في لبنان، لأن الحروب لا تبني اوطاناً . كنا مع لبنان، لبنان الدولة والشرعية، مع لبنان العيش المشترك، مع لبنان الدستور والاستقلال ووحدة اراضيه. باعتقادي معظم اللبنانيين تقبلوا عن قناعة هذا الموقف.
اما بالنسبة للقضية الفلسطينية، كنا نطالب وندعم حقوقهم، وهي محقة، رغم الدور السيء الذي لعبته المقاومة الفلسطينية في لبنان. فهذا لا يلغي حقوقهم وشرعية قضيتهم الانسانية وحق الفلسطينيين بارضهم يلزمهم باحترام حقوق الآخرين، خاصة حق الشعب اللبناني بأرضه ووطنه.
كان نهج الجريدة 70 بالمئة لبناني و30 بالمئة عربي.
• سؤال اخير حول علاقة «صوت المغترب» بالمطران عبده خليفة؟
• المطران عبده خليفة مؤسس الابرشية المارونية في استراليا، كان ظاهرة فريدة يصعب على اي انسان ألا يحترمه، حتى ولو خاصمته. كانت علاقتنا متينة معه للغاية. فهو اولاً رئيس كنيستنا، شخصية مثقفة للغاية ويتميّز، رغم تواضعه بشخصية قوية يدرك مسؤولياته ويلتزم بقراراته وقناعاته كان عالماً ولاهوتياً ومثقفاً. الجالية آنذاك لم تدرك اهمية هذا الرجل، لكننا وقفنا الى جانبه في كل الصعوبات التي واجهها، لأنه كان رجل مبدأ واخلاص، لبناني وماروني حتى النخاع.
لم نكن نحب او ندعم اي شخص مسؤول لكي نغضب شخصاً او جماعة اخرى. احببناه ودعمنا مواقفه دون ان نسيء الى مواقف وقناعات الآخرين.
مَن خاصموا المطران خليفة كانوا يكّنون لنا الاحترام لأنهم ادركوا عبر السنوات الطوال اننا اصحاب مبدأ ولا نتاجر بمشاعر واحتياجات الناس.
• كيف ترى مستقبل الصحف العربية في استراليا؟
• لقد تبدلت وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي بشكل جذري اليوم بمقدور اي انسان لديه بعض المعرفة ان يطلع مباشرة على آخر المستجدات، فالانترنيت والهاتف الجوال جعلت كل انسان قادر على متابعة الاحداث ساعة وقوعها.
بالمقابل هناك عامل اللغة. فالاجيال الجديدة فقدت صلتها باللغة العربية، رغم ان البعض يدرسونها كمادة تعليمية، لكن نادراً ما ترى شاباً يتقن العربية يقرأ صحيفة عربية في استراليا. وحده الجيل الاول يتتبع الاخبار بواسطة الصحف. لذا لست ارى مستقبل الصحف العربية قادراً على الاستمرار الا في حال استمرت الهجرة الكثيفة الى استراليا.
• هل من كلمة اخيرة؟
• اود بالمناسبة ان اتوجه بشكري الى كل من ابدوا حماسهم والتزموا معنا خلال مرحلة اصدار «صوت المغترب» مَن ساهموا معنا ان من خلال الكتابة او التوزيع والعمل او شراء الجريدة. لقد بنينا معاً عائلة كبيرة لا تزال قائمة من خلال دوام العلاقات الطيبة. اترحم على مَن رحلوا من هذه الدنيا وأكّن كل احترام ومحبة للأحياء منهم.
ولي الشرف العظيم ان اكون مؤسس اول جريدة عربية صدرت في القارة الاسترالية. لقد كنا مدرسة في الابتكار والمغامرة، مدرسة في بناء علاقة متينة بين مكونات الجالية اللبنانية وبين اللبنانيين وسائر العرب في استراليا.
الخطأ الوحيد الذي ارتكبته انني بعت «صوت المغترب» وقررت الاستقرار في لبنان لاكتشف لاحقاً ان لبنان الذي عرفته وكافحت من اجله لم يعد قائمآً، لأن لعبة الأمم لم تنته بعد، ومخططاتهم لم تصل الى خواتمها.
اتمنى لوسائل الاعلام العربي كل التوفيق. الاعلام العربي في استراليا هو مغامرة يومية وتحدٍ دائم. ارجو الا نتناسى انه «رسالة» في آخر المطاف.
ميشال : من «الاسبوع العربي» الى «صوت المغترب» ميشال سمعان، خريج معهد الاعلام في الجامعة اللبنانية جاء الى استراليا في سنة 1975 مندوباً لمجلة الاسبوع العربي بدعوة من الحكومة الاسترالية لاعداد ملف عن العلاقات العربية الاسترالي. امتد البرنامج على شهرين وقابل آنذاك غوف ويتلم ، مالكولم فرايزر والعديد من الشخصيات الاسترالية، بالتنسيق مع السفارة اللبنانية في كانبيرا التي كان يرأسها السفير انطوان يزبك الذي اوصى بالاهتمام لهذه الزيارة كون زوجته الصحافية انطوانيت عازوري، كانت زميلة لميشال ولادراكه اهمية هذه التحقيقات. ساءت الاحوال الأمنية في بيروت واقفل المطار. وبإيعاز من رئيس تحرير الاسبوع العربي اسعد المقدم طلب الى ميشال التمهّل بالعودة. واستمريت بكتابة لمواضيع لمجلة «الاسبوع العربي». يقول ميشال كون اخي جان كان يصدر صحيفة «صوت المغترب» انضممت الى اسرة التحرير مما اضاف الطابع المهني الاحترافي على عمل الجريدة. < اوضاع الجريدة آنذاك تتحكّم بها امكانيات محدودة من الناحية العملية والمالية والتواصل. لكن الاحداث في لبنان المتسارعة فرضت تدابير جديدة. اشتركنا بوكالة الانباء الفرنسية ثم امنت وكالة الانباء القطرية بمسعى شخصي من الوزير عيسى الكواري عبر الهند، ووكالة الانباء الكويتية ايضاً هذا الكم المباشر من الاخبار ساعد الصحيفة على مواكبة الاحداث بصورة متواصلة وساعد ذلك «صوت المغترب» لكي تكون مصدر خبر موثوق في المرحلة. الاولى التأسيسة والسنوات الاولى كانت مغامرة اعلامية لاسباب عديدة عملية ومهنية لكنها تحولت فيما بعد الى رسالة وطنية. هذه المغامرة كان ينقصها الخبرة والاختصاصات والقدرات المالية والتقنية الحديثة. < علاقة «صوت المغترب» بالجالية؟ في تلك الفترة كانت الجالية متقاربة اكثر لذلك كانت المشاحنات والخلافات تظهر اكثر. وجاءت الحرب لتفضح وتعمّق هذه الانقسامات. كانت سياستنا تنبع من قناعاتنا المسيحية الرافضة للعنف وان المسيحية التي بدأت مع الرسل بشكل مسالم حولت ربع العالم الى مسيحيين. انطلاقاً من هذا المفهوم كان لنا قناعة ان العنف لا يعالج المشاكل والخلافات بل يزيدها. لذا آمنا ان بقاء لبنان سيد، حر، مستقل وموحد يضم الجميع من مسلمين ومسيحيين. هذا الموقف المبدئي القائم على قناعاتنا وتربيتنا العائلية. ان حقد البعض والعداوات الشخصية دفعهم الى نشر نهج من الاشاعات والافتراءات. واثبتت الاحداث ان مواقفنا العميقة هي التي يتمسك بها لبنان اليوم بعد 30 سنة من الحروب. |