بقلم بيار سمعان

في ايلول 2017 ،، نشر الكاتب والمسرحي الفكاهي سامي شاه كتاباً بعنوان «جمهورية استراليا الاسلامية» يستعرض فيه تاريخ الوجود الاسلامي في استراليا منذ عام 1800 حتى يومنا هذا. وجاء كتابه مليئاً بالمعلومات  التاريخية والمعاصرة، واستعرض فيه اهم الانجازات التي حققها المسلمون منذ ذلك التاريخ حتي اليوم. وشكك المؤلف بمصداقية الافكار المسبقة التي تنعكس على مواقف وآراء الناس تجاه المسلمين في استراليا.

ومنذ ايام عرضت القناة السابعة في ادلايد في برنامج Today Tonight حلقة مثيرة يتهم فيها بعض المسلمين، وعلى رأسهم الشيخ محمد توحيدي، أئمة وجماعات اسلامية متطرفة يعملون بدعم من الخارج على اقامة ولاية اسلامية مستقلة داخل استراليا.

 الشيخ محمد التوحيدي يتهم:

خلال اللقاء معه، حذر الشيخ محمد التوحيدي ان مجموعة راديكالية اسلامية تسعى الى اقامة ولاية اسلامية مستقلة داخل استراليا، وان الاسلام والمسلمين يعانون بسبب تطرف البعض. «للأسف ان ديانتي، في الظروف الحالية، هي في حالة من الفوضى العارمة».ولفت ان قيام «الولاية الاسلامية» يتم بتمويلها من قبل دافعي الضرائب في استراليا ومن فئات خارجية اصولية ومتطرفة.

ودعا التوحيدي المسؤولين في استراليا الى اخذ تحذيراته على محمل الجد والتحقيق مع الأئمة وملاحقة مَن يعملون لهذا الهدف الخطير، قبل فوات الأوان.

بالطبع اثارت تعليقات توحيدي ردود فعل كثيرة ومتناقضة. فاتهمه البعض بالعمالة والعمل مع المخابرات، وانه ليس شيخاً او إماماً. واستبعد آخرون هذه الفرضية مدعين ان تطرّف الأقلية لا يلزم الأكثرية ويجب بالتالي عدم بناء اي مواقف على آراء وسلوكيات متطرفة وشاذة.

 الكاتب كريس دسوزا.

غير ان الشيخ توحيدي ليس الوحيد الذي يعبر عن هذه المخاوف. فالمؤرخ والكاتب في صحيفة «اكسبرس تريبيوت» كريس تسوزا يوافق الشيخ توحيدي في طروحاته ويقول ان اقامة ولاية اسلامية في استراليا هو مشروع قائم وهو يحدث، ولو بشكل غير مباشر وببطء.

وفي حين كان الاستراليون البيض مشغولون بقضايا المساواة وزواج المثليين وتعديل المناهج التعليمية وقضايا اخرى، تدفق 600 الف مسلم الى استراليا من خلال برامج الهجرة واللاجئين. ولم يحدث مثل هذا الارتفاع الكبير لدى اية فئة من السكان. ويقدّر ان عدد المسلمين يقترب من 8 بالمئة من السكان الاصليين. وقد يصل هذا العدد الى 20 بالمئة بحلول عام 2030.

ويشرح كريس دسوزا ان الثقافات الاسلامية لديها آراء متناقضة تتعارض في فهمها لحقوق الانسان وحقوق المرأة وحرية التعبير وحقوق المثليين ولأمور حياتية عديدة. ويعتقد ان المسلمين التقدميين والليباراليين الذين لا يلتزمون بالتوجيهات والحياة الدينية ولا يمارسون الدين كفريضة ايمانية ملزمة، سيضطرون على التأقلم مع الموجات المتطرفة، بالتقاليد واللباس الاسلامي والالتزام الديني، حمايتاً لوجودهم ومصالحهم ومواقعهم داخل المجموعات التي ينتمون اليها.

ويذكر كريس انه في مطلع الثمانين وكما اوردت صحيفة السيدني مورنينغ هيرالد، عرضت السعودية العربية شراء قطعة ارض كبيرة في العمق الاسترالي لبناء «مكة جديدة» يحج اليها مسلمو منطقة جنوب شرق آسيا، بعد ان استحال استقبال المسلمين في مكة المكرمة، للقيام بفريضة الحج السنوية.

ويرى البعض ان هذا الطلب يحمل في طياته الرغبة التي تحدث عنها الشيخ توحيدي ومساعي اقامة ولاية اسلامية.

 مسلمون يطالبون بتطبيق الشريعة الاسلامية

بتاريخ 17 ايار 2011 نشرت الـ ABC خبراً بعنوان «مجموعة اسلامية تطالب بتطبيق الشريعة في استراليا». وجاء فيه ان الاتحاد الاسترالي للمجالس الاسلامية تقدم الى اللجنة البرلمانية الفيدرالية لشؤون التعددية الثقافية برسالة يطالب فيها ان يكون المسلمون قادرين على الزواج والطلاق واجراء المعاملات المالية.. بموجب مبادئ الشريعة الاسلامية.

ويرى الاتحاد بأن جميع الاستراليين سيستفيدون اذا تم تبني القوانين الاسلامية باعتبارها تشريعات اساسية.

ودافع اقبال باتيل ، رئيس الاتحاد الفيدرالية للمجالس الاسلامية آنذاك، عن هذا الاقتراح، مفنداً الفوائد الجمة التي ستنعكس على المجتمع، من النواحي الاجتماعية والاخلاقية والمالية. فالجميع سيستفيدون من تطبيق الشريعة، خاصة في مجتمع تعددي كاستراليا، على حد قوله. واكد ان قوانين الزواج حسب الشريعة ليست قمعية وذكورية كما يتصور البعض، بل هي تضمن حقوق المرأة، الأمر الذي لا توفره المحاكم الاسترالية.

 حزب التحرير

ويذهب حزب التحرير ابعد من ذلك اذ يطالب ويعمل، ليس فقط على اعتراف الانظمة بالشريعة الاسلامية، بل هو يسعى الى اقامة الخلافة الاسلامية في العالم ومن ضمنها استراليا.

ويمثل حزب التحرير الى حد بعيد عودة المسلمين الى الأصول الاسلامية العقائدية والثقافية، بعد ان اصيب المسلمون بخيبة امل من مواقف العالم الغربي من القضية الفلسطينية ودعمهم للأنظمة القمعية التي حكمت وتحكم العالمين العربي والاسلامي ضد ارادة شعوبها، فانكفأ المسلمون يبحثون عن حلول في جذور الاسلام والفتوحات الاسلامية.

كما يُعتبر حزب التحرير حالة منسجمة مع الموجة الاسلامية العالمية التي تسود العالم اليوم، وهي لا تختلف معهم الى حد بعيد في اسلوب دعم الفكر الاسلامي وفرض الخلافة الاسلامية، كنظام بديل للأنظمة الديمقراطية والرأسمالية.

 الاسلام والمشروع السياسي

يتخوف الغرب على ما يبدو من النمو الديمغرافي المتسارع لدى المسلمين ومن طرح بعضهم «الاسلام» على انه نظام دين ودولة يعالج كل الأمور العقائدية والحياتية والمدنية، وهو بالتالي نظام متكامل موحى به من الله. لذا يرى البعض ان من واجبهم كمسلمين العمل على فرض هذا «النظام الإلهي» بشتى الوسائل، وحتى العنيفة منها.

وقد اثارت تحركات وتصرفات بعض المسلمين في اوروبا وكندا والولايات المتحدة، وحتى في الشرق الاوسط، مخاوف العديد من عامة الناس والسياسيين. فبدأنا نلحظ ظهور موجة مواجهة للتمدد الاسلامي في العالم والذي يستفيد من الانظمة الديمقراطية للانقلاب عليها ومحاربة البيئة الحاضنة له.

امثلة عديدة يمكن ذكرها في هذا المضمار، لكن اكتفي بذكر حزب «امة واحدة» وبمواقف زعيمته من الاسلام والمسلمين.

فهي تتخذ من الاعمال الارهابية التي تقع في اوروبا واستراليا ومن اعمال القتل والذبح والاغتصاب الذي يمارسه تنظيم داعش في سوريا والعراق بحق الاقليات غير المسلمة، لا بل بحق المسلمين الذين يختلفون معه في العقيدة والممارسات، لتشن حملة مناهضة ضد المسلمين في استراليا.

وتطالب بولين هانسون الى عدم قبول المسلمين في استراليا وفرض حظر كامل على دخولهم البلاد، لا كمهاجرين او لاجئين او لاسباب انسانية… كما تدعو الحكومة والمؤسسات المعنية الى منع الاسلام بالكامل كتدبير وقائي لمكافحة الارهاب.

ويبدو ان طروحاتها المتطرفة ضد المسلمين والصينيين تلاقي رواجاً لدى الفئات المحافظة وفي البيئة الاسترالية الريفية. وتترجم المخاوف في صناديق الاقتراع، اذ ارتفعت شعبية حزب امة واحدة من 3 في المئة سنة 2000 الى 16 في المئة في الانتخابات الاخيرة. واصبح الحزب يشكل ظاهرة اجتماعية سياسية يفرض شروطه من خلال التصويت داخل البرلمان، وتحول عبئاً على الاحزاب الكبرى، بعد ان تعددت ظاهرة  الاحزاب المستقلة الصغيرة، مثل حزب المحافظين وغيره الذين يمتلكون القدرة على التحكم بالقرار السياسي في البلاد.

ولا يمكن التكهّن ان كانت هذه الظاهرة السياسية هي مجرد «غيمة صيف» عابرة ام انها تشكل دليلاً على عدم رضى الناس من السلوكيات المتطرفة لدى بعض المسلمين واستياء المجتمع الاسترالي من سوء اداء الاحزاب الكبرى وتقصيرها في طرح الأمور كما هي عليه.

 كونتونات اسلامية!!

يصعب فصل ما يحدث في استراليا عن سائر الأحداث المرتبطة حول العالم. اذ ظهرت فجأة خلال السنوات العشر الماضية بعثة اسلامية في جميع القارات والدول في العالم.

في الهند تطالب الرابطة الاسلامية بانفصال المسلمين عن المجتمع الهندي بسبب ما يتعرضون له من اضطهاد وسوء معاملة. كذلك يسعى مسلمو الصين للحصول على ادارة ذاتية لامورهم وايمانهم وحياتهم. لكن الحكم الشيوعي الحاكم لا يعترف بأية حقوق للأقليات خارج ما يرسمه ويخطط له المجلس الشيوعي الاعلى.

في بريطانيا وفرنسا والنمسا واسبانيا وغيرها من الدول الاوروبية، ترتفع اصوات بعض المسلمين المطالبين بفرض الشريعة الاسلامية.

في دول الشرق الاوسط، كما في الخارج اصبح الفكر الوهابي هو السائد. وظهرت مجموعات اصولية منظمة ومسلحة ومدربة في العراق وسوريا وليبيا ومصر. وبدأت هذه المجموعات تنفذ اعمالاً ارهابية ضد الكفار والصليبيين والحكام المتآمرين الذين لا يستمدون سلطانهم من الاسلام.، ان بشكل منظم او على طريقة «الذئب المنفرد».

لكن منذ ظهور تنظيم داعش والنصرة والقاعدة وغيرها حتى اليوم بدأت اصابع الاتهام تشير الى هذه التنظيمات على انها صنيعة الاجهزة والموساد الاسرائيلي والمخابرات الدولية.

فان صحت هذه الفرضية، يفترض بنا طرح عدد من الاسئلة حول اسباب نشوء هذه التنظيمات الاصولية المتطرفة ودورها في تنفيذ مخططات الآخرين في الشرق والغرب، كما في افريقيا واميركا وآسيا.. فلصالح من تعمل هذه التنظيمات وما هو المقصود من نشر الفكر المتطرف بين المسلمين، ابتداء من اللباس الاسلامي ووصولاً الى المطالبة بفرض الشريعة واقامة «مملكة الخلافة الاسلامية» في العالم؟؟

باعتقادي ان النورانيين والصهيونية العالمية تسعى الى تحقيق مخططها الكبير المبني على نظرية «صراع الحضارات والاديان» وبالتالي العمل على دمارها بغية اقامة نظام دولي جديد وانشاء دولة اسرائيل الكبرى.

هذه الفرضية توجب على العقلاء وعلى عامة الناس عدم اللجوء الى العنف والتطرف لأنهما يخدمان فقط مخطط «الانفجار الكبير »ومؤامرة خفض عدد السكان في العالم، وخلق حالة عارمة من اليأس والاستسلام المطلق لارادة ارباب المؤامرة العالمية.

ربما بامكاننا ان نتحرك ونؤثر اليوم وقبل فوات الأوان. ولنحيد الصغار عن لعبة الكبار من اجل حماية الجميع، وفي طليعتها استراليا.