طالما أن الرئيس سعد الحريري سيبقى رئيساً مكلفاً فإن لا حكومة من دون الحليفين «القوات اللبنانية» و»التقدمي الاشتراكي»، نتيجة تلقفتها الأطراف وعدلت عن تلويحها بحكومة «أكثرية» لتعود إلى «حكومة وحدة وطنية». المشهد العام اليوم لا يوحي بتشكيل حكومة في لبنان، أمر يؤكده واقع بعيد من أي أجواء متفائلة أو متشائمة تسربها الغرف السياسية.

الرئيس سعد الحريري يبذل جهوداً في التكليف وتصريف الأعمال، ويتماسك في أجواء محلية وإقليمية معقدة لا يُحسد عليها. الجزء الأكبر من العرقلة محلية، لكن هذا لا يغيّب الحسابات الايرانية عن لبنان، خصوصاً بعد الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي الايراني، وعلى الرغم من ذلك فإن القنوات السياسية تؤكد مصلحة «حزب الله» في حكومة سريعة تؤمن الغطاء الشرعي له وتترجم أكثرية محوره بعد الانتخابات النيابية، لكن ليس على مصلحة مطالبه التي وضعها تحت قاعدة «وحدة المعايير»: توزير النائب طلال إرسلان وتمثيل المعارضة السنيّة في الحكومة.

«وحدة المعايير» نفسها التي يطالب بها «حزب الله»، دفعت أحد السياسيين إلى التساؤل عن كيفية تطبيقها على حصة رئاسة الجمهورية، فالمعايير تعطي كتلته «لبنان القوي» 8 وزراء، وإذا كانت حصة الرئيس منفصلة عن الكتلة فـ»لا نواب للرئيس ولا معايير ولا وزراء»، وخلاف ذلك يعطي رئيس الحكومة حق المطالبة بحصة مشابهة. وهو أمر يذكر بالتسوية التي سجلت مكاسبها لمصلحة «الوطني الحر» و»حزب الله»، وما قاله عميد الديبلوماسيين العرب الأمير الراحل سعود الفيصل، عام 1976، في مؤتمر بيت الدين: «ينبغي أن نخالف المثل العربيَّ القائل إنّ التسوية تتضمن أن لا يُقتل الذئب ولا تفنى الغنم، بل لا بدّ من أن نقتل ذئب الفتنة الداخلية، ونعيد الاستقرار إلى هذا البلد العربي العزيز».

غالبية الأطراف السياسية تعتبر نفسها فائزة في الانتخابات النيابية وتريد أن تترجم ذلك في الحكومة. خرق الدستور والتعدي على صلاحيات الرئيس المكلف بالجملة. رئيس الجمهورية ميشال عون ورغم مرور أكثر من سنة ونصف السنة على العهد لا تزال شخصية رئاسة «الوطني الحر» حاضرة في سياسته، لكن حلفاء التسوية الجدد يفصلون بينه وبين «الوطني الحر». وزير الخارجية جبران باسيل يقاتل على حصتين 5 وزراء لرئاسة الجمهورية و7 للوطني الحر، هي أسلحة معركة رئاسية يخوضها باكراً فيما الواضح أن مواقف 4 أطراف على الأقل غير ايجابية تجاه هذا الطموح. خلاف درزي معقد لا توحي تطوراته بأي حلحلة قريبة، ولا تزال عقدة هذا الخلاف الحكومية على حالها، والمصادر المتابعة تؤكد أن «رئيس التقدمي الاشتراكي لن يتنازل عن حقه في الحصول على الوزراء الدروز الثلاثة» ترجمة لنتائج الانتخابات، ويأتي هذا الرد على الطرح المستمر بأن يكون الوزير الثالث توافقياً بين جنبلاط وعون والحريري. وفي المقابل إن حصول جنبلاط على حقه سيُعتبر هزيمة لمحور العهد.

ولا تخفي مصادر متابعة «اتفاق مصير» بين «القوات» و»التقدمي» في شأن الحكومة: «إما أن نكون معاً في داخلها أو معاً خارجها»، لكنّ سياسياً آخر يقول: «حتى لو اتخذ أي طرف من الحزبين قرار عدم المشاركة فلن تتشكل حكومة». العقدة المسيحية ورغم عدم تجاوزها، شهدت ايجابية تمثلت بتمكن الوزير ملحم رياشي من «سحب» حقيبة سيادية من رئاسة الجمهورية (الدفاع أو الخارجية) في مقابل تنازل «القوات» عن منصب نائب رئيس الحكومة إلى عون الذي قرر اسناده الى السيد نجاد عصام فارس. الرئيس قال لرياشي «اذهب واتفق مع الرئيس المكلف»، ومعروف أن لا مانع لدى الحريري في ذلك. وبشهادة من الوزير السابق الياس بو صعب، في حديث تلفزيوني قال: «باسيل أبلغ الحريري عدم اعتراضه على إعطاء القوات حقيبة سيادية». الايجابية في العقدة المسيحية تتلاقى مع ايجابية في عين التينة، لكنها لدى أطراف اخرى يقابلها تشاؤم تجاه التأليف، وأن «الأمور على حالها».  أمام الحملات الإعلامية على الرئيس الحريري، فإن أوساطاً معنية بالتأليف تعتبر أَن «مشكلة تأليف الحكومة هي ان النظام السوري يعمل على ضرب التسوية التي انجزت عام 2016 في لبنان عبر: محاولة فرض طلال ارسلان، والمطالبة بحصة سنية تابعة للنظام في الحكومة، ثم فرض استئناف العلاقات السياسية مع النظام بدفتر شروط يفرض على الحكومة». وشددت على أن «هدف النظام السوري اعادة لبنان الى انقسام 8 و14 لانه لا يمكنه اختراق البلد مجدداً سوى عبر سياسته المعروفة: فرق تسد».